الفني
بالخيوط والمسامير.. فتاة مصرية تنسج لوحات فنية فريدة
في غرفة صغيرة تجلس الفتاة المصرية «علا بشير»، بين كومة من المسامير، وأخرى من الخيوط، والعديد من الأدوات التي اكتظت بها الغرفة، مدققة برأسها في لوح خشبي مملتئ على آخره بمسامير مصطفة، وممسكة بمطرقة في يدها. مشهد قد يبدو للوهلة الأولى لمهنة غليظة من مهن الرجال، لكن الأمر مختلف تماما، فمن المسامير الصلبة والخيوط الملونة تنسج الفتاة العشرينية، لوحات فنية فريدة ومتناسقة الألوان.
هذا الفن وفق حديث «علا»، هو «رسم عن طريق مسامير صلبة وخيوط على لوح خشبي بشكل فني، تقوم فيه الخيوط الملونة بملء الفراغات وفق رؤية الفنان؛ بما ينتج في النهاية لوحة فنية تصور منظرا طبيعيا أو وجها بشريا أو غيرهم». تدرس الفتاة فن النحت، بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، جنوبي القاهرة، إلا أن الرسم بالمسامير والخيوط هي هوايتها الثانية التي شغفتها حبا، وتعلمتها عبر الإنترنت على مدار عام كامل. «علا» فنانة تشكيلية متخصصة في النحت، وترى أن فكرة الرسم بالريشة والألوان يمكن الاستغناء عنها بأفكار فنية أكثر عمقا وابتكارا. وتضيف:”أحببت هذا النوع من الفن بعد أن رأيت مقطعا مصورا على شبكة الإنترنت يعرض كلمة بالخط العربي كُتبت بالمسامير والخيوط بشكل رائع ودقيق جدا”. وأكثر لوحة صممتها بهذه الطريقة ونالت إعجاب واسع، هي بورتريه لصديقين في حفل خطبتهما، لكنها تعتبر «تصميم الوجوه هو الأصعب على الإطلاق لأن محاولة رسم وجوه ناعمة وانسيابية عن طريق أدوات حادة تعد تحديا مرهقا وتحتاج مهارة عالية».
وتشير «علا» إلى أن تلك اللوحة حققت لها شهرة ومردودا إيجايبا واسعا، وكانت سببا للقيام بتنفيذ بعض المقاطع التعليمية المصورة ونشرها على شبكة الإنترنت، خاصة بعد تلقي طلبات عديدة بضرورة تعليم متابعيها وأصدقائها ممن شاهدوا اللوحات. وتوضح أنها وجدت أن المحتوى الفني التعليمي المنشور على الإنترنت باللغة العربية عن هذا الفن فقير جدا، وأغلبه بلغات أجنبية؛ لذلك يصعب التعلم منه نظرا لاختلاف أسماء المواد الخام، والأدوات المستخدمة وشرح طرق التنفيذ. وهو ما دفع «علا» إلى تقديم محتوى تعليمي باللغة العربية على الإنترنت بجانب عرض لوحاتها. وأكثر ما تراه الفنانة الشابة مميزا في فنها إضافة لحداثته على المجتمع الفني في مصر، هو «ردود الأفعال حوله، حتى من قبل المتخصين في المجال الفني من دارسين وأساتذة، وهو ما مثل دافعا كبير لها». وتضيف: «الرسم ليس هو المقصد؛ فكثير من الناس يجيدونه، لكن تحويله لشكل بارز بالمسامير والتحكم في ألوانه بالخيوط هذه هي القضية في هذا النوع من الفن». عناء فن جديد تؤكده «بعض اللوحات تستغرق عدة أسابيع متواصلة من العمل كلوحة لوجه إنسان، والبعض الآخر لا يستغرق إلا أيام قليلة كلوحة لمنظر طبيعي؛ فالأمر يخضع لتعقيد اللوحة، ومدى تشابك أركانها»، وفق قول الفتاة. وترى «علا» أن الفنانات الجدد في مصر ينتظرهن مستقبلا مشرقا؛ إذ يشكلن الكثير من كيان المجتمع الفني تحديدا ولاسيما الفن التشكيلي.
وعن النساء في مصر، تؤمن الفنانة الشابة أن «قدراتهن على الابتكار أكبر من الرجال، ليس بشكل عنصري، ولكن لأن أغلب الرجال في مصر يبحثون عن العائد المادي في أعمالهم بحكم ارتباطاتهم المادية المختلفة، وهو على العكس بالنسبة للنساء، مما يعطيهن المجال الأوسع والفرصة في التجربة والابتكار». وتشير الفنانة المصرية إلى أنه «يوجد رجال كثيرون يتمتعون بمهارة عالية في مجال الفنون التشكيلية لكن عادة النساء أدق في تنفيذ التفاصيل بطبيعتهن». وتعلل ذلك قائلة أنه على الرغم من صعوبة مجال دراستها للفنون على سبيل المثال، إلا أن أغلب المنضمين لقسم النحت في كليتها من الفتيات، ويتعاملن بأدوات حادة ومع مهنيين من خارج المجال، ما يصنفها البعض بالأعمال الشاقة.
بروحها الفنية تعرب «علا» عن تفاؤلها فيما يخص المرأة في مصر، قائلة: «ربما سيفتح المستقبل قريبا أبواب أخرى للنساء المصريات في مجالات الفنون، خاصة بعد أن وصلت سيدة مصرية مؤخرا لمنصب وزير الثقافة (إيناس عبد الدايم)».