صدر عن دار لبان للنشر الجزء الثاني من كتاب “جندي من مسكن.. شهد الذاكرة” للفريق الأول (م) سعيد بن راشد الكباني، المفتش العام للشرطة والجمارك سابقا، بعد سنوات من صدور الجزء الأول الذي قدّم فيه تجربة حياته في الجيش منذ الستينيات، ووصولا إلى قيادته لجهاز الشرطة حتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
وفي تقديمه للكتاب يشير الأستاذ حمود بن سالم السيابي أن “هذه التتمة من السيرة تتّخذ من الجندي سعيد بن راشد الكلباني شخصية محورية لحكاية وطن ينتقل من المخاوف والهواجس التي ربّاها الظلام والجهل والفقر وغياب حماة الحق وحرَّاس المبادئ إلى قيادة الفعل الأمني ليتفيأ الوطن مظلة الأمان والطمأنينة والاستقرار”، كما يؤكد السيابي أنها تستدعي “تاريخ الشرطة بمصطلحها العصري وبنائها التنظيمي وإلى أن ينهي الوطن خدمات المفتش السابع لآخر إدارة أجنبية بإمرة السريلانكي “فليكس دي سيلڤا” وتسلمك الزمام كثامن مفتش عام للشرطة”.
ويضيف حمود السباي أنه “وفي هذا الجزء الهام من “شهد الذاكرة” نتقصّى خطواتك في مسير عسكري طويل لوطن ينتقل من “عسكر” الحصون الذين يتمنطقون “المحازم” ويتنكبون “الصَّمْع” و”الصَّوَّار” المكلّف بحراسة الممتلكات من التخريب إلى ظهور أول مركز للشرطة تستفتح به مسقط بواباتها التاريخية حيث الجمادار لشكران بن شهبيك الزدجالي يفرض الضبط والربط ويمارس العسس على البيوت الغافية داخل “الرقعة” المسقطية ويضرب طبل “النوبة” ويطلق مدفع طوارئ الليل.. وإلى بناء منظومة أمنية عصرية تعتمد على الأداء الرقمي في إنجاز الخدمات التي تقدمها للجمهور.. وفي هذه التتمة من المسيرة والسيرة سنصافح ضباطا عاصروا العهدين السعيدي والقابوسي، وأعطوا لهرواة الشرطة الهيبة وللقبعة الشموخ”.
وفي مقدمة الكتاب يشير الكلباني أنه “لم يكن في البال أن يكون هناك جزء ثان لولا إصرار الكثيرين من الأصدقاء ورفاق الدرب على أن هناك الأكثر مما لم أقله، ولم أوثّقه رغم أهميته تاريخيا، ومع أني لا أزعم امتلاكي لما يظنه البعض لدي من قدرة على التوثيق التاريخي، أو أنني أستطيع إشباع شغفهم بالحكايات والأسرار، إلا أن هناك محفّز وحيد لدي لهذا التوثيق: حق الأجيال على معرفة جانب من تلك المرحلة المهمة في الزمن العماني المعاصر، وقد كانت مرحلة حساسة في النهوض بالدولة الحديثة في عمان، بما فيها من مشاق، مع التركيز أكثر على مساري في شرطة عمان السلطانية، حيث عشنا مرحلة بناء حقيقية، من حق الأجيال أن تفخر بها، وبما قدمه آباؤهم وأجدادهم خلالها، فكانت البدايات من تحت الصفر، ووصولا إلى وضع جهاز الشرطة على خارطة التقدم والتطور، وهذا مشهود له إلى يومنا هذا، مع تواصل رحلة البناء على أيدي الجيل الحالي من القادة وسائر منتسبي “شرطة عمان السلطانية”.
ويؤكد المؤلف أن هذا الكتاب ليس استكمالا للأول، “بل مضيّا أكثر في نبش الذاكرة، محاذرا الاقتراب من “الصندوق الأسود” كونه ليس خاصا بي حتى أستطيع أن أفتح غطاءه، مشيرا أكثر إلى جوانب من أحداث تاريخية تستحق أن تنال جانبا من اهتمامنا لتوثيقها لمن يكمل الدرب بعدنا، وكوني على علاقة تماس مع القضايا فكنت شاهد عيان على الكثير منها، وبينها الاعتيادي والمألوف، وبينها الحساس والخطير، ولكن جميعها تأتي ضمن ما يحدث في أي بلد حول العالم”، مضيفا أن “هناك الكثير مما يمكن كتابته عن تطور الشرطة وتاريخها، وفي كافة الإدارات والوحدات، لكني أركز على ما له علاقة مباشرة بي، وبالتحولات الاجتماعية التي عاشتها البلاد خلال العقود الأولى من عمر نهضتها الحديثة، مقارنة بما كانت عليه قبل عام 1970م، وتحدّثت أكثر عن الجوانب التي أثّرت في المجتمع العماني، وأثرته، خلال تلك المراحل”.
ويؤكد الكلباني أن كلمات جلالة السلطان قابوس الموجّهة للشرطة بأن يكونوا أصدقاء للجميع بقيت “حيّة في صدور أبناء الجهاز، قيادة وضباطا وأفرادا، ولا شك أن هناك تعامل يومي مع قضايا الناس واحتياجاتهم، بدءا من حركة المرور التي أخذت معدلاتها في الارتفاع، ووصولا إلى أكثر الجوانب المهمة والحساسة، والتي تضبط إيقاع استقرار المجتمع، وتحقيق أقصى معدل ممكن من الأمن والأمان”.
ويتحدث الفريق أول متقاعد سعيد بن راشد الكلباني عن مراحل من حياته عاشها، مؤكدا أنه عاش أكثر من حياة.. “واحدة في البدايات الأولى، حيث عرفناها بكل بساطتها، خالية مما يعرفه جيل اليوم، عشتها مع آبائي وأجدادي، نتقاسم شظف العيش، حيث لم نكن نعرف حياة إلا هذه، وما سيكون لاحقا يبدو خيالا مقارنة بها، وثانية في فترة الجيش وقسوة التنقل وظروف الحرب في ظفار حيث خرجت منها بإصابة بقيت في ساقي أعاني منها سنوات العمر اللاحقة، كوسام أحمله، دالا على ما عشته وعرفته كجندي مقاتل لم يستسلم، وحياة ثالثة في الشرطة، وكانت رحلة بناء على المستوى الشخصي، بعد مواجهة تداعيات الإصابة، ورحلة بناء وطن، خاصة على مستوى جهاز الشرطة، وتشرفت بالمشاركة في بنائه منذ أن كان بضعة أفراد، وبين وجودي كمدرب لتلك الطاقات العمانية في البدايات الأولى، وكمفتش عام توليت قيادة الجهاز سنوات طويلة من العمل.
في الحيوات الثلاث خضت المعارك، بعقيدة أن الأفضل سيتحقق بهمّة الرجال، تدرّبت على الحياة العسكرية حتى قبل أن تصل “البيدفورد” تحمل الذين يكتبون أسماءنا للالتحاق بالجيش، ونهضت من سقوطي بالرصاص أسابق الوقت لأتعافى، وفي قريتي مسكن كنت أمارس العلاج الطبيعي بكثافة لأسترد روحي، قبل جسدي، وأعود إلى الميادين التي أحبها لأخوض معركة أخرى، ولم يكن في بالي أن هناك ميدانا آخر سأنضم إليه، وستكون لي معارك على قدر من الاختلاف، معارك لا تتطلب البنادق، بل التدريب والتخطيط وحسن الإدارة.
وتضمن الكتاب عدد من الشهادات التي كتبها عدد من كبار ضباط الشرطة الذين زاملوا الفريق الكلباني في تلك المرحلة، إضافة إلى صور لم تنشر في الجزء الأول.
يذكر أن الجزء الأول صدر عن مؤسسة بيت الغشام للنشر، والجزأين من تحرير الكاتب محمد بن سيف الرحبي، والذي استلهم من التجربة روايته “تاج ونجمتان وسيفان” الصادرة عن دار لبان للنشر قبل عامين.