الفني

فيلم “ زيانة” لخالد الزدجالي: عقد قران عماني بولييودي!

مشاهد بصرية، صوّرتها كاميرا الهندي (أيابان) الذي رسم صورة ذات أبعاد متعددة، تمكّنت من جذب الجمهور، لمتابعة الأحداث، والإيغال في الإيهام.

عبدالرزّاق الربيعي

بعد انتهاء العرض الافتتاحي للفيلم العماني «زيانة» للدكتور خالد الزدجالي مساء الثلاثاء ٥ فبراير ٢٠١٩م، ومغادرتي قاعة سينما «فوكس» بجراند مول، بقيت أسترجع أحداث الفيلم، وكنت خلال ذلك أبحث عن المصعد، وبدوت كالتائه، فاقترب مني موظف هندي، عارضا عليّ المساعدة، وفجأة انقطعتُ عن المكان، للحظات، وظننت أنني في الهند!! فقد زادت مساحة الوهم، وتخيّلت نفسي في غابة من غابات الهند، ولو للحظات!، وهي الأجواء التي سيطرت على الفيلم الذي كتب قصّته الزدجالي بالاشتراك مع فاطمة السالمية وفيصل ميران، ليضيف نقطة في سجله الذي بدأه مع فيلم (البوم) عام2006 وألحقه بفيلم (أصيل)، ليكون (زيانة) فيلمه الثالث، لكنّه خطا خطوة أبعد عندما جعل الفيلم تجربة سينمائية للتعاون مع الهند المتربعة على قمة الإنتاج السينمائي في العالم التي أنتجت أفلاما بولييودية، بهدف الاستفادة من الأشواط التي قطعتها، وضمان استقطاب الجمهور الواسع في صالات العرض التجاري، من حيث إن الجمهور المستهدف سيكون عمانيا، ومقيما، وهنديّا، والسينما الهندية تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة، وكذلك اكساب السينمائيين العمانيين الشباب المزيد من الخبرات من الفنيين الهنود، خاصة أن السينما الهندية تعتمد كثيرا على التقنيات.
لذا جاءت الصورة بأفضل ما يكون، وكذلك بيئة العمل، فالفيلم الذي جسّد أدوار شخصيّاته: علي العامري، ونورة الفارسية، وطالب البلوشي، وسلطان الأحمد، وخميس الرواحي، وشريفة الصابرية، وناصر الأخزمي، مع عدد من الممثلين الهنود، صوّرت معظم مشاهده في ولاية كيرلا جنوب الهند، والغابات، لذا فقد ضمن النجاح الجماهيري، من الناحية الفنية، أما من ناحية المحتوى، فقد طال عقد القران الذي عقده الزدجالي على السينما الهنديّة، ليشمل موضوعاتها، وأعني تركيزها على الصراع الحاد بين قطبي الخير، والشر، وهو صراع أزلي لا يخلو منه عمل درامي، لكن في معظم الأفلام الهندية يتجلّى هذا الصراع في ثنائية تحكمها مصادفات قدرية، وهناك دائما عدو يضمر الشرّ، ويتربص بضحية ما، فالفتاة زيانة كانت تجلس مع عدد من صديقاتها في مقهى، فيما جلس على مائدة مجاورة فتى عابث «أداها خميس الرواحي» مع صديقين له من طرازه، فتحرّش بها، ولم تصمت على ذلك، بل ثارت بوجهه، ووجّهت له إهانة أحرجته أمام زميليه، لذا ظل يتعقبها، وذات يوم يتربّص بها مع صديقات لها في أحد الفنادق، وعند خروجها، يتعقّبها مع زميليه، وبعد مطاردة قصيرة، تمّت بدون «أكشن»، ودون علم منها، حدث عطل بسيارتها لا نعرف سببه، هل بفعل فاعل ؟ أم أنه طبيعي؟ المهم بالأمر أن المصادفة حكمت أن يكون العطل في مكان ناء عن الحركة- لاحظنا غياب شرطة عمان السلطانيّة عن دائرة الأحداث، قياسا بحضور الشرطة الهندية التي تتواجد في كل أزمة تحصل، في المشاهد التي صوّرت في الهند! – لذا وقفت السيارة التي كانت تتعقّبها، ونزل منها أحد أفراد العصابة، وعرض عليها المساعدة، لكنها رفضت، واتّصلت بزوجها، الذي، لم يرد على اتصالها، وأمام الحاح الشاب وتوسّلاته الذليلة، تفتح الباب، فيهجم عليها، ويضربها بآلة تفقدها الوعي، وهنا يصعد رئيس العصابة الشاب العابث الذي أهانته، يجلس جوارها مرتديا قناعا، ليقوم بتصويرها، وهي في أحضانه، ثمّ يبث الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتحوّل الأمر إلى فضيحة أخلاقيّة تحطّم كيان أسرة الضحيّة، فالضربة التي جاءت على رأس (زيانة) ـ أدّت الدور نوره الفارسية ـ أصابت سمعتها، وحياتها الزوجية بمقتل، فتدهورت صحتها النفسية، ومضت إلى الهند للعلاج، خصوصا بعد أن تمّ طيّ ملف القضيّة، لعدم القدرة على إثبات أركان الجريمة، بالرجوع إلى المحامي «أدىّ الشخصيّة الفنّان ناصر الأخزمي».
وهنا تبدأ الأحداث، وما تضمّنته من مفارقات، جرى تصويرها في الهند، اختلطت بها الكوميديا، بالتراجيديا، بـ:الأكشن»، ومن ضمنها المواقف التي يتعرض لها زوجها- مثّل الشخصية الفنان علي العامري- بعد مشاهدته لعمليّة تحرش تواجهها فتاة هندية من قبل شباب عابث، فيقف إلى جانبها، ويدفع ثمن ذلك، فكان ما جرى للفتاة صورة مقابلة لما تعرضت له زوجته، وفي نهاية الرحلة يتوصل إلى أن الحياة لا تخلو من منغصات، وشرور، والمرأة تتعرض للتحرش في كلّ مكان، وهو العمود الفقري للفيلم، وحين يلتقي زوجته، بعد أحداث عديدة واجهها، يكون الشرخ النفسي الذي جرى بينهما قد زال، وبالطبع هناك خطوط أخرى في الفيلم منها خط العماني «أدّاه الفنان طالب البلوشي»، الذي يصل الهند على متن الطائرة نفسها التي نقلت زوج «زيانة» ويمضي وقته باللهو، والمتعة حتى تلقي عليه الشرطة القبض متهمة إياه في قضية تحرش بفتاة قاصر، وتودعه السجن، والشاب العماني الذي ذهب للعلاج من الإدمان، والشاب الهندي الذي يحبُّ الفتاة الهنديّة، لكنّها لا تتجاوب مع رغبته بالزواج، وفي النهاية عندما يقف إلى جوارها، ويساهم في انقاذها من العصابة التي تعرّضت لها، بسبب الغيرة، ولوالدها طبيب الأعشاب، وزوج زيانة وصاحبه الهندي.
ومن الطبيعي أن يتفوّق أداء الممثلين الهنود بسبب فارق الخبرة، والتعامل مع حركة الكاميرا، وزواياها، خصوصا الممثل الذي أدّى شخصيّة والد الفتاة الهنديّة، فقد نقلت ملامح وجهه للجمهور أدقّ التعبيرات، وتوغّل في عمق الشخصيّة، وأضفت مشاهد الممثل الهندي الذي رافق زوج «زيانة» في رحلته جوّا من الكوميديا، والمرح كسرت حدّة الصراع، في الأحداث، وخفّفت من الرتابة في سردها، ورغم الهدوء الذي لازم أداء الفنان علي العامري حتى في مشاهد المطاردات، إلا أنه قطع به الفيلم خطوة واسعة نجومية ستتحقّق له لو لم يتوقّف عندها، مثلما نرجو ذلك لبقية فريق الفيلم، وأبرزهم: نوره الفارسية وطالب البلوشي، وخميس الرواحي، وناصر الأخزمي.
لقد قدّم المخرج مشاهد بصرية مرسومة بعناية، مستعينا بكاميرا المصور الهندي (أيابان) والمونتير الهندي (جيفل) في عملية المونتاج، ووفّق باختيار زوايا الكاميرا، ليرسم صورة ذات أبعاد متعددة، قادرة على السرد البصري، وجذب الجمهور، والتشويق، والإيغال في الإيهام مثلما وفّق في اختيار المكان، المؤثث بالطبيعة، وما تتركه في النفس من شعور بالارتياح، وأثر جمالي، فضمن المخرج نسبة مشاهدة عالية، في فيلم هو أقرب ما يكون لفيلم هندي، جعلني أتخيّل لقوّة تأثير تلك المشاهد بعد انتهاء عرضه، أنني في الهند، وليس بمسقط!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق