السياحي
مسفاة العبريين … جنائن عمان المعلقة
رحلة قام بها: عبدالله بن خميس العبري
ليست هي المرةُ الأولى التي أجد نفسي ممتطيا سيارتي متوجها إلى المسفاة كما يتعارف عليها في ولاية الحمراء أو مسفاة العبريين كاسم مشهور في عالم السياحة في عمان؛ والطريق الى مسفاة العبريين معبد وتستطيع السيارات الصغيرة الوصول إليها .
مسفاة العبريين تلوح في الأفق من بعيد قبل دخول الحمراء، وعندما تصل وسط ولاية الحمراء سترى لوحة سياحية تشير للاتجاه الذي يوصلك الى المسفاة كتب عليه «مسفاة العبريين ٤ كم» تبدأ في الصعود عبر الشارع المعبد و المضاء ليلا بأعمدة الإنارة تبدأ تنكشف لك مزارع ومساكن ولاية الحمراء وأنت تلتفت إليها بين الفينة و الأخرى ميمما الصعود إلى المسفاة، وتضع في خيالاتك الكثير من الصور التي شاهدتها و رأيتها عنها.
عندما وصلت و ركنت سيارتي و تنفست هواءها النقي البعيد عن الروائح التي تزكم الأنوف أدركت أنني في إحدى جنائن عمان .
قمت بإعداد أدوات التصوير لتبدأ رحلتي في رصد بعض زوايا هذه الجنة الفاتنة بدءا من مبانيها القديمة التي بني بعض منها في صخور و بأكثر من طابق وبعضها متهدم والبعض الآخر ما زال مستخدمًا، دخلت من مدخلها الوحيد و شممت عبق الماضي عبر سككها وروائح النباتات التي تجلب لبعض الحيوانات التي يربيها الأهالي ما زلت أمشي بين بيوتها متلمسا الحجارة التي بنيت بها تلك البيوت وأنا أنزل شيئا فشيئا .
وعند خروجي من الباب المطل على المزارع أحسست أنني اليوم في ضيافة هذه الجنة التي أبدع الإنسان العُماني في التعاطي معها وتسخيرها بما يتوافق مع طبيعة المكان ومكوناته.
بدأت في النزول بعض الرفص «الدرج» و أنا أسمع خرير الماء من فلجها الذي يمد هذه الجنة بالحياة، يمد البشر والحيوانات والنباتات، يمد هذه الجنة بالحياة و ليجعلها دائمة الخضرة ويجعلها وجهة سياحية يقصدها العُماني وغير العُماني ليتوحدوا مع المكان وينطلقوا في آفاقه، وتهادت إلى سمعي أصواتً لأطفال يسبحون، فيممت المسير إليهم لأنقل الحدث للقارئ الكريم حرفا و صورة .
وصلت إلى «الجل» الذي يتجمع فيه ماء الفلج، والأولاد يسبحون في الجل و يقفزون من غرفة مرتفعة بجانب الجل مع استعراض لمهاراتهم في القفز بحركات مختلفة ما أضفى على المكان جمالا إلى جماله خاصة وأنت ترى الفرح والابتسام على محياهم وبقفزهم وحركاتهم البهلوانية في الهواء إشارة الى ترحيبهم بك كزائر لجنتهم .
غادرتهم لأكمل التجوال في هذه الجنة القصية التي تحف بها الكثير من المزروعات التي أغلبها من النخيل المختلفة الأصناف و الأنواع إضافة إلى الموز و الليمون و المانجو والفافاي و السفرجل و أصناف أخرى .
الطريق التي سلكتها ليست بالطريق الواسعة ولكنها مزودة بعلامات للمسير الجبلي و لكن بعد فترة من المشي تتحول ساقية الفلج الى ممشى يوصل الى منبع الفلج عبر تعرجات مختلفة اتساعا و ضيقا وظلال الأشجار تحجب عني الشمس مع تمتعي بإضاءتها و بالألوان الخضراء التي تريح القلب عبر امتداد جميل مكونا الجبلُ الخلفيةَ المثلى التي تصد الريح العاتية التي تجعل من هذه الجنة في مأمن منها.
و أنا أسير في جدول الفلج تذكرت المتنبي الذي وصف شعب بوان حينما قال :
فسرت و قد حجبت الشمس عني
و جئت من الضياء بما كفاني
وأدركت أن و صفه ينطبق انطباقا كبيرا على هذه الجنة العمانية التي تتمتع بالفرادة.
وصلت إلى منبع الفلج و شربت من مائه العذب الرقراق الذي لم تكدره الأيادي و المنظفات و غسلت وجهي مما أدخل في النفس انشراحا الى انشراحها .
بدأت في نزول الوادي الذي تكثر فيه التجمعات المائية إضافة إلى بعض الصخور المختلفة الأشكال و الأحجام ومع هذا النزول ترى المدرجات الزراعية الرائعة التي جاهد العُماني و يجاهد من أجل جعلها خضراء على الدوام رغم الصعوبة التي يواجهها في التنقل وفي حمل أدواته التي تعينه في زراعته .
لم أستطع إكمال اكتشاف الوادي كاملا لطوله الممتد فآثرت الرجوع ممنيا النفس بزيارة جديدة أكمل فيها ما بدأت من اكتشاف لبعض زوايا هذه الجنة العمانية .
نشرت المادة في العدد السادس من المجلة ،،،