في كتابه الجديد المعنون بـ”لصوص الإدارة” يبحث الدكتور درويش بن سيف المحاربي عن دور القادة الإداريين في بيئات العمل، مقدما رؤاه عبر خمسة عشر نافذة، جاءت كمقالات سرد فيها رؤيتها لمجموعة من مفاهيم الإدارة والقيادة.
ويستعرض المحاربي في كتابه الصادر عن دار لبان الأدوار القيادية، من خلال دور “القائد في قيادة فرق العمل، وما يتمخّض عنه النمط القيادي الذي يسير عليه من نتائج وآثار، وتبرز أهمية هذا الدور من طبيعة العلاقة التي تنشأ وإسهامها في تشكّل بيئة عمل محددة تجني منها المؤسسة برمتها إما خيرها أو شرها”، مشيرا إلى أن القادة المجيدين يلعبون “أدوارًا محورية في تحقيق الأهداف والغايات، والتي تتطلب وجود منظومة إدارية تحظى بتخطيط سليم وتنظيم واعٍ، ولديها أعداد مناسبة من الأفراد وضعوا في الأماكن التي تناسب تأهيلهم، ومهاراتهم، وخبراتهم، وصُيّر عليهم من يقودهم ممّن يتمتعون بنقاء الفكر وسعته، وبالمهارات القيادية اللازمة وجودتها، وبالخبرات الضرورية الملهمة، وبالشخصية القويمة المتزنة، والتي ينّصب تركيزها على تحقيق الأهداف والغايات من خلال البناء المتواصل للروابط الوظيفية، والعمل الجماعي المبني على التعاضد، ووحدة الهدف، والمصير الإداري”.
ويلخص المحاربي محور كتابه في كلمة تضمنها الغلاف الخارجي، يؤكد فيها إن حظوظ الموظفين بكل أطيافهم يرتبط ارتباطًا مباشرًا وقويًّا بنوعية القادة الذين يشرفون عليهم، فإن صلحوا كان صلاح الموظفين وجودة عملهم أقرب منالًا وأهداف المؤسسة أكثر تحقيقًا، وإن لم يصلحوا فتحت أبواب الفوضى والعبث الإداري على مصاريعها”، مضيفا “أن البيئات الإدارية السيئة ينتج عنها إحباط للموظفين، ويقل فيها نتاجهم الوظيفي، وتتسمم فيها علاقاتهم برؤسائهم وببعضهم البعض؛ ولأن نتيجة هذا كله ضياع حاضرهم الوظيفي، وخراب مستقبلهم المهني فإنهم بطريقة أو بأخرى وفي اتجاه مؤسسي أو آخر هم أمام سرقة كبيرة لهذا الحاضر وهذا المستقبل”.
ويرى الدكتور درويش المحاربي “إن أي قائد يسهم إسهامًا مباشر وغير مباشر في تأزيم علاقة الموظف بمؤسسته وتقزيم إمكانياته، ودمار مهاراته هو لص يسرق في وضح النهار دون حساب أو عقاب. لأن الجريمة هنا ليست مادية، وليس لها أدوات ظاهرة يستدل بها على الجرم، ولا يتوفر لها بالضرورة أطر ضبط، وربط، وحساب، وعقاب. وربما وجدنا أنه في حالة المؤسسات التي غاية أعمالها الكسب والربح فإنه في حالة فقدها لجودة الأعمال أو ضياع مجهودات الموظفين، وتعرضها للخسائر فإنها تغلق أبوابها أما في غيرها من المؤسسات؛ فإن هذه تخسر في صمت خاصة إذا لم تكن هناك معايير وأسس لقياس الأداء، وتحقيق النتائج ومؤسسات تعنى بالضبط والربط”.
ويشدد المؤلف على أنَّ المؤسسات بجميع أطيافها ترتكز في الأساس في وجودها على غاية وأهداف محددة وهيكل تنظيمي يؤطِر أعمالها ومجموعة أفراد يسيّرون هذه الأعمال، ومع إدراك أهمية هذا الأمُور وهي تثمر نتائج لافتة في كثير من المؤسسات إلّا أَنه من الأهمية بمكان اليقين بأن القدرة الحقيقية للمؤسسة على التغلب على الضعف المرافق للجهود الفردية، والاستفادة من اقتصاديات العمل والتخصص، وكذلك توفير نقاط التقاء وظيفية فاعلة بين الغايات المنشودة والهياكل التنظيمية والموظفين تمثل التحدي الأكبر أمام قادة المؤسسات، وهي أساس دورهم المؤسسي، وكانت على الدوام مضمار النجاح وخلافه.
ويخصص المحاربي مساحة للحديث عن التخطيط، فيشدد على أن القائد معني بشكل كبير ومباشر بالتخطيط، “والذي يعتبر من أولويات وأساسيات عمله، وذلك من خلال تحديد مسار التقسيم الإداري الذي يعمل فيه، وكيفية المساهمة في تنفيذ الخطط المختلفة في المؤسسة بعد تحديد رؤية المؤسسة، ومهمتها، وأهداف وجودها. وكذلك هو مسئول عن صناعة واتخاذ القرارات المتعلقة بالنشاطات المختلفة الواجب القيام بها، واستخدام الموارد المتاحة؛ لتحقيق هذه الخطط. ومن الطبيعي أن تزداد وتيرة وأهمية التخطيط في المستويات الإدارية العليا، وتنخفض في المستويات الإدارية الأدنى نسبة إلى محدودية نطاقات المسئولية، وتباين الصلاحيات، واختلاف مستوى التفويض الرسمي. وحتى يتأتى هذا الأمر فإن القادة مطالبون بالحرص على أمرين مهمين هما ضمان بأن العملية التخطيطية مبنية على أسس مدروسة، وأنَّ هذه الأسس يعززها سلوك مناسب من قبل الموظفين الذين يشرفون عليهم، وأنَّ هؤلاء يرون فائدة من ما يخطط له، وأنَّ هذا التخطيط هو عامل مؤثر في تطورهم الوظيفي والشخصي إلى جانب تطور المؤسسة، وتحقيق غاياتها. وهذا لا شك يتطلب الدقة في الاختيار والوضوح في النهج المتبع حتى يتم التغلب على أي تعارض بين الأهداف المعلنة، وتلك التي تحدث على أرض الواقع”
ويضيف أن القائد معني كذلك بالتنظيم، وهي من أعمدة الإدارة المهمة للغاية، ومن خلال الإطار التنظيمي يتم تقسيم الأعمال الإدارية المختلفة، واختيار منفذيها، ورصد الموارد المالية لها؛ وذلك في منظومة واضحة معززة بمبادئ وأسس مختلفة تعين على تحقيق غاياتها، والمهم هنا بيان أن هذه العملية يتم من خلالها كذلك تحديد نطاق السلطة الإدارية والمسئولية، وكذلك الروابط الهيكلية والوظيفية بين التقسيمات الإدارية المختلفة. وفي المؤسسات الكبيرة أو تلك التي لأعمالها أهمية وحساسية؛ خاصة فإنه ما من شك أن بيئة العمل فيها تتطلب جهودًا مضاعفة.
ويشير المؤلف إلى “قصص نجاح كثيرة في جميع دول العالم قام من خلالها أفراد وجماعات ومؤسسات في إحداث قفزات كبيرة من التطور والنمو في شتى أوجه العمل المؤسسي. وتشترك هذه المؤسسات في الدور البارز لقادتها في إحداث تغييرات إدارية مؤثرة أدخلت طرق أداء جديدة وبيئات عمل محفزة وداعمة. وتتقاسم هذه كذلك في اهتمامها بالموارد البشرية المتوفرة لها وسعيها بأن يرتكز أي تغيير في منظومتها على موظفيها من خلال تطوير معارفهم وتنمية مهاراتهم وصقل شخصياتهم وتمكينهم من النمو؛ ليصبحوا قادرين على تقديم إسهامات أكبر وأجود للمؤسسات ولديهم ما تستلزمه المواقع القيادية من ميّزات وسمات فيرتقون لها في المستقبل”.
يذكر أن الدكتور دوريش المحاربي تلقى تعليمه الجامعي والعالي في إنجلترا، فحصل على “البكالوريوس” في إدارة الأعمال، وشهادة الماجستير في التخطيط والتنظيم والإدارة، وشهادة الدكتوراة في تخصص صناعة القرارات الإدارية، وعمل عميدًا لكلية التجارة والاقتصاد في جامعة السلطان قابوس حتى سبتمبر 2007، وشغل قبلها منصب مساعد العميد للشئون الأكاديمية، وأستاذ مساعد في قسم الإدارة في الكلية، ومديرًا إداريًّا لكلية الطب ومديرًا إداريًّا لمركز اللغات في جامعة السلطان قابوس، ثم عين وكيلا لوزارة الصحة للشئون الإدارية والمالية حتى نوفمبر من عام 2019 ليعين عضوا في مجلس الدولة وللمحاربي اهتمامات أكاديمية، وبحثية متعددة في مجال صناعة القرارات، والقيادة وسلوك المؤسسات والتجارة الصغيرة والمتوسطة، وريادة الأعمال وأخلاقيات التجارة، كما له بحوث منشورة في دوريات علمية عالمية، ومؤتمرات دولية في المجالات المذكورة، وعضو في منظمات دولية أكاديمية، ومهنية عديدة.