اختار الشاعر د. سيف الرمضاني الانحياز للشعر من خلال البحث والتقصّي ليكون إصداره الجديد بعد ثلاثة دواوين شعرين قدمها للمكتبة العمانية، فتتبع خطى الشاعر “ود رمثة”، الشاعر سالم بن ناصر الغافري، أحد شعراء بلدة سرور في ولاية سمائل، ليكشف عن كنوز فن شعبي متداول يحمل اسم المسبعات، فكان الكتاب الصادر عن دار لبان للنشر حاملا لاسم “مسبّعات ود رمثة”.
يشير الدكتور سيف إلى أنه وبتحليل الأحداث في إحدى قصائد ود رمثة يمكن تقدير الفترة التي عاش فيها بأنها في عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي سلطان عمان وزنجبار ( ١٧٩١-١٨٥٦م )، ولكن لا يعرف بالضبط التاريخ الذي انتقلت فيه أسرة الشاعر من جبرين ببهلاء إلى سرور ، ولكن الأرجح أنه كان بعد مقتل الإمام محمد بن ناصر الغافري وغريمه خلف بن مبارك الهنائي في معركتهما الأخيرة بصحار في الثاني من شعبان عام ١١٤٠ ه الموافق ١٣ مارس عام ١٧٢٨م ؛ أي قبل ما يقارب ثلاثمائة عام.
عاش الشاعر ولد رمثة في أسرة غنية ميسورة كانت تمتلك الكثير من الضواحي والبساتين في قرية سرور آنذاك ، وللشاعر بيت فخم جميل بين بساتين النخيل الغنّاء يسمى “بيت الداخل” يقع وسط القرية، وما تزال شواهده الأثرية باقية حتى الآن على الرغم من انتقال ملكيته لعائلة أخرى.
ويعرّف د. سيف الرمضاني المسبّع بانه “عبارة عن صورة أو لقطة شعرية مكثفة شبيه بالقصة القصيرة جداً ؛ لكنه يتميز عنها بالوزن والقافية وحشد المحسنات البديعية من جناس وطباق وتورية. ومن حيث الشكل ينقسم المسبع إلى نوعين: المسبوك وهو ما اعتمد على الجناس من حيث كون تجانس الكلمة الأخيرة في الأشطر المشتركة مع اختلاف معانيها، والثاني المفتوح الذي لا يحكمه الجناس”، مشيرا إلى أنه “غالباً ما يرتجل هذا النوع من الشعر في جلسات طرب تقام من أجل الترويح عن النفس والتسلية وقضاء أوقات الفراغ والراحة وفي بعض المناسبات كالأفراح”.
ويشير الرمضاني إلى أن هذا الفن ينتشر في العديد من مناطق السلطنة لكن بمسميات مختلفة؛ ففي بعض ولايات جنوب الباطنة كالسويق والمصنعة وبركاء يعرف بالدان دان، وفي مسندم يسمى الدان، وفي شمال الباطنة يسمى كواسة، وفي الظاهرة والبريمي ومنح بالداخلية يسمى الويلية، وفي سمائل وبدبد يسمى فن الكاسر، ويختلف المؤدون للفن تبعاً لكل منطقة، فبعضها يقتصر على الرجال وبعضها الآخر على النساء، وبعضها أداء مشترك يجمع بين الجنسين، لكنها جميعها تشترك في استخدام شعر المسبع في الكلمات والكاسر والرحماني في الإيقاع.
ومن سماته، وكما يذكر الرمضاني، بأنه فن يجتمع فيه الشعر والرقص والغناء ضمن صفيّن متقابلين من المؤدين يتوسطهما قارعو طبول الكاسر والرحماني؛ حيث يقوم الشاعر بالمرور على الصفين لتلقين المؤدين أبيات المسبع في الوقت الذي تصدح فيه حناجر المؤدين بالغناء الراقص على نغمات الطبول.
ويشر الرمضاني إلى أن محور أشعار ولد رمثة يدور حول الغزل والعتاب والوصف والبكاء على الأطلال والنصائح، وقيل أنه كان لا يتورع عن أن يصرف ما لديه من مال دون حساب للاستمتاع بمباهج الحياة وزينتها وجمالها ، ولعله يشبه هنا الشاعر الأموي عمر بن أبي ربيعة في نشأته الثرية وشعره الغزلي. ومما يروى عنه أن زائرة له من بلاد بعيدة شاهدت نخلة زبد – وهي من أفضل أنواع النخيل في عمان – أمام مدخل بيته فطلبت أكل جمارتها أي قلبها الذي إذا أزلته تكون قد قضيت على النخلة ، ويسمى باللهجة العمانية “حجب”، فأمر بقطع النخلة لاستخراج الجمارة لتأكل منها زائرته.
وزائرة ثانية خلع عليها من الذهب والحلي الشيء الكثير ليتقرب إليها لكنها ما لبثت أن هربت عنه في جنح الليل على ناقتها ؛ فعرف عنها أنها توجهت لمكان يقال له ” بينونة ” يقع بالقرب من أبوظبي فلحقها إلى هناك ، وقال فيها :
برقٍ تبسّــم عَ دار الحي بينونه
وجراح قلبي انتقض وازداد بينونه
وما يخلق الحور إلا بأرض بينونه
أنوارها تصطلي من بعد ظلماها
تسري بها العيس قمري وليل ظلماها
صاح المؤذن بفجر قد ظلماها
وتراجعت روح قلبي بأرض بينونه
وفي رواية أخرى أنه لحقها بإحدى قرى وادي الطائيين وكانت حاضرة لإحدى جلسات الدان دان، فقال فيها قصيدته :
هذي مهجةٍ أصبغتْ بالدم أمراها
ما فــكّـرت تنتظر وتقيس أمراها
تصبرْ عشر في عشر لو شهر مهلولِ
ونصبتْ على شخص كأنه هلال مهلولِ
جازت على وحش من الوحوش مهمولِ
كسرت ركان الصِّـبا مو كظّ أمراها
فما كان من من عقيد الجلسة وحاكمها إلا أن ألزمها برد مصغوته الذهبية إليه.
ومن القصائد المتداولة في السنوات الأخيرة ولم يكن يعرف أن صاحبها “ود رمثة” قصيدة “صابوني”: