لم تعد وزارات الإعلام في عالمنا العربي بحاجة إلى وحدات قياس الرأي العام كما كانت في السابق، فيكفي أن يطل موظفها (أو رجل الحكومة في المبنى الآخر) عبر نوافذه المتاحة على أي من مواقع التواصل الاجتماعي ليرى حجم ما يقوله (الرأي العام) وربما (الخاص) في سائر القضايا (العامة والخاصة)، وعلى نحو غير معتاد، وفق الأساليب القديمة.
وفي حالتنا العمانية فإنني من متابعي “تويتر” مكتفيا به عمّا سواه، كونه مختزلا، يحدد “المغرد” ما يريد التعبير عنه في مجموعة حروف، ولذلك فإن قياس الرأي العام عبره لا يكون بمستوى واحد فقط، أي ما يعبّر به الشعب تجاه حكومته، بل مستويات هذا التعبير، الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وتبدو النقطة الأخيرة هي الأبرز، رغم أن مستوى الوعي واضح وبيّن، فمن ينتقد كاتبا محترفا قد لا يعرف كتابة جملة من خمسين كلمة دون ارتكاب خمسة وخمسين خطأ لغويا (إملائيا ونحويا)، ولا أبالغ، فبعض الكلمات بها أكثر من خطأ!
ميزة هذا “الهايد بارك” أنه غير محدد بالأسماء، وبجوار الأسماء المعروفة من نجوم الكتابة والمحاماة والآداب والفنون وغيرها تجد مسميات دالة على رغبة في المناكفة والمشاكسة والعبث، ولذلك تأتي الكلمات منهم غير محسوبة، ويطلق الرصاص في كل صوب، لكن الحذر موجود قد قدرة الشخص على الحذر والانتباه، فخبرات “الإدعاء العام” قادرة على “إخراج الثعلب من جحره” إن صوّب صياحة صوب “الدولة”، وتقديمه للمحاكمة، لكن إذا كانت “إساءات شخصية” فهذه ليست مهمة كثيرا للبحث عن مصدر قائلها، وعلى المتضرر أن “يبلع” ما تعرّض له!!
وهذه الأيام يبدو أن قاطني البيت التويتري موتورون “حبتين زيادة” واجدين في الحالة العامة ما يتيح لهم مساحة للتعبير عن ضيقهم وتبرّمهم، والحالة محفّزة: تسريح من العمل، عدم وجود وظائف لطوابير المنتظرين منذ سنوات، وعدا ما أحدثته عاصفة التقاعد المبكر (لأصحاب ال 30 عاما من الوظيفة) فإن الضريبة المضافة لم تكن تحتاج إلى “قضية اللقاحات” لتشعل حطب تويتر أكثر فأكثر، ويغدو مراقبو “الرأي العام” في حيرة من أمرهم، فالتشاؤم سائد، والوضع متوتر، فكيف إذا أضفنا عوامل أخرى كالحظر والأخبار اليومية للوفيات والإصابات بفيروس كورونا، وكثير مما يوتّر الإنسان ويصيب “نفسيّاته” بتأثيرات سلبيّة تحيط به ليل نهار، وقد تكاثر الطرق عليها منذ أكثر من عام.
الحكومة مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، بدراسة هذه الحالات من الرأي العام، فالموتورون على “تويتر” يتزايدون، ويصيبون غيرهم بالتوتر، وهذا ليس له علاج إلا بتوزيع بعض “الفرائحيات” على الشعب، ومن يتمسك بما تيسّر له من الصبر حتما سيغدو العبء عليه ثقيلا مع تواصل هذه الضربات..
امنحوا المواطن حالة تفاؤل واحدة بين كل تلك الصدمات، انظروا إليه ولو قليلا كما يفترض، ليسأله أحدكم: كيف حالك يا مواطن؟! هل توجعت كثيرا لدرجة الموت، أو أنك ما زلت في مرحلة الإغماء، أو أنك تقاوم لأن المسؤولية على الوطن كبيرة؟ وأنك تشتكي فقط لأنك اعتدت على الشكوى والتذمر، وأنه “ما عاجبنك شيء” دائما؟!
اسألوه، ولا أقول استشيروه، لأن صوت في “الشورى” تعرفون مدى قوّته وحدكم، ولذلك يلجأ إلى “تويتر” وأمثاله، يفضفض كي لا يختنق لنقص أوكسجين الحرية والتعبير عن الرأي في وسائل إعلامه، ولنأمل ذلك منكم أن يتم قبل العشر الأواخر، حيث الأدعية مستجابة، فاتقوها ما استطعتم.