السياحي
الصويرة المغربية مـــــــــدينة الرياح و الفن
على الرغم من أن تأسيس مدينة الصويرة أو«السّويرة» (تصغير للسور) يعود إلى عام 1760م، فإن تاريخها مرتبط بعهد الفنيقيين الذين بسطوا نفوذهم على المنطقة خلال القرن الـ 12 قبل الميلاد من أجل أهداف تجارية. لهذا، فإن الاسم القديم للمدينة«موغادور» مستقى من الاسم الفنيقي «ميكدول» الذي يعني ذلك «الحصن الصغير»،حسب ما هو وارد في موقع وزارة الثقافة المغربية نقلا عن مؤرخين عرب وأجانب. يذهب الباحث المغربي علال بنور إلى أن ذلك الاسم تحريف لاسم الولي مكدول الذي يوجد ضريحه قرب شاطئ الصويرة. في حين تشير مصادر أخرى إلى أن هذه المدينة كانت معروفة في اللغة الأمازيغية باسم «تاسورت» الذي يعني«السور». أما الباحث دافيد بنسوسان فيرى في كتابه «ابن موغادور» الصادر باللغة الفرنسية أن الاسم قد يكون تحريفاً لكلمة «أمغادير» التي تعني في الأمازيغية المدينة المحاطة بسور.
سعيد بوعيطة
ولعل هذا ما يتطابق مع أحد التفسيرات للاسم العربي للصويرة (السويرة)، ومع التفسير العِـبري «ميغودار» الذي يعني «مغلقة». نورد المعطى العبري في هذا الإطار، على اعتبار أن الصويرة/ موغادرو كانت على امتداد تاريخها الطويل، ملتقى للديانات السماوية الثلاثة ولتعدد إثنوغرافي بارز. فضلا عن كونها ملتقى لحضارات مختلفة: فينيقية، برتغالية، عبرية، عربية، أمازيغية، إفريقية.
مرفأ تجاري وحصن عسكري
يشير الباحث علال بنور إلى تعدد الروايات حول الهدف من إنشاء هذه المدينة. فهناك من اعتبر أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله أنشأها لاتخاذها مرسى بحريا رئيسا في المغرب من أجل التبادل التجاري مع أوروبا. ذلك أن الاهتمام بمدينة الصويرة تجاريا في هذه المرحلة قلص من الدور التجاري لموانئ باقي المدن المغربية. الشيء الذي جعلها في موقع أزمة. وهناك من اعتبر اهتمام السلطان بهذه المدينة تجاريا، جاء بناء على طلب تجار اليهود. خصوصا أن البعض منهم كان يشرف على تجارته.
ثم هناك رأي آخر يقول إن السلطان أسس المدينة لكي يتخذها مرسى ملكيا ومركزا لتجارته مع أوروبا. أما الرأي الثالث، فيذهب إلى أن السلطان أشرف على التجارة بهذه المدينة، تجنبا للاستعمار الأوروبي المبكر للمغرب عبر الموانئ. علما بأن البلاد شكلت محط أطماع التوسع الاستعماري ولا سيما من لدن البرتغال.
وتأكيدا لهذا الرأي، يوضح الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة المغربية، أنه كان من بين مقتضيات أمن المغرب (في رأي السلطان سيدي محمد بن عبد الله) تحصين الثغور والمدن الرئيسة الساحلية. الشيء الذي جعله يُكثر من بناء الأبراج والحصون. وتحقيقا لذلك، أعطى اهتماما خاصا للمهندس ثيودور كورني المتخصص في بناء الحصون العسكرية بمدينة أفينيون. وكلفه بوضع التصميم العام للمدينة. كما يشير الباحث عزيز رزنارة إلى أنه قبل قرار السلطان سيدي محمد بن عبدالله بناء الصويرة، كانت الأرض عبارة عن خلاء إلا من القبائل التي كانت تستوطن المنطقة من أبناء حاحا والشياظمة. كما أن الأبحاث والتنقيبات العلمية، أثبتت أن موقع المدينة عرف تواجد الفينيقيين منذ عدة قرون قبل التاريخ.باعتباره موقعا لصناعة «الصباغة الأرجوانية».
لكن حسب المعطيات التاريخية والعلمية المتوفرة حاليا، يمكن الجزم بأن الميلاد الحقيقي لمدينة الصويرة باعتبارها حاضرة مدنية واستعمال تسمية «الصويرة» بالذات كان في سنة 1760. فقبل هذا التاريخ، لم يكن بهذا الموقع شيء يذكر. بل إن السلطان سيدي محمد بن عبدالله، وبالموازاة مع بناء المدينة ومينائها، كان يخطط لتعميرها لتكون حاضرة تجارية بالأساس. لهذا حرص على استقدام عدد كبير من العائلات التجارية المعروفة من مختلف المناطق المغربية وحتى من خارجه. حيث كان من بين هؤلاء عائلات يهودية أتت من مدن عدة: مراكش وأكادير وفاس ومكناس وآسفي وغيرها من الحواضر المغربية وحتى من خارج المغرب. كما أن الازدهار التجاري الذي عرفته المدينة بعد تشغيل مينائها، الذي أضعف ميناء أكادير بسوس، جعل العديد من العائلات المغربية المعروفة في عالم التجارة بمدن أخرى تنزح وتستقر بالمدينة. أو تفتح بها فرعا لتجارتهاـ مما جعل النجاح التجاري لمدينة الصويرة، بمثابة قاعدة دبلوماسية مهمة للمغرب بعد افتتاح عدة قنصليات أجنبية بها. حيث سميت عصرئذ العديد من الأحياء في المدينة بأسماء الجاليات التي قدمت إليها واستوطنتها. منها «درب أهل أكادير»، «الشبانات»،«الملاح» وغيرها.
الجدير بالذكر أن ميناء الصويرة كان زمن السلطان سيدي محمد بن عبد الله أهم ميناء مغربي.كما أضحت معه الصويرة/ موغادور، تلعب دورا تجاريا. كما عنيت بالمراقبة التجارية البحرية. بعدما أجبر القناصل والتجار الأوربيون بمدن: آسفي، أغادير، الرباط على الإقامة بموغادور. لتشكل هذه المدينة، مركز تجمع الأنشطة التجارية للجنوب الغربي المغربي. كما مثلت من جهة أخرى، نقطة التقاء جميع القوافل الإفريقية والتبادل التجاري حتى اعتبرها الأولون بوابة تومبوكتو.
مدينة الرياح و النوارس
تعددت الأسماء التي يطلقها الزوار اليوم على مدينة الصويرة. تنعت حيناً بمدينة الرياح والنوارس، وحيناً آخر بـ «لؤلؤة المغرب». مدينة رابضة بجوار شاطئ المحيط الأطلسي.إنها تجمع بين جمال الطبيعة المحيطة بها (البحر والغابة) وجاذبية المعمار وتنوع التراث والحضارة.
بحكم طابعها العمراني المميز، فقد سجلت ضمن لائحة مواقع التراث العالمي سنة 2001 من طرف منظمة اليونسكو. لهذا، فهي بقدر ما تغري السياح الراغبين في اكتشاف عبق التاريخ، بقدر ما تجتذب عشاق الرياضة البحرية، لاسيما رياضة ركوب الأمواج .بحكم أن الرياح تهبّ على المدينة طيلة العام تقريباً. علاوة على كونها تتيح للزائر تذوق طعم الطبق المحلي القائم أساسا على وجبة الأسماك المتنوعة التي تزخر بها المطاعم الصغيرة المنتشرة بمحاذاة الميناء .كما أن موقعها الاستراتيجي على المحيط الأطلسي، جعلها بمثابة شبه جزيرة. تمتد شواطئها نحو ستة كيلومترات. أما مناخها فيتميز بجو بارد وهبوب الرياح على مدار السنة وبجو مشمس نسبيا. لهذا، يفضل الكثير من السياح استعمال الزوارق الشراعية لتزجية الوقت على الشاطئ. في حين يعجب آخرون بألوان المدينة التي تميزها عن باقي ألوان المدن المغربية. يطغى عليها اللونان الأبيض والأزرق الفاتح. حيث تكاد تكون جميع جدران المدينة وأبوابها ونوافذها مطلية بهذين اللونين.
تخيم حالة من الهدوء والسكينة على الصويرة مما يثير فضول السياح. يرجع هذا الهدوء بالدرجة الأولى إلى محدودية حركة السير في شوارعها. ويتكون أغلب السياح الذين تستهويهم مدينة الرياح/الصويرة من السياح الفرنسيين. لأسباب تاريخية وثقافية.تتجلى في الروابط القوية بين المغرب وفرنسا. يليهم من حيث العدد الألمان ثم البريطانيون والإيطاليون والأسبان ومواطنو دول اسكندنافيا، كما تستقطب الصويرة سياحا أميريكين وكنديين، وما تزال حركة السياح العرب متواضعة، على الرغم من أن عددا منهم أصبحوا ينتقلون من مراكش إلى الصويرة خلال مهرجاناتها الموسيقية.
مدينة الفن و المهرجانات
خلال السنوات الأخيرة،أصبحت مدينة الصويرة تستقطب سياحا من نوع خاص. إذ إن عددا كبيرا من الفنانين والرسامين باتوا يفضلون الإقامة فترة طويلة في أحياء المدينة القديمة.مما جعلها تعج بالفنانين التشكيليين والكتاب والموسيقيين. وبفضل هؤلاء أصبحت المدينة أحد المراكز المهمة في الحركة التشكيلية المغربية المعاصرة. الشيء الذي جعلها تزخر بقاعات تعرض لوحات لكبار الفنانين، إلى جانب أعمال أبناء المدينة الذين اشتهروا بالفن الفطري.
مهرجان كناوة
يستقطب «مهرجان كناوة» السنوي لمدينة الصويرة أكثر من نصف مليون زائر سنويا.حيث تتميز موسيقى كناوة بكونها ليست مجرد موسيقى عادية، بل ذات إيقاعات قوية مُحملة بثقل بمجموعة أساطير ومعتقدات ومشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي. إلى جانب بعض الموروثات الأمازيغية والعربية، تعتمد فرق «كناوة» في موسيقاها على آلات خاصة مثل «الكَنبري» أو «السنتير» وهو عبارة عن آلة وترية من ثلاث حبال، وتعود علاقة مدينة الصويرة بموسيقى «كناوة» إلى القرن السابع عشر. خاصة مع تحول المدينة إلى مركز تجاري ونقطة لتبادل السلع مع دول غرب أفريقيا.
مدينة الثقافة و التسامح
لعل من بين الأمور اللافتة للنظر في مدينة الصويرة روح التسامح وتلقائية السكان،واستعدادهم لتقبل الآخر والاندماج معه. يكمن أكبر دليل يقدمه سكان الصويرة على صحة هذا الانطباع، في ظاهرتين، تتجلى الأولى عندما استقبلت المدينة آلافا من الهيبيين بعد أن رفضتهم حتى أوروبا. فمنذ الستينيات من القرن الماضي، ظلت مدينة الصويرة تستقطب نوعا خاصا من السياح، إذ في تلك الحقبة عرفت ظاهرة تدفق أعداد كبيرة من الشباب الهيبيون الذين استقروا في شوارعها وعلى مقربة من منطقة تقع في إطرافها إلى جوار شواطئ الأطلسي. فقد جاء الهبيون إلى الصويرة هربا من الحضارة الغربية التي كانوا يعتقدون أنها كانت سببا في تقييد حريتهم.
كانت تلك الموجة الفكرية تنادي بالحرية في كل شيء،كما عارضت القيود والقوانين التي تفرضها الأنظمة السياسية والاجتماعية والأسرية والدينية. استقرت مجموعات كبيرة منهم في قرية تسمى «الديابات» وقرب البحر. كما كانوا يقطنون في مناطق أخرى أهمها منطقة «دار السلطان المتهدمة»، وبسبب إقبال السياح المتزايد كانت الصويرة من بين أولى المدن المغربية التي عرفت ظاهرة مطاعم الأكلات السريعة. تلك التي كانت توجد في أوروبا خلال تلك الفترة. كما شكلت هذه الفترة بداية انتعاش السياحة العادية في مدينة الصويرة التي انطلقت في أواخر التسعينيات، كما ثم ربط هذا الرواج بانطلاق مهرجان كناوة للموسيقى عام 1998.
أما الظاهرة الثانية البارزة فمعاصرة. لها علاقة بالمهرجانات الموسيقية التي تستقطب الشباب والمراهقين من داخل وخارج المغرب. بهذا، ساهمت تلك التظاهرات الثقافية والفنية في إكساب مدينة الصويرة بعدا عالميا واستقطاب العديد من السياح على مدار العام .لعل من بين أبرز تلك التظاهرات: مهرجان كناوة الذي يحتفي بموسيقى أصيلة ذات جذور إفريقية ومهرجان الأندلسيات الأطلسية، ومهرجان الموسيقى الكلاسيكية.كما تشكل زيارة المدينة فرصة للوافدين لاستمتاع بالبحر والقيام بجولة تراثية وسط أزقة المدينة العتيقة التي تحفل بمحلات بيع منتجات الصناعة التقليدية. ومن ضمنها تلك المصنوعة من خشب العرعار،علاوة على تذوق زيت الأركان الذي تشتهر به المنطقة.وتجسيدا للتسامح والتعايش الديني، تقع الكنيسة البرتغالية جنوب الباب الجنوبي لصقالة المدينة .أنشئت من طرف أحد التجار الأوروبيين الذين استقروا بالمدينة خلال القرن الثامن عشر الميلادي. وتدخل واجهتها ومدخلها الرئيس في عداد النسيج التاريخي لمدينة الصويرة.كما تحتوي المدينة على معبد يهودي يحمل اسم الحاخام حاييم بينتو. أحد مشاهير الحاخامات اليهود بالصويرة.
مدينة المعالم العمرانية
يسهب موقع وزارة الثقافة المغربية في تعداد الخصوصيات المعمارية لمدينة الصويرة على نحو لافت للنظر .فمن الناحية الهندسية، يلاحظ تأثيرات هندسية أوروبية تظهر بالخصوص في «الصقالة» التي شيدت على أنقاض الحصن البرتغالي، وتحصينها بالمدافع.
كما عمل مؤسس المدينة على تحصين المدينة بالأسوار المنيعة وجعلها تمتاز بشوارعها المنتظمة وطرازها المعماري الأندلسي الجذاب الذي يذكر بمدينة فوبون الفرنسية.وعلى الرغم من ذلك،فإن مدينة الصويرة تشبه مثيلاتها من المدن المغربية العتيقة التي تزخر بالمباني التاريخية كأسوار المدينة وحصن باب مراكش، وصقالة الميناء والمدينة، وباب البحر، ومسجد بن يوسف، والكنيسة البرتغالية.
كما تتكون المدينة من ثلاثة أحياء مختلفة: القصبة التي تضم الحي الإداري القديم،والمدينة العتيقة التي تقع بين محورين: يربط الأول باب دكالة بالميناء.أما الثاني فيمتد من باب مراكش ليطل على البحر.وعند ملتقى المحورين، أنشئت عدة أسواق مختصة. وأخيرا الملاح: وهو الحي اليهودي الذي لعب دورا رئيسيا في تاريخ المدينة تبعا لسياسة سيدي محمد بن عبد الله الذي اعتمد على اليهود لتحسين علاقاته مع أوربا إلى أن جعل منهم طائفة شريفة تسمى بتجار الملك. أما اليوم، فقد صار«الملاح» مجرد أطلال وخراب.
ومن بين معالم المدينة الأخرى كذلك «مسجد القصبة» الذي يوجد في قلب القصبة(القلعة القديمة)، يحتوي المسجد على صومعة مربعة الشكل، ومدرسة وحجرات كمأوى للطلاب. الشكل العام للمسجد منتظم تبلغ مساحته حوالي 900 متر. يشتمل على قاعة للصلاة تتشكل في مجملها من بلاطين جانبين، وأخرى موازية لحائط القبلة وأخرى مقابلة لهذا الأخير، أما الصحن فمربع الشكل تتوسطه نافورة خاصة بالوضوء.