مقالات
في سيرة الراحل الشيخ “علي بن سالم الحميدي”
عمر بن خلفان الجرداني
رَزِأنا اليوم بخطب جلل، وانتثرت الدموع وتفطرت القلوب بالمصاب، وبفقد الأحباب نحزن، لقد انطوت صفحة من صفحات ذاك الجيل الشامخ وبقيت أسطرها تكتب بماء الذهب للأجيال اللاحقة، فهم من الذين لا يخافوا في الله لومة لائم والذين سطرت سيرتهم العطرة كل معاني الوفاء والود،
رجل من رجال الدين وفقيدًا للعلم فارقنا وموت العلماء ثلمة لا تسد فرفع العلم برفع العلماء.
(كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْت) فهذه هي سنة الله في كونه فلله الأمر من قبل ومن بعد،رحل الوالد الرضي الغيور على دينه الشيخ العزيز ( علي بن سالم الحميدي) رحمه الله الذي لطالما ارتوينا من معينه الثبات والعلم والمعنى الحقيقي للإيمان الراسخ الذي يتجسد في شخصه الكريم، الشيخ علي ارتبط اسمه ببلدة الهبوبية ما إن نسمع عن الهبوبية إلا ومحيّاه في تصورنا.
كان الشيخ علي رحمه الله أحد التلامذة النجباء للإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله، كان قمة في التواضع والكرم وفيًا صابرًا و محتسبًا ومجلسه لا يخلو من الزوار ومجالسته تتحفها الحكم وسكونه تفكر وذكر وحديثه مواعظ و قصص ونصح، وفي محياه التواضع والسكون ونستمد منه أن كل من سار على الدرب وصل، وعند مجالسته نبحر في عرصات ذاك الجيل النادر الذي رحل عنا أغلبهم، نعم تسري في الجلسة نفحات وروحانيات ذاك العبق الفوّاح،جيل الجهد والمثابرة والتضحية بالمال ومفارقة الأهل والولد.
غادر بلاده من أجل العلم إلى بيضة الإسلام نزوى وعمره 13 سنة مع العلامة الرضي الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رضي الله عنه، فحقًا علينا نحن اليوم أن نقف وقفة إجلال واكرام على جهادهم في طلب العلم فقد أخبرني الشيخ علي الحميدي رحمه الله مرة عن شح التعليم وندرة اقتناء الكتب في زمانهم فيقول لي كنا ننتظر البائع (وهو بائع رحال متنقل من بلد إلى بلد يبيع السلع على الحمير ) ما إن نسمع صوته في البلدة إلا نجر الخُطى لعلنا نجد معه كتابًا أو أوراقًا للبيع وفي كل مرة ألقاه لا أجد شيئًا إلى أن وجدت معه في أحد المرات كتاب تلقين الصبيان للشيخ السالمي وكان ممزقًا ورغم هذا سررت واشتريته رغم ضيق الحال، ليقينه أن العلم هو السلاح في محاربة الجهل.
والشيخ علي يضرب لنا من مواقفه أمثلة للوفاء والمعنى الأسمى للصحبة وإن تحدثنا عنه فلن نوفي حقه، وهذه نبذة بسيطة عن سيرته مع سيدي الوالد رحمهم الله، فقد كان بينهم صحبة وسيرة عطرة لا نظير لها فما أن يرانا إلا ويتذكره ويذكرنا بسيرتهم، ويرويها لنا بتأثر صادق نابع من قلب محب لأخيه يغمره الشوق والحنين لتلك السيرة، وتسبقه الدموع قبل حديثه تستشف منه المعنى الحقيقي للصحبة ويقربنا منه للود الذي كان بينهم.
أذكر مرة كنت في زيارة للشيخ الرضي سعيد بن حمد الحارثي رحمه الله، وكان في مجلسه الشيخ علي بن سالم الحميدي رحمه الله فما أن رآني إلا وتأثر وبدأ يسرد للشيخ سعيد الحارثي قصصه مع والدنا وأكمل حديثه إنه صَحِبَ من الجرادنه ثلاثة:
الشيخ عبدالله بن هاشل الجرداني، والشيخ حمد بن سعود الجرداني، والرجل الفاضل خلفان بن سعيد الجرداني فتعجب الشيخ سعيد الحارثي من حديثه الذي يحفه الصدق والتأثر وقال: هل خلفان هذا من العلماء فقال الشيخ علي : خلفان رجل فاضل وصاحب مبدأ وكلمة ودين وخُلق.
من فاتَه ودُّ أخٍ مصافِ فعيشُه ليس بصافِ ،صاحبْ إِذا صاحبْتَ كُلَّ ماجدٍ سهلِ المحيّا طلقٍ مُساعدِ، فرحم الله تلك الأبدان وأسكن أرواحهم الجنان،فهنيئا لأرض ضمتك وأحسن الله عزاءنا في والدنا وفقيدنا وشيخنا وبلدة الهبوبية وقريات وعمان عامة بفقد هذه القامة وأسأل الله العظيم أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه الدرجات العلى،
(فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ).
……………………..