بين الشهيق والزفير، حياة، وما بين المد والجزر قصص تعدت حدود التاريخ الذي نعرف، حكايا تعالت وأخبت أصوات الموج وهي تتفنن في الحديث عنها، أمام بهجة البشر..
أما البشر، فلا يفقهون شفرات حديثها، مكتفين بإلقاء ما استطاعوا من حديث سري، ضحكات، أوساخ، مغتالين ما يحوي جوف البحر من خيرات..
ومن منطلق صفات الراوي العتيق، لم يكفهر وجه البحر كما رأيته ذات عصر، وهو يزأر كأنما الطعنات تتولى عليه من كل حدب وصوب..
ولأنني بشر لم أتعلم لغة المحيطات بعد، ولا أوحت لي المياه المالحة ببعض من بوحها، لم أعِ ما كانت تشتكي منه..
مضيت في جولتي على مد كيلومترات من صراخ البحر، في تلك الدقائق كنت في صراع أجتث خلايا فكري.. إلى أن وصلت الى مقصد الشاكي (البحر) كما أظن..
خلت بأن الصدع الممتد على جوانبه قد شوه قلبه ومسح بهجته، زدت يقيناً بذلك حين انتابني شعور الضيق والغربة أثناء جولتي التي لم تتعدَ الساعة!
فكيف بالصديق الذي اتعبته الشكوى ولا من مجيب!
أي قلب هذا الذي يقوى على مجابهة بقايا ركام من المنازل المحطمة! بقايا من الاسمنت والطوب واشلاء الحديد والخشب!
لم يسببها أي من القلاقل الطبيعة، فلم يحطها أي زلزال ولم تعصف بها ريح عاتية.. ولا تحارب الأقوام فأفسدوا شموخها بقصف من الصواريخ المدمرة..
ما حل بشريط الساحل المتزاحم بالأطلال، هو صنع بشر؛ رسم فكرة، وشرع بتنفيذها، ثم توقف فجأة، دون أي يكترث لحنين البحر إلى حياة من يقطنوا بجانبه، ودون أن يبالي لتاريخ أقوام عاشوا هنا على مر العصور..
ملامح من التاريخ على ساحل الباطنة، تبدلت صورتها، من البهجة والزحام، والصيد، وأصوات البشر، إلى ما يسمى بالخراب؛ وأكوام من المشوهات إلى حين ليس بمعلوم من الوقت.. على أمل أن تتضح الفكرة ولو بعد دهر..
حينها سيحكي البحر عن قوم أرادوا رسم خطة جديدة فأورثوا البحر الكآبة والحنين إلى ملامح لن ينساها..