العام

طابع فرنسي لتكريم امرأة.. بعد إعدامها

كتب: خالد المعمري*

عندما تصدر اي ادارة بريدية طابع بريدي فهذا يعتبر أكبر وسام لتكريم الشخصية، وهذا عرف عالمي متعارف عليه، وأيضا لا تصدر الطوابع البريدية لأي شخصية على قيد الحياة، عدا الحكام وأفراد العائلة الحاكمة.

وفي هذا العام 2020 أصدرت “لا بوست” طابع بريديا تخليدا لذكرى الفرنسية اوليمب دو غوج او كما يطلق عليها في فرنسا ماري، وعندما يأتي الحديث عن الثورة الفرنسية أو التحرر من العبودية يأتي اسم ماري، وهي أول من نادت بالمساواة بحقوق المرآة، ومن المدافعين المتحمسين عن حقوق الإنسان، كما أنها أديبة وسياسية فرنسية لمع اسمها كثيرا في فرنسا..

 من هي هذه المرأة؟

ولدت ماري في سنة 1748 بفرنسا. وكان والدها بيير غوز جزاراً وكانت والدتها آن-أوليمب ابنة لتاجر قماش يعتقد أنها كانت ابنة غير شرعية، وبسبب رفض والدها الحقيقي الاعتراف بها قد أثر عليها في دفاعها العاطفي عن حقوق الأطفال غير الشرعيين.

وتزوجت في سن مبكرة ولكن لم يكتمل هذا الزواج وترملت في عمر ال 18 من عمرها ورحلت إلى باريس مع ابنها الصغير، والتقت هناك برجل ثري يدعي جاك بييتريكس، ومن وخلاله دخلت الصالونات الفنية والادبية والتقت بالعديد من الكتاب مثل لويس سيبستيان ميرسيي وايضا السياسيين المستقبليين مما شجعها على الكتابة وخاصة في المسرح السياسي، وبدأت كتابة المقالات والمسرحيات الاجتماعية، واصبحت تنتقل بين الطبقات الأرستقراطية والتخلي عن لهجتها الريفية لتبدأ حياة جديدة في باريس.

خلال سنة 1785 نشرت أوليمب كتابات نقدت فيها العبودية في فرنسا واستغلال الأفارقة بالمستعمرات، وعن حقوق العبيد وضرورة معاملتهم كبشر، لتصبح بعد  ذلك عضوا بارزا في جمعية أصدقاء السود، واتجهت خلال نفس الفترة للدفاع عن حقوق النساء، فانتقدت عمليات تزويج الفتيات قسرا، وطالبت بمعاملة أفضل للنساء بالمجتمع الفرنسي.

ومع اندلاع الثورة الفرنسية (هي فترة مؤثرة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في فرنسا وكانت لها تأثيرات عميقة على أوروبا والعالم الغربي) طالبت بتحقيق المساواة بين جميع البشر على اختلاف جنسهم ولون بشرتهم، وعن المرأة الفرنسية لإعطائها حقوقها الكاملة، وأسفرت جهودها عن جملة من الإصلاحات التي ساوت نوعا ما في الميراث بين الجنسين، وأقرت حق الطلاق لإنهاء العلاقات الزوجية الفاشلة ومنحت المرأة جملة من الحقوق المدنية.

 

 

 وفي عام 1793 اختفت هذه الحقوق تدريجيا فتم حظر الجمعيات النسائية ومنعت النساء من حضور جلسات المجلس الوطني ومنعن من التجمهر في الشوارع، وقد جاء كل هذا قبل حلول عهد نابليون بونابرت الذي ألغى جميع حقوق المرأة وأعاد سلطة الرجل على العائلة الفرنسية مبقيا فقط القوانين المتعلقة بالطلاق.

وبسبب معارضتها للجمهورية، ورفضها لعهد الرعب وتقرّبها من النواب الجيرونديين (هم أعضاء حزب سياسي نشأ أثناء الثورة الفرنسية· وجاءت تسمية الحزب بهذا الاسم لأن معظم القادة المُنَظمين له ينتمون لمقاطعة جيروند· وهم جمهوريون ويمثلون الطبقة المتوسطة) اعتقلت أوليمب ديو غوج بأمر من ماكسيمليان روبسبيار(محام فرنسي ورجل دولة كان أحد أشهر وأكثر الشخصيات تأثيرًا في الثورة الفرنسية. بصفته عضوًا في الجمعية الوطنية) لتمثل أمام المحاكمة، وبعد القبض عليها تم تفتيش منزلها للحصول على بعض الأدلة اللازمة، ووجد المحققون هناك مسرحية غير مكتملة بعنوان “فرنسا المحفوظة، أو خلع الطاغية”. استخدمها  النائب العام  كدليل في محاكمتها. فأدعى النائب العام بأن  المسرحية تتضمن إثارة التعاطف والدعم للملكيين في حين ادعت هي أن المسرحية تظهر أنها كانت دائمًا من المؤيدين للثورة.

 وحرمت أوليمب من حق الحصول على محام فأمضت ثلاثة أشهر في السجن في محاولة للدفاع عن نفسها. ورفض رئيس المحكمة حقها القانوني في توكيل محامي على أساس أنها قادرة على تمثيل نفسها. أصدرت المحكمة حكما بالإعدام عن طريق المقصلة بحق أوليمب دي غوج جرى تنفيذه يوم 3 نوفمبر 1793 لتكون بذلك ثاني امرأة تعدم أثناء الثورة الفرنسية من بعد الملكة السابقة ماري أنطوانيت وأيضا الاخيرة.

وهكذا انتهت سيرة وحياة احدى رائدات الحركة النسائية في فرنسا لتبقى كتبها شاهدة على ما قامت به، وأحيت شركة البريد الفرنسية تخليدا لذكراها طابع بريديا سيسافر الى جميع دول العالم بلا قيود او جواز سفر ليتعرف العالم على شخصية صاحبة الطابع والفضول لمعرفة سبب الاصدار و لتعود مرة أخرى للظهور، ليس في فرنسا وحدها، وإنما في كل العالم.

*باحث في التاريخ البريدي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق