مقالات
الفيروس كورونا ما له وعليه
د. سعيد بن محمد السيابي
إن انتشار الوباء في عدد من دول العالم يمنح العديد من الدروس والحكم البليغة، وتمثل ذلك في أن العالم قرية كونية واحدة، وحدوده ذابت أمام هذا الانتشار السريع للوباء والارتفاع المتزايد للحالات من دولة إلى أخرى، فنستخلص من ذلك أن الكرة الأرضية المترامية الأطراف ما هي إلا جسد واحد كبير ما أثر في أقصى شماله له انعكاس في آخر بقعة من جنوبه، وهكذا التأثير كان سريعا في هذا الجسم الذي ظهر جليا بأن انعكاسات فيروس لا يرى إلا بالمجهر في صغره تفوق على دعاة التعالي العالمي الذين انبهروا بالاختراعات والابتكارات الضخمة التي تجاوزت حدود الأرض لتصل للفضاء فإذا بالفيروس يرجعنا على نقطة صغيرة في الأرض وهي قيمة الصحة والحياة الإنسانية ذاتها معرضه لامتحانات كبيرة مثل هذه الجائحة لفيروس كورونا وأن على العالم أن يكون مستعدا للعمل بروح الفريق الواحد في هذا الجسد الكبير.
كما إن الإنسانية تساوت أمام هذه الظروف الصحية، فالفيروس يصيب الفقير والغني، والكبير والصغير، ويهجم على الأفراد في الدول المتقدمة مثلهم في الدول النامية، لذا كان لابد من إعلان الخطر وتمثل ذلك بإعلان منظمة الصحة العالمية بأن الإنسانية باتت حياتها على المحك وعلينا جميعا أن نتكاتف ونوحد الجهود والمعارف كي نحصل على العلاج الواقي والناجع لهذا العدو الشرس الذي أقلق مضاجع الإنسانية في العالم كله.
منذ الإعلان عن ظهور هذا الفيروس وانتشاره في العالم أصبح العالم بداية أمام صدمة التقبل بوجود خطر محدق والبعض الآخر اعتقد أنه بعيد كل البعد عنه وأن ما يملكه من موارد مالية ستحميه ويستطيع بسرعة التغلب عليه، ولكن جميع النظريات والحلول على الورق أثبتت أنها أمام اختبار التحدي، ففيروس كورونا لا يشبه فيروسا سابقا بل هو قنبلة موقوته للعالم عليه أن يستجمع قواه بداية في تحمل الصدمة، وبعض الرؤساء في دول العالم قالها صريحة ” أن هذا الفيروس سيفقدنا أحباءنا”. وهذا ما حصل وبشكل دراماتيكي وسريع جدا وخصوصا في الدول المتقدمة التي كنا نشير لها بأنها نموذج للرعاية الصحية والتأمين الصحي والاجتماعي العادل إلا أن في هذه الازمة كان الفيروس أسرع وأكبر حجما في الانتشار من كل المخططات، ولهذا نحن في الدول العربية كذلك وفي سلطنة عمان على وجه التحديد وقع الأخبار مؤثر جدا وأصبحنا نتفرج أمام سيل من الصواعق عن حجم وسرعة هذا الفيروس، فما كان من حكومتنا الرشيدة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- إلا أن شكلت لجنة عليا مهمتها قيادة هذه المرحلة الصعبة من انتشار الفيروس ووصول حالات مرضية متنقلة إلى أرض السلطنة وتبعها العديد من الإجراءات الاحترازية والقرارات الوقائية والأعمال الميدانية وجميع أجهزة الدولة كانت يدا واحدة تعمل بروح الفريق الواحد للوقوف أمام عدم انتشاره وآثاره بعد وصوله للعديد من العمانيين من مختلف الأعمارـ ولله الحمد، كانت المعالجات كثيرة الجميع سمع بها في وسائل الإعلام وقد خرجنا بالكثير من الدروس أذكر منها:
-
أن المجتمع العماني نسيج واحد وجسد واحد وتعاضدنا في السراء والضراء.
-
حريصون على السلامة الشخصية وسلامة أسرنا وجميع أفراد مجتمعنا من خلال الالتزام بالقرارات التي قامت اللجنة العليا بتوجيه تنفيذها مثل التباعد الجسدي الاجتماعي وعدم إقامة الأفراح والعزاء وجميع التجمعات الأسرية والعائلة في هذه الظروف.
-
الاعمال التوعوية قام بها الجميع وهنا أذكر مواقف مشرفة للكتاب والمثقفين العمانيين فمعظمهم قام بالمشاركة في التوعية والحملات الإعلانية (الجلوس بالبيت) والبعض الآخر وثق كتابيا لهذه المرحلة ونشر الكتابات في الصحافة العمانية ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، وكانت كتابات مؤثرة ومقنعة ومناسبة للحالة الإنسانية العالمية والعمانية على وجه الخصوص.
-
التحول التقني الذي كان يتم التدرج به على مراحل ظهر على السطح بأهمية الإسراع بتنفيذه في مختلف قطاعات الخدمات في الدولة، وكان للمؤسسات الثقافية نصيب من ذلك فأصبح العديد من موظفي المؤسسات يقدمون خدماتهم وينجزونها من بيوتهم، وتم التحول التقني للصحافة الورقية المطبوعة وأصبحت متوفرة إلكترونيا وبذات تفاعلها وثوبها القشيب الذي تظهر به ورقيا، فأصبح هناك تسارع في هذا المضمار وتقدمت الأفكار الشبابية والمتمكنة في هذا المجال وخدمت العديد من القطاعات اللوجستية والاقتصادية والبنكية والبيئية والزراعية والصناعية والتعليمية، والنماذج المشرفة كثيرة، ولله الحمد، والجميع قرأ عنها وشاهدها في وسائل الاعلام. رب ضارة نافعة كما يقال، ويحسب للأزمات بأنها تخرج من رحمها الفرص والممكنات، وهكذا الإنسان يتأقلم مع محيطة سريعا ويتعايش معه ويتعلم البقاء والتأقلم في أحلك الظروف.