يحزُّ في النفس أن يكون صاحب دار نشر، وينصح مؤلفًا بأن يتّجه لطباعة كتابه في خارج البلاد!!
ليس لأن الإمكانيات غير مُتاحة، وخارج نطاق حدود الحصول عليها، فهنا أخرجت المطابع عشرات الآلاف من العناوين عبر مسيرة تمتد نحو 52 عامًا، أنجزت الكثير، ولكنها أبقت الرقيب حيًّا متيقظًا، يحمي البلاد والعباد من شرور الذين يخرجون على النص.. إنما أي نص؟
بالأحرى: النص الذي يراه الرقيب صالحًا لنا، فهو يتوارث ما سار عليه الأقدمون قبله، ليس بالضرورة ما ترضى عنه الحكومة، بل ما يعتقد هو أنه جيد، وليس به محذورات قيل له عنها.
فأنت إذا كتبت كتابًا عن أية فكرة تناولت جانبًا دينيًا؛ فذلك يعني أن هناك موظفًا في وزارة الأوقاف لا بد أن يفتي في جواز طباعة الكتاب..
وإذا قلت شيئًا عن الشورى؛ فلا بد من نيل موافقة مجلس الشورى.. وهكذا دواليك.
بمعنى آخر أنه لا بد أن يكون رأيك في كتابك موافقًا للجهات الرسمية، كأنما هو أحد مطبوعات الدولة، ومحسوب عليها.
أما الرواية فإنها لا بد أن تلتزم بالمعايير الأخلاقية، فلا تقدم المجتمع بصورة خارج المثالية التي يعيشها، فمواطننا كائن مقدّس يعيش بمثاليات لا تطالها أي من المجتمعات الإنسانية، فالبلد ضارب في عُمق التاريخ، والدولة في مصاف الدولة المتقدمة، والمجتمع يعيش ما لم يعرفه مجتمع الصحابة.. والعدالة نكاد نصافحها بأيدينا ونحن نسير بين أروقة المحاكم، أو في تقارير حقوق الإنسان!!
الخلاصة أننا لا نريد للرقيب أن يموت.. بل أن “يتطوَّر”..
فلا نكتب باسمه، ولا باسم الحكومة، ولا باسم أي كائن كان.
الرقيب الذي يتصوَّر نفسه مسؤولًا عنّا، ومسؤولًا عن المجتمع، وأن التاريخ يعرفه وحده، وأن عاصمتنا نقيّة جدًّا، وأن أصحاب الكراسي أنقياء جدًّا جدًّا.. عليه أن يُراجع نفسه.
لا أعني الرقيب، ذلك الموظف في الدائرة المعنية، بل من زرع تلك المسؤوليات في عقله..
ونحن في عصر النهضة المتجددة، وفي سنتها الثالثة، لم نلحظ أي تطور في جوانب الحرية، بل عُدنا إلى سنوات للوراء، ولذلك يفرُّ الكاتب العُماني بكتابه للخارج؛ لأن “الرقيب” المحلي يشترط شهادة “نوايا” لا تقبل التأويل على كتاباته.