مقالات
رسائل إلى صديقي السري
مروة يعقوب
(٣٨)
صديقي العزيز..
السري والخاص جدا،
أرجو أن تكون بحال أفضل مما أنا عليه؟
صديقي العزيز..
أجزم أنك تتساءل أحيانا: ماذا يكون الإنسان؟
إننا نشبه العناصر في الطبيعة، وإن كان لنا نفس التكوين إلا أننا نتفاعل بطرق مختلفة مع العناصر الأخرى، وفقا لنوع العنصر والظروف التي نكون في وسطها.
إن وضع العنصر نفسه مع عنصر آخر، والعنصر هنا الإنسان، سيتفاعل معه وفقا للظرف الذي يمر به كل واحد منهما بالإضافة إلي تكوينهما.
الأمر ببساطة ياصديقي.. أن تأتيني غاضبا وأنا غاضبة وفي زحمة الطريق فإنني سأتفاعل معك بطريقة تختلف عما إذا جئتني غاضبا وأنا سعيدة وفي زحمة الطريق. وهلم جرا.
الاحتمالات كثيرة، والناتج يتغير بتغير الأحوال والظروف.
صديقي العزيز..
ما أود إيصاله إليك، إننا نواجه الحياة وفقا لما نكون عليه في زمن ما. قد نصبر، ونكون أقوياء أمام أشخاص أو ظروف معينة، وعند حالات معينة، إلا أننا لا نكون ثابتين دائما.
وهذا ما لا يفهمه الناس حولي، يعرفون أنني قوية، ويستنكرون علي الاستسلام.
لم لا يمكنني البكاء أمام من يستندون عليّ في شدائدهم؟
كن بخير
نفسك
(39)
صديقي العزيز..
هل أنت بخير؟
هل تفكر بالتجسد؟
صديقي السري والخاص جدا..
بالنسبة لنا نحن -من نكتب بكثرة- فإن النص الكامل ضعف، والجملة العميقة الدقيقة وحدها قوة للكاتب.
إليك عني..
إن شعرت بالحزن دون سبب فعليك بالتالي:
اِسعل الكلمات التي تشرق بها.
اِسعل الحنين، الانتظارات الحذقة، الأشياء التي لا تتكرر لكنها اِنتهت.
كن بخير،
نفسك
(40)
صديقي السري والخاص جدا..
هل أنت بخير؟
أنا على قيد الصبر.. !
صديقي العزيز..
لدي إيمان عميق بأن الله يبتلينا لأننا الأقوى، والأقدر -مقارنة بغيرنا- على كشف التقوسات التي تصيب بعض المباني، فنكسرها ونعيد بناءها. نفعل ذلك دون خوف. نرى الصواب لأنه في داخلنا، فنقوّم ما يميل عنه، وإن كان علينا مواجهة من هم أعلى منا منصبا ومالا، وشهادة علمية!
يبتلينا الله، لأننا الأكثر شجاعة، ولأن غيرنا إن وقع بنفس المشكلة فإنه سيستلم للفساد، ويصمت.
يرسل الله الشخص المناسب في الوقت المناسب.
لذلك تجدني صابرة على اعوجاج الحال، أقاوم العفن الذي زرعه غيري، أقتلعه خشية تكاثره، وإن كثرت على جسدي ضربات الذين يجلسون ملتصقين بمقاعدهم، لأنني لا أقبل أن يأتي بعدي من هو مصاب بالحساسية من العفن فيموت، كيف سأكون بشرا إن رضيت أن يتأذى غيري؟
لذلك -كما ترى- فموعد مناقشة رسالتي مؤجل!
صديقي العزيز..
أنت ذكي، وتفهم ما أقصد.
عليك أن تعود إلى الرسالة التي سألتك فيها عن البعوض.
كن بخير،
نفسك
(٤٢)
صديقي العزيز..
كثافة الرسائل في الفترة السابقة تعطيك إشارة قاطعة حول وضعي.
وليس بالضرورة أن ما أعتبره عذرا قاطعا يكون بالنسبة لك كذلك.
سبق وأخبرتك قبلا: أن تكون إنسانا يعني أن تكون أشياء كثيرة.
الألم هو حديثنا في هذه الرسالة، لندرك فضله بداخلنا.
صديقي العزيز..
أن تكون إنسانا يعني أن تمر بظروف تجعلك حزينا أو حتى مقهورا، فيأتي الناس لمواساتك قائلين “لا تحزن”، والأصح أن يُقال للحزين اِحزن حتى ينتهي قلبك من الحزن، ابكِ حتى ينتهي البكاء، انعزل حتى يخلُ عقلك من الأفكار الطاعنة التي تجعل مجالسة الناس تسحق الحياة بقلبك أكثر.
الألم -يا صديقي- لابد وأن يعاش بمهارة، أو بذكاء. عليك أن تكون عند توقعاته، كالعدو تماما، تعطيه نفسك مرات ومرات، تكون عند ظنه تماما، حتى يأمنك، ويظن أنه سيطر عليك، ويظن بأنه يفهمك، وقادر عليك، ويستطيع توقع ردود أفعالك، باختلاف درجاتها. بينما تكون أنت من فهمته، وعرفت طريق النفاذ منه. داهم أمنه، اجعل المفاجأة بعد السقوط بين يديه مرات متتالية، ثم قم، قل له ها أنا، لم أعد أشعر بك، أحرقتني وأنت بداخلي فأحرقت نفسك معي، وأتلفت خيوطك التي كبلتني بها، تلاشت السوداوية، أنا الآن خالٍ منك، ومستعد للحياة مجددا.
صديقي السري والخاص جدا..
هناك أشياء لا يمكنك تجاهلها إن كنت ترغب بتخطيها، الخلاص منها في الصراع معها.
عليك أن تمر بها، وأن تمر بك، ليصل كلاكما إلى حيث لا يكون الآخر كائنا.
ستصل أنت إلى النضج، وستنتهي هي إلى النسيان.
كن بخير
نفسك