افتتحت “هيئة الهلال الأحمر الإماراتي” مشروع مجمع أبوظبي السكني، ومشروع مجمع دبي السكني في منطقة نانجوي وجزيرة بمبا التابعتين لزنجبار، بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي. يضم المشروعان – وفق صحيفة “الخليج” الإماراتية – 60 مسكنًا مزودة بمرافقها الصحية والتعليمية والاجتماعية، إلى جانب خدمات المياه والكهرباء وإصحاح البيئة، يستفيد منها أكثر من 220 ألف شخص من سكان المناطق المحيطة. جاء ذلك في وقت وجّه فيه الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بتقديم كلّ ما من شأنه أن يساهم في رفع المعاناة وتحسين الحياة هناك، وقال إنّ هذه المشاريع تأتي انطلاقًا من التزامها الصادق تجاه الشرائح المستهدفة هناك، و”إنّ دولة الامارات لن تدخر وسعًا في سبيل تلبية الاحتياجات التنموية في زنجبار، وتحسين جودة الخدمات الضرورية في النواحي الصحية والتعليمية والاجتماعية، خاصةً في المناطق التي تحتاج لهذا النوع من المبادرات الحيوية”، وهي الخطوة التي أشاد بها الدكتور حسين علي مويني رئيس زنجبار، واصفًا إياها بأنها تأتي ضمن الدور الريادي والإنساني الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات ومدّها ليد العون والمساعدة للمحتاجين في جميع أنحاء العالم.
والمفارقةُ العجيبة، هي أنه في الوقت الذي يُحتفل فيه في زنجبار بافتتاح المجمّعين السكنيين ومركز الأمومة ومسجديْن ومدارس ومركز تجاري، بتمويل وإشراف إماراتي، تنشر جمعية الاستقامة الدولية العمانية إعلانًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تطلب فيه المساهمة في بناء منزل لمواطن عماني كبير السن في تنزانيا، اسمه سليمان بن راشد الرواحي، وهو فقير معسر ومستحق للزكاة، لأنّ منزله “متهالك جدًا وآيل للسقوط”، والمبلغ المطلوب هو 5 آلاف ريال عماني فقط لا غير!!
وحقيقةً فإنّ جمعية الاستقامة الخيرية، هي قوة عُمان الناعمة، وقد خدمت العمانيين الذين تقطّعت بهم السبل في الشرق الأفريقي بتفان وإخلاص، ولديها المئات – إن لم يكن الآلاف – من الحالات الشبيهة بحالة الوالد سليمان بن راشد الرواحي؛ وقامت بجهود كبيرة في الاهتمام ببقايا العمانيين في الشرق الأفريقي، وبنشر الإسلام، والمحافظة على اللغة العربية، وكذلك في تقديم يد العون للمحتاجين.
وما بين الاحتفال بتسليم المجمعات السكنية في زنجبار وإعلان جمعية الاستقامة، في هذا الوقت بالذات، يَظهر لنا الدكتور عبد الخالق عبد الله الأكاديمي الإماراتي بتغريدة يقول فيها: “البلدوزر الإماراتي يتحرّك بثقة وقوة شرقًا وغربًا.. وشمالًا وجنوبًا.. يمهّد الطريق لغيره.. خاصة التائهين في الماضي”.
أعتقد أنّ ما سبق يشرح كلّ شيء ولا يحتاج إلى مزيد بيان؛ فأحيانًا تمر على كتّاب مقالات الرأي حالاتٌ يجدون أنفسهم فيها غير قادرين على البوح، بل على الكتابة نفسها لأسباب كثيرة؛ منها مثلا أنه سبق لهم أن تحدّثوا عن الموضوع أكثر من مرة، فوصلوا إلى قناعة بأنهم ينفخون في قربة مثقوبة، فيذهب جهدهم في النفخ سدى. ولا يعني هذا الكلام أنّه يجب أن يؤخذ بكلّ ما يكتبه الكاتب، أو أنه دائمًا على صواب؛ ولكن ما يُفرح أيّ كاتب هو معرفته بمدى التأثير التي تتركه آراؤه ومقترحاته عند أصحاب القرار، خاصةً إذا كان الهدف هو الوطن. وبقدر ما يسعده ذلك التأثير – في حالة وجوده – فإنّ ما يُفرح الكاتب أيضًا هو ذلك التفاعل الذي يجده من القراء، وهنا يجد الكاتب نفسه ملزمًا بأن يواصل “نضال الكتابة” – إن جاز لي أن أطلق هذا التعبير على الكتابة -، لأنّ شهادة القارئ للكاتب تُعتبر أكبر وسام له، خاصةً إذا قيل له “لقد كتبتَ ما كنتُ أود قوله”.
وإذا كان إحساس حالة النفخ في القُربة المثقوبة كثيرًا ما انتابني خلال فترات الكتابة، وراودتني نفسي كثيرًا للتوقف، إلا أني من متابعتي للأحداث اليومية أجدُ نفسي أحيانًا ألجأ إلى لوحة المفاتيح فأكتب، لأنّ الكتابة في الأول والأخير حسب إيماني هي رسالة؛ من هنا فإني ركزتُ في أكثر من مقال على الوجود العماني في الشرق الأفريقي، لأنّ خسارة عُمان هناك ليست خسارة صغيرة، بل هي كبيرة جدًا، ممّا فتح المجال للآخرين أن يرثوا الدور العماني هناك ماضيًا وحاضرًا ومستقبلا، وقد كان الشرق الإفريقي عبر التاريخ، الساحة الخلفية لعُمان سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وهو ما يجب أن يكون عليه الوضع دائمًا بحكم التاريخ والجغرافيا.
وبغضّ النظر عن مقصد الدكتور عبد الله عبد الخالق في تغريدته، فإنه يبدو أننا فعلا قد وقعنا في “فخ الماضي” على حساب الحاضر والمستقبل؛ فلا قيمة للماضي إذا كان مجرّد تاريخ يُروى ولا تستطيع هممُنا أن تبلغه، ولا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا؛ ولكن الشقاء الكامل أن يكون حاضرُنا أفضل من غدنا – حسب رأي الشاعر محمود درويش – وقديمًا قال الزعيم جمال عبد الناصر: “المترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء”.
ومن المفارقات الزنجبارية أنّ رئيس زنجبار الحالي حسين علي مويني، تغزّل بعُمان منذ الأيام الأولى لتوليه الحكم في زنجبار، وفي أكثر من مناسبة، وحرص أن يصلي التراويح والجمعة في جامع السلطان قابوس في زنجبار ومسجد الاستقامة ومسجد السيد حمود غير مرة، وهو الذي تربّى والدُه رئيس تنزانيا السابق علي حسن مويني في بيت الشيخ عامر بن علي بن عمير المرهوبي، ولكن يبدو أنّ ذبذبات الغزل لم تصل وضلت طريقها. ويبقى أن نقول لا يمكن للقطار عندما ينطلق أن ينتظر المتأخرين والمترددين؛ “فالمترددون لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء” كما قال الزعيم جمال عبد الناصر، كما أنه لا ينبغي أن يكون أمسُنا أفضل من يومنا، ولا أن يكون يومُنا أفضل من غدنا.