صوت عماني أصيل، وصل الآذان بخفه وعمق في آن واحد، هو الصوت القوي الذي يقف على أرض صلبة متماسكة ورصينة. منذ أكثر من عشر سنوات ولا زال يبحث عن ما لم يكتشفه في صوته، فهو الواثق بأن الفنان لديه في جعبته الكثير وتستطيع أن تقدم حنجرته المزيد، صوته الذي حفظناه وفرحنا به، ابن قريات، الفنان الشاب شكلا وصوتا، أيمن مسلم البوصافي الذي ذاع صيته باسم أيمن الناصر فكان النصر له ولصوته الجميل العذب. الفنان بدأ التغني بالكلمات العمانية القديمة ليثبت أن الفنان يبدأ من أصله أولا ومن ثم يبحر في تشكيل فنه الخاص. في التكوين حاورناه فكان للحوار شبابه وأناقته.
حوار: شيخة الشحية
- البدايات
النجاح بدايته خطوة واثقة، وتتوالى بعدها الخطوات، يقول الفنان أيمن الناصر: “كانت البدايات في المراحل الإعدادية والثانوية من خلال المشاركة في الفعاليات المدرسية، وتطور الأمر بعدها فأصبحت أشارك في مناسبات على مستوى المنطقة عبر الأوبريتات فكانت أول مشاركة لي في افتتاح حوض رمال الشرقية، وبعدها افتتاح الحوض الجاف في ولاية عبري، أما عن جواز عبوري الحقيقي فكانت من خلال المشاركة في مهرجان الأغنية العمانية السادس عام 2003وفوزي بجائزة البلبل الذهبي، ومنها بدأت الانطلاقة لتكون لي أغنيتي الخاصة “عرينك” من ألحان خميس عبدالله وكلمات صاحب السمو السيد فاتك بن فهر آل سعيد الذي كان من أوائل الداعمين لي فنيا ومعنويا”.
- التأثر بالفنانين
تأثر الفنان أيمن البوصافي بمجموعة كبيرة من الفنانين الكبار، فهو لم يحصر نفسه في مدرسه غنائية واحدة، بل يستمع لكل صوت وإحساس جميلين، فيجد نفسه متنوعا في الغناء ولا تستمع أذناه لنوع غنائي معين. أكثر الفنانين استماعا لهم يقول: “استمع كثيرا للفنان محمد عبده والفنان عبدالمجيد عبدالله، والفنان الراحل طلال مداح لأن لهم من التأثير الكبير علي إحساسا وفنّا ومن الجانب الإنساني أيضا، لأنني التقيت بالكثيرين منهم واستمع لنصائحهم وملاحظاتهم، وكانت نصيحة الفنان الكبير محمد عبده تعني الكثير لي حين جمعني به لقاء على شرف السيد خالد بن حمد البوسعيدي حين قال لي (الفن شيء جميل وأنا محمد الذي أمامك بذلت وتعبت كثيرا فكانت المسيرة حافلة بالعطاء اليوم، وإنني هويت الفن حبا في الفن نفسه وليس طمعا في أمور أخرى، وأحببت الفن وأخلصت له وأسعى دائما لإيصال رسالتي بأن أكون صادقا في عطائي) ،ومن هذه الرسالة تعلمت الكثير”.
وهنا سألنا الفنان أيمن عن رسالته التي يسعى لإيصالها فأجاب: “رسالتي هي أن أقدم فناً جميلا لأنني إنسان، وأنتمي للناس وأحمل رسالة إلى الناس بها معايير وضوابط وأسس ترسخ مبادئي واسلوبي وقيمي وشخصيتي فأنا قد أكون ملهما لأحدهم”.
- صورة الفن
يرى الفنان أيمن أن الفن إحساس بالدرجة الأولى ومن المفترض أن يغني الفنان كل شي، وكل الألوان بإدراك وقناعة في أن كل ما يقدمه سيضيف له المزيد من المعرفة والثقافة الفنية، مما ينعكس إيجابا على مكانته بين الجمهور وثقتهم به وبأعماله.
بدايات الفنان كانت مع الأغنية الطربية فسألناه هل هي الأقرب له فقال: “نعم بدأت بالأغاني الطربية والتي أحب أن أسميها الثقيلة إن صح التعبير، لكنني تنوعت بعدها فالفنان لا يقف على لون واحد فكان لي أول تعاون مع الملحن الإماراتي علي كانو في أغنية “أخيرا جيت”، كما أنني أعلم بأن الفن لا يخاطب شخصا بل مجموعة أشخاص وجمهوره متنوع”. وفي سؤالنا عن الإحساس سألناه لمن يغني أيمن فأجاب بأنه يغني حبا في الفن.
- وصفة النجاح
ليبدع الإنسان في مجال معين لابد أن يسعى ليتعلمه ويبحر في عالمه. أما الفنان أيمن الناصر اختلف قليلا، فالذي بدأ مميزا يستمر مميزا. يقول الفنان: “لم أتعلم الفن وأدرسه أكاديميا أبدا، كانت البدايات بسيطة ثم كبرت مع حلمي الكبير فتعاونت مع ملحنين كبار لهم وزنهم وثقل أعمالهم في الساحة الفنية وساعدني اختلاطي بالوسط الفني ودخولي إلى الاستوديوهات في القاهرة ولبنان وسوريا في أن تكون لدي حصيلة معرفية بالجانب الموسيقي، وأعتقد أن الفن ممارسة أيضا وإن كنت مستمرا في العطاء فهذا يعني أنك ما زلت تتعلم دائما، وإن هناك الكثير من الأسماء الفنية الكبيرة الذين كسبوا ثقلهم الموسيقي دون دراستها أكاديميا”.
أما عن النجاح وسره ووصفته قال: “محبة الناس هي وصفة النجاح الخالصة التي تخلو من المجاملات وتبقى هذه المحبة خالصة إن كنت خالصا في رسالتك وتقدم ما يحبه الجمهور ويلامسهم”.
- المهرجانات والمشاركات
في الحديث عن المهرجات والمشاركات فتح الفنان قلبه للتكوين ليقول: “نعاني للأسف من ندرة المهرجانات العمانية التي تحتضن الفنان العماني والفن العماني بشكل عام، ولدينا فقط مهرجانين رسميين هما مهرجان مسقط وصلالة وأعتقد فعلا أن هذه هي العقدة الأكبر ففي دول كثيرة تتنوع المهرجانات وتكثر أيضا فلا تقتصر على الجهات الحكومية والرسمية بل تتعداها إلى المؤسسات الخاصة والشركات والإذاعات وغيرها”.
وأضاف: “لابد أن يكون هناك إعادة نظر في مسألة المهرجانات، وفي أجندة صناع القرار، لابد أن يكون الفنان العماني حاضرا وبقوة لأن هذا الأمر يعود لهم بالدرجة الأولى ونحن نحتاج إلى دعم أكبر يتعدى كونه مهرجانين في السنة فقط”.
وعن مشاركاته وحضوره في المهرجانات علق قائلا: “من الطبيعي أن لا يكون الفنان العماني حاضرا في هذه المهرجانات بكثرة رغم سعادته بتلبية الدعوات إن أتت له، والسبب قلة المهرجانات في الأساس، وأنا شخصيا أشارك وألبي الدعوات بحب وفخر وامتنان إذا وصلتني. أما عن المشاركات الخارجية فقال: “شاركت في دولة الإمارات العربية المتحدة ولي الكثير من المشاركات في دولة قطر التي أصبحت مؤخرا أكثر انفتاحا في عالم الصوتيات والتسجيلات وهي بيئة جاذبة وقوية ومعطاء”.
- اللحظات التي لا تنسى
في حياتنا نجاحات وإخفاقات، بدايات ونهايات، لحظات تعني لنا الكثير بحلوها وعُسر مرارتها. في سؤال اللحظات التي لا ينساها الفنان أيمن الناصر قال: “البدايات تعني لي الكثير ولا أنساها ففيها من المعاناة ما شجعني على الوقوف تارة والاستمرار مرات كثيرة، وبداياتي جاءت مع وجود أسماء كبيرة وكثيرة والوسط الفني صعب يجب أن تصنع اسما راسخا وسط كل الأسماء الموجودة والمسموعة، وكيف تحافظ على هذا الاسم باقيا وترسم له خط المسير الواضح والصحيح”.
- الأغنية العمانية
انتقلنا بالفنان إلى الحديث عن الأغنية العمانية ومكانتها وأين هي الآن وما هي صورتها اليوم في أذهان الجمهور، فكان الفنان أيمن الناصر واثقا بها في إجاباته ومصرّاً على كونها قوية وأنها ستظل باقية وراسخة وأصيلة.
عبر الفنان في حديثه عن الأغنية العمانية فقال: “الأغنية العمانية لها تاريخ ممتد وطويل، ورغم ندرة شركات الإنتاج سابقا إلا أن هناك من الرواد الذي صنعوا الأغنية ووضعوا لها وزنها الذي لن يخف أبدا، وصدروها للخليج أيضا، وهي باقية إلى اليوم ومستقبلها حافل وعريق لأنها تتكئ على ثوابت وأسس رصينة تتمثل في التراث العماني الأصيل فالفنان والكلمات والألحان أصليين، ويمكن أن نجتهد أكثر ونكوّن جيشا للترويج لها من إعلاميين ومسؤولين وفنانين وملحنين وشعراء لأننا شركاء نصعد سلم النجاح معا وخطوة بخطوة كلا يكمل الآخر”.
وأضاف: “الأغنية العمانية حاضرة وباقية والدليل تغنينا وحفظنا لها إلى اليوم في عمان أولا وعبورها إلى أسراب أخرى غير عمانية، ويتغنى بها فنانون غير عمانيين أيضا وستبقى هكذا طالما هناك من يهتم بإبرازها ودعمها كالسيد خالد بن حمد البوسعيدي الذي يروّج لها وللفنان من خلال برنامجه على قناته في برامج التواصل الاجتماعي وهذه من أروع اللفتات التي تخلق رواجا للفن العماني”.
واستغل الفنان أيمن فرصة هذا الحوار ليقدم الشكر الجزيل للسيد خالد على دعمه الدائم له منذ البدايات وإلى اليوم في الجانب الموسيقي من مشورة وغيرها ويفاخر به كثيرا كملحن عمان الأول .
- الأغنية الوطنية والتعاون الخارجي
يتغنى الفنانون بالكلمات الوطنية ويمثلونها في الكثير من المحافل والمناسبات، يقول الفنان أيمن الناصر عن الأغنية الوطنية وعلاقته بها: “التغني بالوطن حالة عشق بالنسبة لي، فأنا أتغنى بالأم ورمز الدولة والأرض وما تحقق على هذه الأرض من منجزات، والأغنية الوطنية علامة فارقة عن كل الأغاني لا يمكن وضعها في خانات مشابهة للأغاني الأخرى، لأن فيها حب الوطن والتشبث بأرضه، تمثل ما تربينا عليه وما كبرنا معه”.
كون الفنان تعامل مع ملحنين من دول الخليج وشعراء أيضا، سألناه عن مدى أهمية هذا الأمر للفنان فأجاب قائلا: “تعاونت مع شعراء وملحنين كثر من السلطنة وأسماء معروفة لها مكانتها الفنية في الشعر والألحان، وأرى أن الفنان يجب أن يبدأ من الأصل ومن البيئة الأساسية ليكون مستندا على سيرة واثقة تُعرف به وببلده، ومن ثم لا مانع من أن يحلق خارج السرب ويعود إليه مرات فالخروج من البيئة مفيد للفنان يكسبه معرفة وثقافة فنية ومعرفة بفنانين وشعراء وملحنين قد يكتشفون في صوته وإحاسيسه شيئا جديدا يمكن أن يقدم بصورة مختلفة تضيف لكل الطاقم المتعاون في العمل”.
- ولادة الفنانين
تزخر الساحة الفنية بالعديد من الفنانين منهم من يملك الصوت ومنهم من يملك الحضور ومنهم من لا يملك شيئا. يقول الفنان أيمن عن ظهور الفنانين بكثرة هذه الأيام وبأن الجميع صار مغنيا ووسط هذا الكم الهائل منهم من هو الفنان الحقيقي: “أجد هذا السؤال صعبا ولكنني أكتفي بالقول أن الفنان الحقيقي ليس من له أغنية واحدة فقط حتى وإن وصلت للناس ونجحت وذاع صيتها إلا أن الأهم ما بعد هذه الأغنية فالفنان لابد أن يكون على دراسة وثقافة فنية فأغنية واحدة لا تصل بنا إلى القمة ولكن الأرشيف والأعمال والاجتهاد والتنويع وتقديم الأفضل هو ما يصنع للفنانين تاريخهم ومسيرتهم المليئة بالعطاء”.
يبدأ الفنانون رحلتهم نحو عالم الغناء وقد يكون في محصلتهم أغنية واحدة، فليجأ البعض منهم إلى تقديم أغاني من التراث وينسبوها لهم. سألنا الفنان عن رأيه في هذه الظاهرة فقال: “أعتقد أن الفنان بجانب أعماله التي يقدمها يلزمه أن يولي اهتمامه بالجانب التراثي من الأغاني القديمة أي أن يبدأ من الأصل ويستند عليه لأن هذا الأمر فيه ترويج وتعريف بالبلد الذي ينتمي إليه الفنان والفن الموجود فيه، وأرى بأنه لا مشكلة في انتشار هذه الظاهرة بشرط أن يعرف الفنان الجديد بتاريخ الأغنية الأصلي حتى وإن ضاف عليها لمساته التطويرية لأن هذه الأعمال جهود ناس آخرين فيجب إنصافهم والإشارة إليهم”.
وأضاف الفنان: “سجلت ما يقارب الخمسين أغنية من الفلكلور العماني ومنها ما لم يسمع على الساحة أبدا من قبل وأعمل دائما على أرشفة هذه الأعمال وتوثيقها وإعطاء كل ذي حق حقه”.
- الفنان العماني والتسويق
يسوق أيمن الناصر لنفسه من خلال إيجاد منافذ جديدة لعلاقاته وتكوين معارف وصداقات تكسبه وتضيف له ولفنه ويقول: “الفن صناعة ويجب على الفنان أن يصنع نفسه ويكافح ويحارب ومحاربته تبدأ من الاستناد على أصله وبلده وتراثها ومن هنا يبدأ بالتحليق، وأرى بأن الفنان إذا لم يجد الاهتمام من المسؤولين والمعنيين فهو لن يصل بعيدا، ولابد أن يكون هناك داعمين حقيقين يبذلون الوقت والجهد والمال في هذا السبيل لفتح كل المنافذ المغلقة أمام الفن والفنان”.
وذكر الفنان أن التسويق والطموحات التي يسعى لها يتركها للأيام ويسعى فعلا ليروج عن نفسه وثقته بالله وبما يكتبه هو الأنسب والأفضل، وبأن الأحلام والطموحات كثيرة وكبيرة، ولكنه يأخذ بعين الاعتبار أن كل عمل يشتغل عليه يكون فيه إضافة جديدة له.
- متى يعتزل الفنان؟
لم نسأل الفنان متى يعتزل هو لأن صوته شابا أنيقا ومميزا، ولكن طرحنا له السؤال بشكل عام فأجاب: “عندما يبدأ الفنان مسيرته الفنية ويصنع اسمه ومكانته وتاريخه وتكون هذه المسيرة حافلة بالعطاء هنا لا يمكن للفنان أن يعتزل، ومتى ما كان هناك اهتمام من الفنان بحنجرته وهي أداته القوية فصعب أن يعتزل لأن الحنجرة لا زالت تريد أن تقدم المزيد والجميل أن الفن لا يعتزل الفنانين، ولكن بحكم عامل السن والتقدم في العمر.. قد يتغير الصوت قليلا ولكن يبقى وهجه وتبقى الخامة والرصانة في الصوت”.