تساؤل: هل للمكتبة الوطنية أهمية في وجود التقنية الرقمية وسهولة الوصول إلى المعلومات وأيضا في ظل الأوضاع المالية الصعبة التي تمر بها الدول.. ومع توفر مكتبات جامعية ومكتبات أهلية عامة تقدم الخدمة للجميع كما هو الوضع في السلطنة؟
والإجابة على التساؤل تكمن في معرفة ماهية المكتبة الوطنية والأهداف من إقامتها. فمن المسمى “المكتبة الوطنية” يعنى أنها الوصي على التراث الفكري للأمة، وعليه فمن مهام وجودها حماية التراث الوطني والإنتاج الفكري بالدولة، وما كتب عن الدولة، والحفاظ عليه من خلال الجمع والرقمنة والحفظ والأرشفة، وهذا عمل لازال غير مكتمل في السلطنة، وتقوم به جهات مختلفة، ووجود المكتبة الوطنية يسهل تنسيق العمل بين هذه الجهات وتلاقيها في هدف واحد. وهذا عمل قد تم في كثير من الدول حيث انتهت منذ زمن من جمع التراث الفكري المسجل والمكتوب ورقمنته، بل وقطعت شوطا كبيرا في جمع وحفظ الفكر المنشور رقمياً .
وتقوم المكتبة الوطنية بتجميع الفكر المنشور من خلال مسؤولية الإيداع القانوني والذي هو حق أصيل يمنحه القانون للمكتبة الوطنية، ويلزم المؤلف والناشر، وحتى المطبعة، بإيداع نسخة مجانية من أي مطبوع أو منشور، وبدورها تعطيه رقم تسجيل يسمى رقم الإيداع. وبعض المكتبات الوطنية مسؤولة أيضا عن منح الرقم الدولي الموحد للكتب وللدرويات، وهو رقم لايتكرر، ويعرف به كل مصدر دون غيره، ويستخدم في تسجيله بالفهارس وفي استرجاع البيانات وله وظائف أخرى عديدة.
أيضا من مسؤوليات المكتبة الوطنية إعداد الفهرس الوطني لجميع الإنتاجات الفكرية بالدولة والتعريف به، ولهذا العمل مسمى آخر وهو الببليوجرافيا الوطنية.
كما أنها، أي المكتبة الوطنية، لها دور في الفهرسة الموحدة والفهرسة أثناء النشر وهي أيضا تجمع فهارس المكتبات بالدولة في فهرس واحد بما يسمى الفهرس الوطني الموحد والذي يسهل من البحث عن المعلومات ومعرفة مكان وجود المصادر.
أما بخصوص تقديم الخدمات المعلوماتية فالمكتبة الوطنية تقدم خدمات معلومات لروادها من الباحثين كأي مكتبة أخرى وإلى جانب ذلك تتوسع في تقديم خدماتها على مستوى الدولة من خلال شبكة المكتبات العامة التي تقودها على مستوى المحافظات والولايات والقرى. ومن خلال هذه المكتبات تقدم خدمات المعرفة والمعلومات وخدمات الحكومة الإلكترونية للمواطن أينما كان كحقه في الحصول على الخدمات الأخرى كالتعليم والصحة والكهرباء والماء وغيرها.
وعند إنشاء المكتبة الوطنية في عمان فإن هيكل شبكة خدماتها ينتظر تكوينها فتوفر المكتبات الأهلية العامة وتوفر المكتبات العامة المركزية مثل مكتبة مركز نزوى الثقافي وشبيهاتها المخطط لإنشائها في المحافظات. وهنا يمكن للمكتبات المركزية بالمحافظات والولايات تقديم الدعم والخبرات للمكتبات الأهلية العامة بالإضافة إلى القيام بأدوار المساءلة والتقييم والتطوير لشبكة المكتبات العامة ومرجعيتها جميعا في المكتبة الوطنية .
ومع التحول الرقمي وتغير أنماط صناعة النشر والنداءات بمجانية الوصول للمعلومات والذي بدوره أدى إلى تغيير احتياجات المعلومات وسلوك المستفيدين في الوصول إليها تظل أهمية وجود المكتبة الوطنية قائمة مع وجوب سعيها إلى تطوير سياساتها في جوانب الإيداع القانوني والملكية الفكرية بما يتناسب والتغيرات التقنية . ويمكن للتقنية أن تأخذ الكثير من أدورا المكتبات الجامعية والعامة وتقلل من الإحتياج إلى كثير من المساحات في مبانيها لكن تبقى للمكتبة الوطنية أهمية كبيرة في وجودها لحفظ التراث والفكر على مختلف أشكالها عبر الأزمنة والعصور ويبقى مبناها الفخم معلم تتميز به الدولة.
وأخيرا، فيما يخص تأثر الإقتصادات والنظرة إلى إنشاء مبنى للمكتبة الوطنية على أنه هدر للمال فيمكن القول بأن مشروع المكتبة الوطنية على الرغم من أن أهدافه حفظ التراث الوطني وتعزيز الثقافة وهذا في حد ذاته مكسب وطني إلا أنه يمكن أن يكون مشروعاً ريعياً أو فلنقل داعماً لنفسه من خلال تسويق الثقافة والتراث ومن خلال الجذب السياحي ودعم التعليم والبحث وتقديم الإستشارات والتدريب. هذا ويمكن للأثرياء والشركات والمؤسسات المساهمة في تكاليف البناء والتشغيل.