لطالما حدث إختلاف واختلاق للمشاكل عند الحديث عن يوم الأم، باعتبار أن كل الأيام لها، وبوجودها تُصبح أعياد، والكثير من نصّب نفسه مفتيا وحرّم الاحتفال المزعوم، وأكد فتواه بالعيدين، العيد الاضحى والفطر.. هما فقط عيديّ الأمة المسلمة، ويوم الأم مجرد مجاراة للغرب الذين لا يعرفون أمهاتهم إلا في عيدها هذا.
رجعت لمصبّ البداية للحكاية، وبحثت عن يوم الأم العالمي وهو مصطلح ظهر مطلع القرن العشرين.. والسبب يبدو جليّا عندما أمرت آنا جارفيس بأن يتم الاحتفال بهذا اليوم تقديرا لمكانة الأم والأمومة في الثاني عشر من مايو لعام ١٩٠٧ م في ولاية فرجينيا.
وعليه بدأ في الانتشار وحسب ما سنّت به البلدان أصبح الاحتفال حسب اليوم الذي تراه مناسبا، فكان في الوطن العربي في الحادي والعشرين من مارس من كل عام.
يبدو كارثيا لكل متعصب يُنادي بتحريم هذا اليوم، وتكفير من يحتفل به، على الأقل من وجهة نظري، فالأم تستحق أن تشعر بأن الجميع يحتفل بها، وخصص يوما ربيعيا تقديرا لها، فما بالكم بأمٍ مسلمة.. تحت قدميها الجنة!
أنا شخصيا مع هذه المناسبة السعيدة جدا، وما الضير أن يحتفل العالم بها ويُهدي الرحم الذي أنجبه ولو مثقال ذرة!
فالأم مُستحقة لهذا التكريم ولا أظن هناك شريعة تحرم تكريم الأمهات بهكذا يوم بهيج.
كتبت في يوم المعلم عن أبي وشاغبتني أمي قائلة: “عهود.. أبيك علّمك ألم يكن لي دورا في ذلك! انسيتني؟”
قلت” سيكون يوم الأم قريبا وسأكتب لك.. لعله يشفع”
مازحتني ضاحكة “سيأتي أبيك ويحرّم يومنا هذا”.
آواه يا أماه وكيف أنسى!
إن كان أبي علّمني حرفا،
أنتِ علمتنيّ الحياة؛
إن كنت تنفست أبجديتي على يد أبي،
فقد تنفست الحُب على يدك.
إن كان أبي علمني كيف أكتب
فأنت علمتني كيف أشبك الحروف لأقرأ
لو بدأت بالكتابة لن تكفي المساحات لسرد ما تعلمته منكِ.. إبتداءً بكيفية إرتداء كل ما يُرتدى.. مرورا بتسريح شعري.. كيف ألف حجابي، إتجاه القبلة وصلاتي، كيف اتلو حمدي ومعوذاتي واقرأ دعائي.
أن لا أنادي كبيرنا باسمه دون أن يصحبها عم أو خال
فإذا كان قريبنا من جهة الأب ناديته عمي والعكس صحيح جملة وتفسيرا، علمتني احترام الصغير وتوقير الكبير.
دروسا تعلمتها قبل أن تطأ قدمي عتبة باب المدرسة.
ومعها كبرت ووطئت على عتبات كُثر في هذه الحياة،
منها ما كسرني فكنتِ عكاز ضعفي، وسند حقيقي أستمد طاقاتي منكِ.
كبرت عهود وبقيت طفلة في حسابكِ، كبرت عهود وأصبحت أما.. عاشت لحظة معنى أن تنشطر من روحها روحا حية، فازدادت يقينا بأن الأمهات تحت أقدامهن الجنة.
كبرتُ وإلى الآن أعود إلى حضن أمي، أتجاوز الجميع لألقي بثقل رأسي على رجلها، فتجري في شراييني أجمع الطمأنينة ويسري في قلبي الحنان.. ملاذي أنتِ جميلتي.
كبرت وإلى الآن حين ترافقني إلى المستشفى، لا أقوى على شرح علّتي فتتولى الحديث وكأن الألم بها لا بي.
أمي ليست أمي أنا فحسب، بل هي أم ابنتيّ، أخذت على عاتقها أمر تربيتهن في ظل غيابي أو انشغالي، وعززت قولها”مسقط فيها كورونا ما يهونن بناتي يروحن” تطوقهن بروح الأمومة والاهتمام أكثر مني.
كل عام وأنتِ الحياة جنتي، كل عام وأنا أكبر تحت ظلك، وقلبك النقي، كل عام وأنتِ الجميلة التي حارب أبي من أجلها، كل عام ولكِ من اسمك نصيب.
حُبي وانحناءات تقديري ودعواتي البيضاء بأن تظلين دوما مزهرة.