مقالات
لحظة هدوء
حمدة الشامسية
ما زلت أحاول التعود على قائمة (الأعمال) بعد أن جعلت شعار هذا العام عام بلا أهداف، أمر وجدته في غاية الصعوبة فقد اكتشفت أنني تبرمجت على أن يكون لدي دائما ما أطمح له وما أسعى إليه، فيومي الذي يبدأ في الرابعة والنصف فجرا بما في ذلك أيام الاجازات، يمتلئ بالأنشطة منذ اللحظة الأولى حتى اللحظة التي أغمض فيها عيني مستسلمة للنوم، الذي هو الاخر مبرمج بالدقيقة عندي، أمر أصبح مثارًا للتندر عند من يعرفني عن قرب، لأن اللحظة التي تطلبني فيها مخدتي باتت معروفة عند من حولي، فأصبحت البرامج التي أكون طرفًا فيها تراعي ذلك، ما أحاول القيام به هذه الأيام هو طرح الكثير من الأسئلة على نفسي حول هذه الأنشطة التي تملأ جدولي، و الغرض منها، هل أستمتع بها فعلا وهل تضيف لحياتي معنى، أم أنها هروب من الملل الذي يقف على قائمة مخاوفي شخصيا، اكتشفت فعلا أن كثيرًا مما أضع على قائمة أولوياتي ليس أولوية بالضرورة إنما هو فعلا حيلة للتهرب من الملل، وربما من البقاء أحيانا وحيدة مع (حمده)، لأن بقاءنا معا يثير أيضا كثيرًا من النقاشات التي لا تعجبني، أو بالأحرى تؤلمني أحيانا، إذ أجد عقلي يجرني إلى لحظات بعينها من الأمس، التي لا أحب الرجوع إليها لأنها مؤلمة ببساطة، وأنا أحاول جهدي طي بعض الصفحات للأبد، بعد أن أخذت منها الدروس التي جاءت لتعلمني إياها، وبين قلق مما يحمله المستقبل، لست أدعي أن هذه الأنشطة غير مجدية بالضرورة، لكنها لا تترك مجالًا أحيانا للحظة هدوء أجدها مهمة جدا، فلحظة الهدوء هي التي تهيئنا لاستقبال الالهام، هي التي تساعدنا على سماع الصوت الداخلي (الضمير) الذي ينبهنا إذ ما انحرفنا عن الفطرة وغيرنا المسار.
لكننا نعيش فترة (الزحمة) في كل شيء الشوارع باتت خانقة، وشبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام وإعلانات الشوارع تمطرنا بسيل من المعلومات التي لا نهاية لها، ولا حاجة لنا بها، امتلأت حياتنا بالعلاقات الكثيرة العابرة التي فرضتها الحياة الوظيفية، والتنقل من أجل لقمة العيش، والأماكن العامة التي تجمعنا بأعداد كبيرة من البشر اجتماعات سريعة عابرة، لا يتسع الوقت لإعطائها حقها من الاهتمام لتوطيدها إلى علاقات داعمة ومثيرة، فضلا عن زحمة السلع المتوفرة بأسعار في متناول اليد، و من شتى الأصناف و الألوان.
البعض منا فعلا يحتاج إلى قائمة (لا أعمال) بدل قائمة الأعمال اليومية، من أجل مساحة الهدوء هذه .