من كتاب “بياض بين عتمتين، سيصدر قريبا عن دار لبان للنشر.
من بعد النزف، دمه ودموعنا، غيثُ رحمة وغفران منك يارب…
كعادتي، في الغرفة بمفردي أقف أمام شباك نافذتي، أنظر لعمق السماء، لونها القاتم يوحي بالغموض والإبهام المثير للجدل، تلك النجوم المنتشرة فيه كحبات كريستال منثورة على قماش أسود داكن تزيده جمالا.
هناك أسطورة تقول: كل من نفقدهم يصبحون نجوماً في السماء، هذا ما جعلني كل ليلة أنظر لكل النجوم وأعّدها واحدة، إثنتان، ثلاثة، أربعة، حتى تراجع صوتي يخفت رويدا رويدا إلى أن غلبني النعاس، كنت بتلك الحركة أشعر أني لست الوحيدة من فقدت شخصاً عزيزاً، كنت أقول الحقيقة؛ ليس بشيء عزيز إنما جزء من قلبي..
المنبع الذي خلقت منه روحي المنطفأة، الباهتة ألوان حياتها، المنعدمة تفاصيل سعادتها، المحرومة من أي شعور لهُ صلة بحب الحياة.
يخطف ناظري بريق نجم بعيد المدى، يومض وينطفيء.. يومض كأنه يخصّني بشيء ما يزيده جمالاً. يذكّرني بألم يعتصرني، يمسك بقلبي.. تارة يشد وتارة يرخي.
بُتّ اتساءل: هل عشقت الليل لدرجة أنه استقر أسفل عيني؟!
شحوب وجهي ونحافتي غير الطبيعية، ذبول خدّي، ورجفة يديّ، ماذا يحدث؟! أصبح وضعي متبلدا، ذلك البريق الذي تهديني إياه النجوم المحاطة بسواد هائل يشعرني بتحسن، ثمّة ضوء يغالب ليبقى وامضا رغم العتمات حوله، أشعر بورد روحي يكاد يتنفس من جديد، ولكن سرعان ما تعصف به الأفكار المزعجة.. وتعيدني لمرسى الذاكرة المعذّبة بالفقد.
يهّب نسيم ليل بارد، يقشعّر جسدي منه، أغلق النافذة بينما الستارة ما زالت مفتوحة، أستوحش الظلام وسط حياة باهتة، دورة أيامي نسيت علبة ألوانها كأنما لم تكن تعرفها ذات حين من العمر الجميل، أستلقي على السرير، معلنة الإستسلام لتعبي.
طافت آخر ذكرياتي معك، فتعثّرت بدمعي من جديد، أغمضت عيني، متخيّلة وجودك، ويدك بخرائط محبتها وحنانها تمسح على رأسي، تغطيني باللحاف الذي يغدو له لون مختلف بك، دفء آخر معك، حينما تسحبه يدك لينسدل سكينة وسلاما على روحي قبل جسدي، وحينما تهديني قبلة حانية على جبيني، إبتسامة ملامحك بتلك التجاعيد التي تزيدك بهاء، وخرائط العمر على يديك فتكسبها اتساعا كأنها العالم كله..