يشكل الوعي الاجتماعي بعدا عميقا في تحضر المجتمعات ورقي سلوكها والتزامها بالقيم الاجتماعية العليا. ويقوم الوعي الاجتماعي على إدراك الفرد بمحيطه وما يدور فيه من أحداث وظواهر على مختلف الأصعدة، فيتفاعل معها على نجو إيجابي، ينطلق من المعرفة والإحساس بالمسؤولية المشتركة تجاه الملصحة العامة. وبدون هذا الوعي لا يمكن أن يتحقق هذا السلوك لدى الفرد أو أن يشعر بمسؤوليته الشخصية مهما تعاظمت الأمور وتفاقمت الأخطار، فهناك خلل جوهري في بنية الوعي والإدراك لدى الفرد.
كثر الحديث، في ظل استفحال جائحة كورونا، عن أهمية الوعي الاجتماعي باعبتاره العامل الأهم في نجاح مختلف الجهود التي تبذلها مؤسسات الدولة من أجل التصدي لانتشار فايروس كورونا (كوفيد 19). ولكن لا يخفي المسؤولون في الجهات الحكومية صدمتهم وتذمرهم الواضح من ظاهرة الاستهتار والتهاون بالتقيد بالإجراءات الاحترازية التي وضعتها الجهات المعنية، حفاظا على حياة الناس وصحتهم.
ولعلنا نتساءل هنا، أنه إذا كان الاستهتار قد بلغ هذا الحد في شأن يمس الصحة والحياة معا، فهل يمكننا أن نتحدث عن وعي اجتماعي؟ وهل يمكننا الرهان عليه في شيء أقل خطورة من هذا الفيروس القاتل الذي تسبب في شلل العالم وتوقف عجلة الحياة، مخلفا وراءه آلاف القتلى وملايين المصابين في مختلف البلدان والقارات؟
أستحضر هنا حدثين برز فيها الوعي الاجتماعي لدينا على نحو كبير يجعلنا نعيد التفكير جديا في مستوى هذا الوعي وضروة مراجعة الوسائل والآليات في بنائه وتشكيله من جديد. الحدث الأول ردة الفعل الجماعية العنيفة خلال انتخابات مجلس الشورى الأخيرة حينما ترشحت امرأة غير محجبة، وما أثار ذلك من لغط وتلاسن أصبح قضية رأي عام لعدة أسابيع، حتى انتهت جولة الانتخابات. أما الحدث الثاني فهو ما نعيشه الآن في ظل جائحة كورونا من استهتار وعدم التزام من شريحة كبيرة من المجتمع، الذي يعد هو صمام الأمان الأول في دعم جهود الدولة في التصدي لويلات الجائحة وإخماد حريقها المشتعل.
وإن كنت أتحدث عن الوضع لدينا في عمان، فإن الظاهرة لا تقتصر علينا فقط، وإنما هي موجودة لدى مجتمعات عدة، ولكن ما يهمنا في المقام الأول هو مجتمعنا العماني. فليس من المقبول، بعد خمسين عاما من النهضة الحديثة والتعليم بمختلف مستوياته، أن يكون مستوى الوعي الاجتماعي لدينا على هذا الحال الذي لا يمكن التعويل عليه لقبول رأي مختلف أو الالتزام بتدابير وقائية بسيطة للحفاظ على الصحة والحياة.