الفني
مكادي نحاس: اسمي يعني الحرية والفن “يؤكل عيش” رغم التحديات
فنانة أصيلة، انحازت للتراث الموسيقي العربي لأنه منبع أصيل استطاعت أن تقدمه بإحساس جعل منها أيقونة فنية لجمال صوتي نهل من التراث فأبدع فيه.. هي الفنانة الأردنية، ولنقل إنها الفنانة العربية، مكادي نحاس، اسم الحرية الذي اختاره لها والدها سالم نحاس، أحد أبرز الأدباء في الأردن، فاختارت حريتها لتكون ملتزمة مع فن طربي يرتقي بالذائقة.. التقيتها في مقهى عّماني، وعلى فنجان قهوة، لكن الحسّ الصحفي خرج بجلسة «فنجان القهوة» إلى حوار نقدمه لقراء التكوين..
حاورها في عمّان:
محمد بن سيف الرحبي
طلبت منها في البداية أن تعرّف بنفسها للقارئ، لحاجته للتعرف عليها كفنانة تمتلك خامة صوت تقدم فنا راقيا، بعيدا عن حسابات الشهرة و «الفن السائد»، قالت: مكادي نحاس، فنانة من الأردن، ملتزمة، مهتمة بالشأن الثقافي العام، والأغاني التي أقدمها تعكس البيئة التي جئت منها، والهم الذي أفكر به دائما، والقلق: الثقافي/ الفكري/ الموسيقي، والأكيد الجمالي، لكن له شكل مختلف عن الأغاني التي نراها على التلفزيونات، اسمي معناه الحرية، عنوان قصيدة لشاعر سوري اسمه عبدالباسط صوفي، هذا الشاعر كتبها لصديقته الافريقية مكادي، وتقول الاسطورة أن هناك حاكمًا ظالمًا يحكم بلادا واسعة خطر على باله ذات يوم أن يأمر الصنّاع بصنع جرس يسمع صوته في كل البلاد، ومن لا ينجح يقطع رأسه، وطبعا قطعت رؤوس كثيرة، وكان هناك نحاس (تضحك: تقول إنها ربما من مخيلة والدي) له طفلة اسمها مكادي تلعب بجانب المصهور فوقعت فيه، وكان هناك حزن كبير، وعندما علق الجرس كانت دقاته تطلق: (ما / كا / دي) أي الحرية، أسافر كثيرا، اشارك في مهرجانات ثقافية في العالم العربي وغيره لتقديم حفلات غنائية، أحاول أن أقدم أشياء تشبهني أنا شخصيا، حتى لو كانت لعمالقة من أيام الزمن الغنائي الجميل، لأنقلها بصدق في كل مكان أذهب إليه بصوتي وإحساسي.
اسألك عن الطموح في الانتشار، وهذا حق لكل فنان وواجب عليه للوصول إلى أكبر قدر من الجمهور الذين قد لا يعرفون قيمة ما يقدمه.
الحمد لله أستطيع القول أني حققت انتشارا مهما، وبما لدي من أدوات، فلا شركة إنتاج ولا دعم، يعرف الناس اسمي ويعرفون ماذا أغني، التحديات كبيرة وصعبة.
ما البديل لمواجهة التحديات، بمن يملك خامة كصوتك لم يحقق شهرة مستحقة، وأعني الشهرة بمعناها الإيجابي؟
الحل هو إيجاد مؤسسات ثقافية عربية مهتمة بهذا النوع من الموسيقى، ووجود مسؤولين يتحلّون بالشجاعة لدعم هذا الفن، أما القول إن هذا اللون ليس له مردود مالي فغير صحيح لأنني أعيش من وراء هذا الفن، وكثيرون مثلي في العالم العربي.
بمعنى أن الفن «يؤكل عيش»؟!
نعم، لكن ذلك لا يمنع أنه يمر بظروف صعبة وتحديات كثيرة خاصة أننا لا نقدم الفن السائد، ولا أريد أن أسمّي أسماء حققت الملايين من الغناء، لكن ما يسمى بالفن السائد أصبح معروفا.
لماذا لا تغنين الفن السائد؟
لأنه لا يشبهني، لا أستطيع أن أغني فجأة بمطعم بينما الناس يحضرون لي بدار الأوبرا.
عرفناك أكثر من خلال أغنية تراثية عراقية، فماذا عن التراث الأردني؟
غنيت من التراث الأردني أغنية «هيا على هيا»، و «يمه ويل الهوى» وغيرها من الأغاني الشهيرة التي عرفها الناس منذ عشرات السنين، وصدرت لي ستة ألبومات، وكان أولها بعنوان «كان يا ما كان».
ماذا يعني لك التراث حتى تختاريه ليكون تذكرة دخولك إلى ذائقة المستمع العربي؟
اختياري التراث له أكثر من سبب، أولها أنه متاح، ومع القدرات المالية المحدودة نستطيع الأخذ من التراث بدون مطالبات مادية أو مساءلات قانونية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، أما السبب الأهم فالتراث جميل، وبه ذلك الشجن، التراث مليء بالحنين والنوستالجيا، وشعراء اليوم لا يستطيعون الكتابة مثل ما وجدناه في التراث، والدليل على قوته أنه صمد وعاش والناس يتداولونه، وتقديمه حفاظ على الهوية، إضافة إلى أنني أحفظه عن ظهر قلب،
عندما بدأت أغني مطلع التسعينيات كانت هناك ثورة من الأغاني السطحية والتافهة والفارغة ووو، فعدت إلى تراثنا العربي، على تنوعه أردني أو عراقي أو مصري أو خليجي، التراث الذي يمثل جذورنا ولغتنا وهويتنا، وبه مفردات لا تستخدم في الأغاني الحالية، فكان هذا مشروعي الذي يقبلة الناس بمحبة، ويطالبونني به كثيرا، من أشهر الأغاني التي قدمتها وأحبها الجمهور ويطالبني بسماعها دائما «هيا على هيا» من التراث الأردني، و «يا عمه» من التراث العراقي، والحمد لله كانت تجربتي ناجحة في هذا الإطار.
هل ستمضين في هذا الرهان على الأغنية التراثية؟
لدي ألبوم سيصدر قريبا به أغانٍ جديدة، وأيضا به أغانٍ تراثية معاد تقديمها بشكل لا ينتقص من أهمية هذه الأغاني وجوهرها من موسيقى وكلمات.
هل من تطوير لها ؟
مؤكد، وحتى إذا قدمتها مثل ما هي في هذا العصر تكتسب تجديدها، وذلك من خلال الصوت الذي كان يقدم خاما، كما هو، وقد يظهر فجأة، لميعة توفيق وسميرة توفيق وميسون الصنّاع في الأردن كانوا يقدمون الأصوات بشكل فطري ولم تكن هناك استوديوهات تتعامل مع الصوت بحرفية، بل بالتسجيل عبر جلسات غنائية أحيانا، وعندما أقدم التراث أحاول أن أضيف عليه آلات موسيقية وهارموني وتوزيع موسيقى مختلف، فمثلا أغنية يا عمة ليست كما قدمتها لميعة توفيق مع أن العازفين كانوا عراقيين حيث سجلتها في بغداد، وافتخر أن البعض يظنون أني عراقية أو أردنية أو غيرها من الجنسيات العربية، وهذا يدل على أنني في المسار الصحيح حيث العروبة الحقيقية، أقدم التراث العربي الأصيل غير المحسوب على بقعة ما.
هناك أصوات اشتهرت لأنها غنت لآخرين، آمال ماهر مثلا عرفت بتقديمها لأغاني أم كلثوم، وعرفنا مكادي نحاس في «يا عمة» وفي «يا خالة شكو»، وتبقى هذه الأصوات قوية بمستوى ما تقدمه لجيل العمالقة بينما لو قدمت أغانيها الخاصة فلن يتذوقها الناس بنفس المستوى كأغنيات الطرب القديم، فكيف تواجهين هذا التحدي؟.
صحيح، ولكن يبقى إحساس الفنان بما يقدمه، هذه الجملة ستؤثر في الناس أو لا، قد تكون جملة بسيطة ولكن أيضا يعتمد على إحساس الفنان لتقديمها للجمهور، وتبقى ثقافته ووعيه ما يحددان مستوى ما يقدمه، ولا يعتمد على ما يريده السوق، أنا مع الفنان أن يكتب ويلحن لنفسه، معنا الفنان لديه من يكتب له، ويلحن له، وربما يعلمه كيف يغني، وكيف ينطق..
يعلمه كيف يغني؟!
معظمهم هكذا للأسف.
لكن كيف يدرك الفنان طبقات صوته وما يصلح له؟
الفنان المثقف والعارف بالموسيقى وطبقات صوته وقدراته يستطيع، في ألبومي الأخير ثماني أغنيات من كلماتي وألحاني، الناس يحفظونها ويسمعونها، وبالنسبة لي هذا إنجاز لأنه في عالمنا العربي غير موجود، من كلماتي في أحد الأغاني:
أنت السماء وانت الحلا
وأنت الهوى والورد
اللي معرش على حيطاني
وانت الولد
اللي عم يلعب بفستاني
لا بد من التأكيد على أهمية الفن والثقافة في بناء إنسان متوازن، وإنسان لديه رؤية يعرف ما يريد، وبرأيي أن الحكومات وشركات الإنتاج وسائر المنظومة الإعلامية ساهمت كثيرا في تخريب وتشويه المستمع العربي، باستضافة من لا يملك الحس أو الموهبة، وتلميع من ليس لديهم قيمة لا فكرية ولا ثقافية، ولا حتى عائلية باعتبارنا مجتمعا قبليًا.
هل المشكلة في التسويق؟
طبعا، إضافة إلى مصالح شخصية لا تفيد أي أحد من أي نوع، شيء مؤسف فعلا، هذا المجهود والطاقة لو توجهان في مسار صحيح وعلى فنانين حقيقيين لاختلف وضعنا تماما، هناك من صعدوا وما فعلوه هو أنهم زادت أموالهم وزاد هوسهم بالشكل، حتى صار حلم الكثيرين أن يصبحوا مطربين للحصول على الشهرة والثراء، لا أكثر ولا أقل، كيف بفنانة تريد أن تقدم نفسها قدوة للأجيال وهي بهكذا شكل!
الفنان يقدم القدوة للجيل، لو كل هذه الأشياء وجهت لفنانين ذوي قيمة لرأينا قيما أفضل، ووجدنا الأطفال والشباب اختلفوا للأجمل.
هل شغفك بالطفولة جعلك تقدمين أعمالا غنائية للأطفال؟
(تضحك) طفولتي كانت عظيمة، عشتها بالطول والعرض، في طفولتي كنت أعمل مسرحيات، أجمع الأولاد وأطفال العائلة، وكفنانة قدمت للأطفال ألبوما غنائيا اسمه جوّا الأحلام، تحول إلى مسرحية للدمى، كنت مقيمة في بيروت ولما جئت إلى الأردن تطوعت في مؤسسة تعمل مع الأطفال، من الأشياء التي صدمتني أن أطفالا عمرهم أربع سنين أو خمس سنين يغنون (بوس الواوا)، التقيت بنساء صغيرات بأذواق غريبة حتى في الأزياء، بدأت معهن في سماع فيروز مختارة الأغاني التي تناسب أعمارهن، «قمرا يا قمرا» و «طيري يا طيارة»، وعملت هذا الألبوم وطلبت من الشركة المنتجة أن توزعه في ورش العمل.
ماذا عن أحلام مكادي نحاس وسط هذا الضجيج؟
(تتنهد) أكيد أحلم كأي فنانة وإنسانة بعالم خال من الحروب والبؤس وكل شيء بشع، وعلى المستوى الشخصي أتمنى أن يعيش أولادي حياة كريمة خالية من أي ضرر لا سمح الله، أتمنى أن يكون في بلدي مسؤولون مخلصون وأن تتحرر فلسطين ونزورها دون أي حواجز، وأن تتوقف هذه الوحشية في عالمنا العربي حيث تركنا عدونا الأساسي لنقتل بعضنا البعض.
ومتى نراك في عمان؟
سمعت عن عمان الكثير، وأنها بلد جميل، وأحب أن أزورها وأقدم حفلة غنائية فيها، حلمي أن أقف في دار الأوبرا السلطانية لأقدم أغنيات من التراث العربي.