مقالات
تربية النفس
حمده بنت سعيد الشامسية
كنت أتجول بين أكوام الكتب المستعملة المكدسة في ساحة الجامعة في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، عندما وقعت عيناي على كتاب لدينس ويتلي بعنوان (بذور العظمة)، و قررت اقتناءه لا لسبب إلا لكون ثمنه كان بخسا و في متناول يدي آنذاك، فقد كانت ميزانيتي محدودة للغاية وكان السعر أحد أهم معايير اختياري لأي منتج، ولم أدرك في تلك اللحظة بأنني كنت بصدد السير في طريق طويل من التنمية الذاتية، سيغير حياتي إلى الأبد.
ذهلت وأنا اسير في هذا الطريق باكتشافي أن جيناتي وتربتي ليست بالضرورة هي التي تشكل حياتي وتحدد مصيري فلدي الخيار والقدرة على تغيير قدري، إذا شئت، وذلك من خلال إعادة تربية نفسي من جديد، و التخلص تدريجيا من برمجة العائلة و المدرسة و المجتمع، التي كانت العامل الأكبر في الواقع في تكوين شخصيتي.
علي الاعتراف بأن ذلك تطلب مني عقودا طويلة من العمل الدؤوب في اصلاح الندوب النفسية التي تركتها تلك البرمجة على روحي و قلبي، و أتخلص من تلك السمات الشخصية التي جعلتني مهزوزة الثقة بنفسي، مفرطة الحساسية، غاضبة وانهزامية.
كان علي قراءة مئات الكتب، والاستماع إلى مئات التسجيلات الصوتية، والانضمام إلى عشرات الدورات التدريبية وبرامج التنمية الذاتية، لأتخلص شيئا فشيئا من تلك المشاعر السلبية التي جعلتني حبيسة سجن كاد أن يكون مؤبدا، و اسيرة سلسلة من الأفكار السلبية.
كان كتاب (بذور العظمة) السبب في إطلاق الشرارة الأولى من الأمل في إمكانية تغيير واقعي عرفت أنني مسؤولة مسؤولية تامة عنه من اللحظة التي انتهى فيه دور والدي في تربيتي، خاصة إذا رفضت الاستسلام لمحاولات المجتمع من حولي في أخذ هذا الدور.
لست هنا بصدد لوم والدي فقد أنجباني في مرحلة الطفولة، في زمن لم يكن فيه جاسم المطوع و مصطفى أبو السعد لإرشادهما للوسيلة المثلى للتربية، ومما زاد الطين بلة أنني ولدت في مجتمع من أعرافه أن مسؤولية تربية الصغار تقع على عاتق كل كبير في ذلك المجتمع، وكانت وسيلة التربية المثلى الذي يعرفها أفراد ذلك المجتمع (حبة العسو) و الخيزران المحناية)، لاشك أن هذه الوسائل ساهمت في زرع مجموعة من القيم والمبادئ والأخلاق التي اشعر بامتنان عظيم عليها، لكنها ايضا كانت سببا في بعض البرمجيات السلبية التي شكلت شخصيات ابناء جيلي.
لعل هذا ما يجعلني اعترف بأن مجال التنمية البشرية أ حد أعظم هبات هذا العصر، الذي ساهم التطور التقني في إيصاله إلى أرجاء المعمورة، ليساهم في تغيير حياة ملايين البشر حول العالم، و تسريع عجلة التنمية فيها بشكل مذهل غير مسبوق، إن التأثيرالايجابي الذي أحدثته هذه الحركة الفكرية، كان سببا في كثير من التطور الذي نراه حولنا في كافة المجالات.