بعد صدور المجموعة الكاملة لداوينه الشعرية السابقة في كتاب وضع الشاعر حسن المطروشي مقالاته في إصدار جديد حمل عنوان “بريد المحطات” تضمن مجموعة واسعة من “المقالات في هواجس الذات والكتابة”.
يقدم المطروشي كتابه الصادر عن مؤسسة اللبان للنشر بالقوم أن “الحياة برمتها لا تعدو أن تكون محطات متتالية يعبرها المرء حتى النهاية.. تمامًا مثل قطار صاخب يتنقل من محطة إلى أخرى، يستقله مسافرون ويغادره آخرون. تلتقي على مقاعده الوجوه الغريبة العابرة، تسترق النظرات خلسةً، دون أن تنبس ببنت شفة، ولكنها تخبئ في دواخلها الكثير من الذكريات والكلام والحنين إلى أشياء هناك في البعيد، دون أن يبوحوا بها لأحد”.
ويمضي الشاعر حسن المطروشي للقول بأن “الكتّاب وحدهم من نذروا أنفسهم للحديث بالنيابة عن الجميع، وفتحوا صدورهم مشرعة أمام الريح لتحمل أصواتهم وتوزعها في مجاهيل الكون. إن المسكون بهاجس الكتابة كائن هش ومخترق من القلب.. يشعر أن كل لحظة يعيشها هي آخر لحظة له في الحياة، وأن عليه أن يقول كلمته الأخيرة للعالم قبل أن يغادر، ويترك هذه المحطة إلى الأبد. إنه الرعب الوجودي المزدوج الذي قال عنه غابرييل غارسيا مراكيز: “يمكن لرعب الكتابة أن يكون غير محتمل، مثل رعب عدم الكتابة”.
وفي المحصلة يرى نفسه أنه “في استراحة محارب قديم” يقلّب دفاتر الأيام ليطل على أرصفة ومرافئ ومحطات تركت روائحها وضجيجها في القلب، يرافق قارئه “إلى محطات بعيدة عبرتها ذات يوم، وأفتح معك كتبًا ودواوين قرأتها في رحلة ما، وأتوقف معك على تخومٍ قصيةٍ اكتشفتها دون سواي، وقد حان الوقت أن تشاركني لذة هذه الاكتشافات الهائلة بين هواجس الذات وتجليات الكتابة، التي تبدو في معظمها “مثل مشي في ظلام دامس”، على حد تعبير الشاعرة الأمريكية فيكتوريا تشانغ”.
ويضيف المطروشي بالقول أن “الذات والكتابة لا ينفصلان عن بعضهما. إننا نُعَبِّر عن هواجس الذات بالكتابة. إن الكتابة هي الانعكاس الحقيقي للذات في كل تشظياتها وانشطارتها المتتالية. إننا نكتب أحيانًا عن ما هو ذاتي محض، بينما نكتب أحيانًا عن ما هو ملامس للذات ومتاخم لها. أي ما هو قريب للروح ولصيق بها. تمامًا مثل ما سعيت في هذا الكتاب”، شارحا منهجه في الكتاب بالقول أنه خصص الجزء الأول لما هو ذاتي، “أي ما يخصني وحدي دون سواي”، أما الثاني فهو “لانعكاسات هذه الذات على مرايا الآخرين، وعبر أفكارهم وكتاباتهم وقصائدهم وأشعارهم. أكتب هنا عن ما يدهشني ويستفزّني ويثير فضول الكتابة لدي، لأخرج الورقة والقلم وأبدأ في سرد مشاعري الناصعة تجاه هذا المنجز الإبداعي الذي لامس مني الروح وأثار المخيلة .. ربما كان ديوانًا وربما كانت قصيدة، وقد يكون أغنية أو عملًا دراميًا، أو غير ذلك من فضاءات الإبداع والخلق”
نقرأ في الفصل الأول عناوين مثل: “انشطار الذات.. تشظيات الكينونة”، و”روائحُ القيظِ في ذاكرةِ بَحّار قديم”، و”يوم العاطل: في منغصات التفكر والتذكر”، و”الرصيف: ذاكرة التيه والضجيج”، وبين عناوين فصل هواجس الكتابة نقرأ عن “سيرة الشاعر.. نص غامض وحزين”، و”في تعريف الشاعر وأحواله.. شعرًا”، و”حبيب الزيودي.. الأرستقراطي الصعلوك”، و”مصطلح “الحرمة”.. بين السائد والقيمة”، و”السطو على الشعراء: سرقة الفراغ”، وغيرها من العناوين.