يوثق الكاتب سعود بن علي الحارثي جانبا مهما من الحياة العمانية عبر إصداره الجديد “إضاءات على إسهامات العمانيين الاجتماعية والعلمية والفكرية”، مقتربا من ملامح هذه الحياة عبر مجموعة من المقالات التي ضمّها هذا الكتاب الصادر عن “لبان للنشر”.
وقدّم الأستاذ حمود بن سالم السيابي للكتاب بالقول أن المؤلف حرص “على أن لا يكون الكتاب تقريريا ليفر القارىء من زحام الأرقام، بل جعله إنسانيا مفعما بالعاطفة، حيث تدور الكاميرا لتنفل انطباعات عاشها المؤلف عبر مشوار العمر”، معتبرا أن هذا الكتاب من أهم إصدارات الحارثي “إذ جمع فيه كل شيء وأحاط بكل شيء عن عمان التاريخ والجغرافيا والتضاريس والأمكنة والهامات فانسابت في الصفحات كل الأفلاج وهدرت كل الأودية”.
ويتناول الكتاب مجموعة من العناوين تبدأ بالحديث عن الشخصية العمانية، مرورا بالحياة العامة وحياة القرية، ثم عن الهندسة المعمارية كالآثار والاكتشافات، وعبورا نحو مفهوم التراث، ومقال عن الآداب والفنون والصناعات التقليدية، كما تحدث عن المخطوطات (الرسائل نموذجا) والأودية والأفلاج، وعلاقة النخلة بالعماني، وغيرها من المجالات ذات الصلة، وصولا بالسبلة باعتبارها الماضي المشرق، ساردا ما “خدّه القلم عن مجلس عماني”، ثم أشار إلى المناسبات، وإلى المساجد باعتبارها دور عبادة وحلقات علم، كما أشار إلى أهمية القيم والمسؤوليات منوها بمفهوم القيم بين زمنين، والتسامح الديني، والمرأة، والتاريخ، ساردا مشاهد من كون العمانيين ربابنة البحر، كما أن قيم الحرية عززت القوة التاريخية.
وأشار سعود الحارثي إلى نماذج من التاريخ العماني، من خلال مواقف وشخصيات، ووصولا إلى النهضة العمانية باعتبارها انتصارا على التحديات، وتساؤل حول الماضي والحاضر، هل هما في علاقة صراع أم تكامل؟
وفي آخر الكتاب يقدم المؤلف خلاصات ونتائج باعتبارها “الزبدة” التي يمكن القول أنها تشكل جوهر الرؤية التي يتمناها لوطنه، فبعد الحديث عن كل تلك العناوين يقدم خلاصة ما يراه كخارطة عمل يمكن قراءتها والاستفادة من رؤية وضعها متابع للشأن المحلي سنوات طوال، فيرى في مفتتحها أن “سيرة الآباء في إرادتهم الصلبة وتفانيهم وحرصهم وإشرافهم على تربية أبنائهم لضمان أدائهم المميز، ومجالستهم في السبلة العمانية وفي سفرهم ونشاطهم اليومي ومختلف أوجه تعاملاتهم والاستفادة من خبراتهم على مدى القرون الماضية، هو ما أدى إلى هذا التنوع الثقافي والخبرات المتعددة الجوانب وإلى رزانة الشخصية وصلابتها والتمسك بالقيم. وهي سمات بتنا نفتقدها وملامح ثقافة راقية تتراجع بشكل كبير عند الاأجيال الصاعدة للأسف الشديد”.
ويرى الحارثي أنه ليس من الحكمة في شيء أن يتنكّر الإنسان لماضيه أو يمتعض منه أو يلغيه من قاموس الحياة ومن ذاكرته الحية بما تكتنزه من مخزون واسع وتفاصيل دقيقة عن أحداث وصور ومعالم ما قبل اللحظة المعيش بها؛ أيا كانت صورة هذا الماضي، ومهما بلغت درجة صعوبته وبؤسه، ومهما كان وضع المتنكر لماضيه وحالته في خضم ذلك الماضي وما تعرض له أو أسلافه من ظلم واضطهاد يرمزان لمرحلة زمنية لها ظروفها وطبيعتها، وملامحها العامة، فالحاضر ما هو إلا امتداد لماض بحلوه ومره.