الثقافي

خلفَ جدارِ رَحِمِها

 

زهرة اليحمدية

 

ها أنا بدأت أكبر بينما ألتصق برحم أمي.

أستطيع الآن أن أسمع الأصوات بالخارج؟

لا أعلم من هم عائلتي، ولكني من بين كل الأشياء الغريبة في الخارج عرفت أمي،

أحب صوتها، إنه يجعل الدم يتدفق في جسدي ليدغدغني بدفئه، ويجعلني أكبر أكثر أصبح أقوى.

ولمساتها.. ماذا أقول عنها؟ إنها الحياة ذاتها، أدفع بقوتي الضئيلة جسدي النحيل لأَدورَ داخل هذا المحيط الصغير فتنتبه لوجودي، لتمسح بيديها علي من الخارج، كم أحببتُ هذا فَـكَررتُه مرارًا.

اليوم، كان مختلفًا، لم أسمع صوت أمي، ولم أشعر بدفئها، ربما هي نائمة، غفوتُ قليلا على جدار رحمها منتظرًا أن توقظني بترنيمتها العذبة، استيقظتُ فجأة على صراخٍ وبكاء: ” تعبت، تعبت، لا أريده، خلصني منه، لا أريده”.

إنها أمي، إنها تتألم، من هذا الذي يزعجها؟

كانت هناك همهمات أخرى لا أعيها، عادت أمي للصراخ ثانية “لا أحتمل كل هذه الأعباء مع وجود طفلٍ في أحشائي”، ثم استسلمت للبكاء، وأنا، بقيتُ ساكنًا أرتعش في مكاني!

أمي لا تريدني، لا ترغب برؤيتي، ولكني أحبها، أحبها جدًا، ومتلهف لأعرفها أكثر.

شعرت بالوهن، ورغبةٍ بالانكماش إلى أن أختفي تمامًا، إلا أنني لا أعرف كيف أفعل ذلك..

أمي.. علميني كيف لي أن أختفي؟

نمتُ طويلاً، طويلاً جدًا، لم أسمع شيئًا، وما عدتُ أشعر بالدفء، برودةٌ مخيفةٌ تسري في جسدي، ربما يكون هذا هو الانكماش، ستسعدُ أمي بذلك، سأستمر بالانكماش، وفي أوج انكماشي، شيءٌ ما بدا غير عادي، يحاول أن يوقِفَ لحظات اختفائي!

دفءٌ يتخللني!

أمي.. أَهذه أنتِ؟!

دعيني أُتِمُ ما بدأتُ يا أمي.

“انبض أيها القلب الصغير.. إنني هنا”، ثم.. تمسح علي بحنانِ يديها: ” لحظة غضبٍ غبيةٍ مني ستتركني لأجلها؟!”

تبكي: “انبض يا صغيري إنني أحتاجك”.

أمي.. كلماتك تحييني، كيف لي ألا أنبض بعدها؟ دفعتُ بجسدي الصغير جدار رحمها لأقول لها:

“ماما.. لا تبكي.. أنا قادم”.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق