إصداراتنا

كيف أكتب؟

محمد بن سيف الرحبي

مقطع من كتاب “شهد الكلمة جسر الحرف.. تجربتي في القراءة والكتابة” سيصدر قريبا عن دار لبان للنشر

‏ محمّلا برغبة حقيقية أنك تمتلك ما يمكن أن تكتبه، ولديك من الشغف ما يكفي للمضي في قول شيء عبر الكلمة، والأهم أنك عبرت عشرات الكتب قراءة إن لم يكن مئاتها.. تطرح على نفسك السؤال:

 كيف أكتب؟!

 وهذا قبل سؤال: ماذا أكتب؟!

لأن ما تكتبه يبدو كثيرا فالأفكار لا تعد ولا تحصى، ويبقى (الشكل) الذي تصيغ فيه رسالتك عبر الكلمة، أن تسمح لذلك الميزان الداخلي بوزن المفردة الأصيلة لتكون في محلها تماما بحساسية تدفع الكلمات وراء بعضها دون إسقاط شيء من توازنها، حيث الفكرة تمسك بأطراف المعادلة، بين تراكم الكلمات واستحقاق المعنى.

وفي خضم تلك الرغبة بالكتابة يحذرنا جاك م. بيكهام من مجموعة أعذار نضعها في مسارنا، وهي لا تتعلق بحرفة كتابة القصة فقط كما يشير إليها في كتابه، بل تشمل جميع مجالات الكتابة، فيرى أنه لا يمكن أن تسمح لنفسك بجملة أعذار بينها “أن تقول إنك متعب جدا. أن تنتظر حتى يأتيك الإلهام” وأن “تخطط للقيام بالعمل غدا” وأخرى من نوع “أن تقول إن وظيفتك تستنزف وقتك، فلا تستطيع أن تقوم بأي نشاط آخر”، ويختصر ذلك “بصراحة: إن الكتّاب يكتبون وغيرهم يصطنعون الأعذار”.

بداية ممارسة (هواية) الكتابة تأتي من لحظة إمساكك بالقلم، وأمامك ورقة بيضاء (القلم ولون الورقة كمثال رمزي لا أكثر)، وفكّر في سؤال لا بد منه: ماذا تريد قوله؟! إذا لم تجد إجابة واضحة فإن القاريء سيجد نفس المشكلة، أنه لن يجد ما قدمته له إلا محاولة لكتابة شيء غير.. واضح.

أشدد على كلمة هواية، لأنها في البداية تبدو كأنها حالة اكتشاف لهواياتنا الداخلية، والتي تكون متنوعة بين كتابة ورسم ورياضة ما، وغير ذلك، ومع صقل هذه الموهبة/ الهواية، تتحول إلى جوهر حياة، حيث يصبح المرء ويمسي عليها أو التفكير بها، أو متابعة ما يحيط بها من جديد، كأنما مطاردة الأفكار والتقاط المزيد منها لكتابتها حالة حياة لا تهدأ، البحث عن المزيد، والتفكير في التالي، ما يمكن كتابته وما لا يمكن، الفكرة المكتملة والأخرى التي تحتاج إلى تخمّر أكثر، القصة التي تدعوك لكتابتها فورا، أو تلك المؤجلة حتى تمنحك خيطا واضحا لتسحبها وقد اشتد عودها في شرنقتها الأولى، فالفكرة تصلنا ناقصة، وعلينا تخيّل إلى أين يمكنها أن تمضي، أو أنها مجرد مولود خديج علينا تأجيل خروجه من الرحم كي يخرج ببنية أقوى، وقادر على الحياة، ومواجهة صعوباتها.

وقد نجد ضالّتنا في الجملة الأولى.. ثم نتوقف حائرين، ماذا نفعل بعد ذلك؟ إنه لم يكن مفتاحا جيدا للدخول نحو الكنز، وأن الحبل في أيدينا قصير.

لكن، رغم كل شيء، فإن الكلمة الأولى تبدو هي الأصعب في مشوار الكتابة، والسطر الأول، أو الجملة الأولى، تبقى هاجسا حتى للكتاب الكبار لما لها من أهمية كبرى، يعتبر الروائي طالب الرفاعي أن الجملة الأولى تحمل “أهمية استثنائية بالنسبة لأي كتابة، فهي اللقاء الأول بين الكاتب وفكرته أولا، وبين الكتاب والقاريء ثانيا”، وفي خطوات البدايات فإنها أصعب، كونها كخطوات الطفل الأولى، مبهجة، لكنها متبوعة بسلسلة من حالات السقوط، وما أجمل ما نتشبّه بما يفعله أي طفل، أننا ننهض بثقة بعد كل عثرة، لنواصل المشي، ونكتسب مهارة الجري على طول مسافة المضمار أمامنا.

في البدايات تتحكم “المباشرة” في أغلب المحاولات الكتابية، فهناك من يكتب “الخاطرة” فتبدو أنها رسالة إلى “شخص ما” يعاني منه الكاتب موقفا ما، خاصة على المستوى العاطفي، أو أنه يأتي بقصة حقيقية فيكتبها كما حدثت، فتتحول الحالة الإبداعية من جوهرها الفني إلى رسالة بين مرسل ومستقبل، مع ضعف خطابي يجعلها ليست أكثر من محاولة ضعيفة لكتابة أدبية، وهذا ليس “عيبا” ففي التعرّف الأول على الكتابة يغيب عن وعي الكاتب تلك الإشارات الفنية اللازمة، أو حساسية الكتابة في غوايتها التي سيتعرف عليها لاحقا، إن حرص على تنقية أدواته من أخطاء البدايات، أو لنقل ضعفها.

 


– مباديء الكتابة الإبداعية للقصة والرواية، طالب الرفاعي، ص 50

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق