مقالات
“يا أسطولاً خاض بحار وبنى للفخر منار”
حمود بن سالم السيابي
—————————
بجوار البحر الذي أتعبناه طوال ألفي عام سنحتفل بالعيد.
وسيطل سيد عمان في العرض المهيب ليتلقى التحية العسكرية البحرية من المهلب بن أبي صفرة العائد من فتوحات بلاد ما وراء النهر.
وسيحضر الصلت بن مالك في مشهد العيد بملف الرجال الذين حرروا سقطرى.
وسيصطخب الموج بتكبيرات اليعربي ناصر بن مرشد وهو يطارد البرتغاليين الذين لفظهم كل الموج وتحول كل الرمل تحت الأقدام إلى جمر .
وسيرعف اليمُّ الأزرق بقيد الأرض الذي سيتألق في فرحة الوطن وقد أنهى تطهير ممباسا من آخر حلم للفرنجة في بر الزنج.
وسيتلقى القائد الأعلى للقوات المسلحة ووريث الأمجاد العمانية في العرض العسكري المهيب تحية جده المؤسس أحمد بن سعيد الذي سيصافح سيد المناسبة بيد مبللة بمياه شط العرب وسواحل الفاو.
وسيتخذ الشهيد سلطان ابن أحمد الذي جعل الخليج بضفتيه يتكلم العربية مكانه اللائق في تزاحم أشرعة العيد.
وسيستشعر سعيد بن سلطان عظمة وفاء الحفيد الذي أطلق على كبريات قواعد البلاد الإسم المتوهج في التاريخ “قاعدة سعيد بن سلطان” تخليدا لمنجزاته في قارتي آسيا وأفريقيا واعتزازا بتسيد عمان على البحار وامتلاكها لثاني أكبر أسطول عرفته محيطات الدنيا.
وسيمْثُل أحمد بن ماجد في الحضرة السلطانية السامية ليسلم سيد الأمجاد العمانية النسخة الأصلية لكتابه “الفوائد في أصول البحر والقواعد”.
وأمام كل الكبار الذين سيرعف بهم البحر سيتعطر التاريخ بأمجاد القائدالعظيم قابوس بن سعيد الذي استنهض خزين الآباء وهمم الرجال فوقف بصلابة وبسالة وعنفوان في وجه أعتى هجمة غاشمة على المياه الدافئة ليحطم الأطماع ويفشل الأجندات والمشاريع ليعود الغزاة أذلاء من حيث أتوا وهم يتجرعون كؤوس السم ومرارة العلقم بعد أن كتب الله النصر والظفر لوريث الأمجاد العسكرية الذي صان عمان وشقيقاتها من كافة الأخطار التي تهدد عقيدتها ووجودها وحدودها.
وبجوار البحر الذي يعرفنا كعشاق لا نقبل إلا النصر أو النصر سنحتشد لنؤكد أن التاريخ الذي رصَّعناه انتصارات ودماء ما زال يجري في الأصلاب .
وكما كنا طلاب استشهاد في أزمنة الأخطار فنسترخص الأرواح ، وننسج من أشرعة أساطيلنا أكفانا تدفع سفائننا لتجري كما تشتهي أمانينا ونحفر بمراسي أساطيلنا قبورا للأعداء ، فإننا في زمن السلام ومن موقع القوة نضخُّ في الخطوط البحرية التي خطَّها الآباء والأجداد حيويتنا كأمة بحرية فترفع السفينة صحار أشرعتها البيضاء حيث رست سفائن أحمد بن سعيد وتبحر باتجاه آخر موجة تتكسر في ميناء كانتون بالصين ليبدأ حوار التاريخ بين بلاد الحصون والقلاع والأسوار مع بلاد سور الصين العظيم ، ولتستكمل حوار السفينة سلطانة التي أبحرت من “الفرضاني” باتجاه خليج نيويورك حاملة لسيد البيت الأبيض رسالة صداقة ممهورة بختم سيد قصر العلم والموتني ومعها السيوف والخيول.
ومن منطلق حضورنا البحري توازنت زرقة المحيطات ببياض سفينة شباب عمان الذي أمر جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحها بتسييرها شراع سلام ووئام فيعيد دقلها تذكير القارات بالعمانيين الذين وضعوا وشم سفائنهم كأزهى الجداريات على موانئ العالم ، ولتنطلق بهديٍ من توجيهات جلالته حوارات ربابنة البحار والنواخذة لحشد جهد أممي لتأمين خطوط الملاحة ونشر قيم السلام.
وفي هذا العهد الزاهر الميمون الذي نحيي عيده التاسع والأربعين يجدد وريث الأمجاد العمانية إرث المهلب العماني في بلاد ما وراء النهر فيشيد في الثغر الإسلامي في طشقند مكتبة أبي الريحان البيروني رسالة حضارية من بلاد العمائم والأقلام والطروس لنشر الإرث المعرفي الإنساني .
وتستبق عمان فرحة العيد الوطني بإهداء البشرية مشروع جلالة السلطان المعظم “المؤتلف الإنساني” والإعلان عنه في يوم التسامح العالمي بجاكرتا كميثاق أممي وكمنظومة أخلاقية عالمية بتوجيه الإلتزامات نحو الأرض والإنسان .
وفي هذا اليوم الماجد الذي يجمعنا في الشاطئ المعطر برائحة الخشب وعطر النواخذة سنتسابق في التبكير إلى قاعدة سعيد بن سلطان لنشهد أسلاف الرجال العظام وهم يعيدون للبزة العسكرية البيضاء مبررها ، وللتحية العسكرية البحرية التي لا تظهر باطن الكف دلالاتها.
وستكون مدن عمان بإطلالاتها على بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي في المناسبة ومعها كل المدن التي تشاطرها عشق البحر وإن لم تطل عليه.
وسيكون كل النواخذة الذين ينسجون حوارات المرافئ وكل البحارة الذين يجيدون حداء المنارات في مواكب القلوع والأشرعة ليعيشوا مع سيد الوطن الغالي فرحة عمان بعيدها.
ولعل أجمل مسك ختام لملاحمنا البحرية ما تلاطم في بحور شاعر عمان الكبير هلال السيابي :
ما كان “بحرا عمانيا ” بلا سبب
وما نمي أبدا للعرب تمويها
وإنما نحن من أعطاه سحنته
تحت العوالي فحدِّثْ عن عواليها
ما العرب والله إلا نحن يومئذ
على الخليج ، فلا تخدع بداعيها !
————————
مسقط ليلة ١٨ نوفمبر ٢٠١٩م.