تعدّ جبال الهقار (أو الأهقار) ذات التشكيلات البركانية الخامدة، من المناطق الصحراوية التي تصنفها “اليونسكو” ضمن التراث العالمي المحفوظ؛ لأنها متجذّرة في عمق التاريخ، إذ يصل عمرها إلى أكثر من مليون سنة.
وتكشف الرسومات الملونة والنقوش البشرية المنحوتة على صخور الجبال في المنطقة الواقعة أقصى جنوب شرق الجزائر، عن طرق تربية المواشي، وأساليب صيد الحيوانات التي تعيش في جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما يشير إلى التغيّر المناخي الذي طرأ على المنطقة عبر التاريخ.
ومما يميّز هذه السلسلة الجبلية الشاهقة التي تستحوذ على خُمس مساحة الجزائر، قمة “تاهات أتاكور”، وهي ذات أصول بركانية، يصل ارتفاعها إلى 3013 متراً فوق سطح البحر، وهي إحدى أعلى القمم في الجزائر، حيث يعدّ هذا الجبل واحداً من عجائب الجزائر السبع الطبيعيّة، وشهد أول عملية تسلق سنة 1930.
وفي هذا المكان الساحر، يمكن للزائر أن يشاهد أجمل الممرات في العالم المعروفة بممر “أسكرام”، نسبةً إلى هضبة “أسكرام”، التي ترتفع عن سطح البحر بـحوالي 2800 كم، وتقع فوقها صومعة الراهب شارل دو فوكو الذي اعتكف فيها لسنوات طويلة قبل أن يُقتل سنة 1916.
تبعد “أسكرام” عن مدينة تمنراست بحوالي 80 كم، ويمكن الوصول إليها خلال ثلاث ساعات. وفي هذا السيّاق، يؤكد بلقاسم بن شرودة، الذي يعمل في مجال حماية الآثار، في حديثه لوكالة الأنباء العمانية، أنّ الطريق إلى قمة “أسكرام” تحفُّها معالم ومحطات للفن الصخري تعود إلى فترات ما قبل التاريخ، وهذا ما يدّل على أنّ الإنسان سكن هذه المواقع في الأزمنة القديمة.
عند الوصول إلى هذا الممرّ الفريد من نوعه، والذي يقصده مئات السيّاح، خاصة مع بداية السنة، يُمكن الاستمتاع بأجمل المناظر الطبيعية التي لا يمكن أن تتكرّر في مكان آخر من العالم؛ فالشروق والغروب في المنطقة له متعة خاصة. ويُرجع بن شرودة هذه الظاهرة، إلى أنّ ألوان الطيف تمتزج بألوان الجبال والرمال فتشكل طبقات مختلفة للأفق، مشيراً إلى أنه يمكن مشاهدة هذه الظاهرة في كلّ وقت من السنة، شريطة أن يكون الجوُّ صافياً.
ويُرجع موسى وانكيلا، المختصّ في فيزياء الطاقة، هذه الظاهرة، إلى أن المعادن والحجارة الموجودة في جوف جبال الهقار، ترسل أشعة عند شروق الشمس، وعندما تلتقي التقاءً مباشراَ بالمجسّمات الصخرية المشعبة بالمعادن والأحجار الكريمة، ينتج عنها انعكاسٌ طيفيٌّ يتيح لنا رؤيته بالعين المجرّدة.
وتشهد هذه المنطقة توافد السياح والزوار من داخل الجزائر وخارجها، في موسم الشتاء، وقد بلغ العدد في السنوات القليلة الماضية، ما يفوق 30 ألف سائح، حيث يحظون بزيارة أبرز معالم الصحراء، تتخللها دعواتٌ إلى أكلات تقليدية وحفلات فلكورية. ومع الظروف التي مرّت بها الجزائر، وكذا انتشار جائحة كورونا، تضاءل عدد السيّاح الأجانب، واقتصر الأمر على السياحة الداخلية.
ونظراً لأهمية فهم تكوين الأرض ودراسة المخلّفات المادية، صنّفت الجزائر هذه المواقع الصحراوية محميةً وطنية منذ عام 1987. وفي 1988، قامت منظمة الأمم المُتَّحِدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” بتصنيفها ضمن التراث العالمي.