مقالات

السر الوظيفي والأماكن المحمية في سلطنة عمان (2 ـ 3): المحاذير القانونية للسر الوظيفي

كتب: د.ناصر بن ودير أولاد ودير

 ghantaq@gmail.com

لما كان السر الوظيفي بشكل عام هو: “كل ما يضر إفشاؤه بالسمعة أو الكرامة” كما عُرف بأنه: “واقعة ينحصر نطاق العلم بها في عدد محدود من الأشخاص إذا كانت ثمة مصلحة يعترف بها القانون لشخص أو أكثر في أن يظل العلم بها محصورا في ذلك النطاق، فقد ورد تعريف إفشاء الأسرار الوظيفية قانوناً في عدد من التشريعات منها قانون تصنيف وثائق الدولة وتنظيم الأماكن المحمية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم [118/2011م] الذي نص بأن الإفشاء هو: ” كل فعل أو امتناع من شأنه الاطلاع أو تسهيل الاطلاع على أي وثيقة لا يجوز قانونا الاطلاع عليها”، وصور الإفشاء في هذه الحالة هي: الإفشاء المباشر (الصريح) والذي يتحقق بفعل مؤداه نقل الخبر، والإفشاء غير المباشر (الضمني) والذي تتلخص صورته في امتناع الموظف عن حفظ الوثيقة التي تتضمن السر الوظيفي قاصدا إطلاع الغير عليه، كما أنه ونظرا لجسامة الخطر المترتب على إفشاء السر الوظيفي فلم يترك تحديد ما هو سر في التشريع العماني لتقدير جهة الإدارة وإنما خص المشرع السر الوظيفي بقانون خاص بالمرسوم السلطاني رقم [118/2011] المشار إليه.

ونص المشرع صراحة في قانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم [120/2004م] على ضرورة التزام الموظف العام بالكتمان، وهذا النص يشمل كل مكلف بأداء خدمة عامة، وكل من يرتبط بعمل مع الإدارة، وفقا لأحكام قانون تنظيم التزامات العاملين في كافة مؤسسات الدولة وأعضاء المجالس المعينة والمنتخبة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم [40/2015م]، وأشار المرسوم السلطاني رقم [110/ 2011م] بإصدار قانون القضاء العسكري إلى تجريم السر الوظيفي في عدد من مواده إما بشكل صريح أو ضمني، كما أن القانون الخاص بنظام موظفي ديوان البلاط السلطاني الصادر بالمرسوم السلطاني [97/1997] فقد أشار بدوره إلى السر الوظيفي – كما سنرى لاحقاً – إضافة إلى ما قضت به أحكام قانون تنظيم الاتصالات وقانون جرائم تقنية المعلومات.

ويعرف إفشاء الأسرار جزائياً بأنه إفضاء بوقائع لها الصفة السرية من شخص مؤتمن عليها بحكم وضعه أو وظيفته أو مهنته، بصورة مخالفة للقانون، حيث يعاقب الموظف بالسجن حتى ثلاث سنوات أو بغرامة قد تصل إلى مائتي ريال إذا افشى بدون سبب شرعي سراً يعلمه بحكم وظيفته وفقاً لقانون الجزاء العماني، كما أنه يعد من أسرار الدفاع وفقاً لقانون الجزاء العماني الجديد : المعلومات والخطط الحربية والسياسية والاقتصادية والصناعية التي يعلمها الأشخاص الذين لهم صفة فـي ذلك، والتي يجب لمصلحة البلاد أن تبقى سرا على من عداهم، والمكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشيــاء التي يجـب لمصلحــة البلاد أن تبقى سـرا على غيــر من لهم صفــة فـي حفظها أو استعمالها، والأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وقوات الأمن ومواقعها وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها، وغير ذلك مما يمس الشؤون العسكرية والخطــط الحربيــة والأمنيـــة، مــا لــم يكـن قـد صـدر إذن كتابـي مـن السلطـات المختصة بنشره أو إذاعته، وكذلك الأخبـار والمعلومـات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشـف الجرائـم وضبــط الجنــاة المنصــوص عليهــا فــي هــذا البــاب، والأخبـار والمعلومــات الخاصة بسرية التحقيق والمحاكمة إذا حظرت جهة التحقيق أو المحكمة إذاعتها أو نشرها.

وأشار القانون الخاص بنظام موظفي ديوان البلاط السلطاني الصادر بالمرسوم السلطاني [97/1997م] إلى السر الوظيفي وجرمه  في الفقرتين (ج ، هـ) من المادة (95) والتــــي تنص على: (ج) الإفضاء بأي تصريح أو بيان يتصل بأعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غـــير ذلك من وسائل الإعلام والنشر إلا إذا كان مصرحا له بذلك من السلطة المختصة، (هـ) إفشاء الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت بطبيعتها سرية او بمقتضى تعليمات تصدر بذلك حتى انتهاء العلاقة الوظيفية، وهذه النصوص تتسق في المعنى مع ما نص عليه قانون الخدمة المدنية العماني الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم [120/2004م] وإن لم تتفق في المبنى.

أما قانون تصنيف وثائق الدولة وتنظيم الأماكن المحمية الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم [118/2011م] – الذي أشرنا إليه – فقد عرف الوثائق بأنها: المحررات والمستندات ومسوداتها سواء المكتوبة أو المطبوعة أو المختزلة أو أي أشرطة تسجيل أو أجهزة حاسب آلي أو أقراص رقمية أو أفلام أو مخططات أو رسوم أو خرائط أو أي مواد أخرى يمكن الاستعانة بها في تدوين أو نقل المعلومات أو البيانات، والوثائق المصنفة هي تلك الوثائق التي تحمل إحدى درجات التصنيف الوارد في هذا القانون والتي يضعها منشئ الوثيقة، أما تصنيف الوثائق فهو إعطاء الوثيقة درجة سرية معينة توضع عادة في بداية الصفحة وفي أسفلها ومن خلال التصنيف يمكن تحديد درجة الحماية المطلوبة للوثيقة والجهات المخول لها فض الوثيقة وتداولها، وتكون درجات تصنيف الوثائق وفقا لهذا القانون طبقاً لمعايير أهمية الوثيقة وخطورة المعلومات التي تتضمنها على أربعة أصناف هي: سري للغاية، سري، محدود، ومكتوم.

وتصنف الوثائق – وفقاً للفقه الأمني والقانوني – بدرجة “سري للغاية” إذا تضمنت معلومـة يــؤدي إفشاؤهــا أو الاحتفــاظ بهــا أو حيازتهـا إلـى أضـرار خطيـرة بأمــن الدولة الداخلي أو الخارجي، أو إلى فائدة لأي دولة أو جهة أخرى من شأنها أن تشكل أو يحتمل أن تشكل خطرا على السلطنة، أو تضمنت خططاً وتفصيلات للعمليات الحربية وأي معلومة ذات علاقة بها، أو المعلومات السياسية الرسمية المتعلقة بالعلاقات الدولية والاتفاقيات أو المعاهدات وكل ما يتعلق بها من مباحثات ودراسات وأعمال تحضيرية، أو المعلومــات المتعلقــة بأعمــال وتدابيــر وتشكيــلات الأجهـزة الأمنيــة والاستخباريــة وتجهيزاتها، وأخيراً المعلومات المتعلقة بالأسلحة والذخائر أو أي مصدر من مصادر القوة الدفاعية، وتصنف الوثيقة بدرجة” سري” إذا تضمنت: معلومــة يـــؤدي إفشاؤهــا أو الاحتفــاظ بهـا أو حيازتهـا إلـى تهديـد سلامـة الدولــة أو تسبب أضرارا لمصالحها أو تكون ذات فائدة لأي دولة أو جهة أخرى، أو معلومة عن موقع تخزين المواد الدفاعية أو الاقتصادية، أو تضمنت معلومة ذات بعد أمني والتي من شأن إفشائها إحداث تأثير سيء على الروح المعنوية للمواطنين، أو معلومة عن تحركات القوات المسلحة أو الأمن العام، أو أي معلومة يمكن أن تمس من هيبة الدولة.

كما تصنف الوثيقة بدرجة “محدود” إذا تضمنت معلومة يؤدي إفشاؤها أو الاحتفاظ بها أو حيازتها إلى صعوبات إدارية أو اقتصادية للبلاد ، أو نفع لأي دولة أو جهة أخرى، أو معلومة تضر بسمعة أي شخصية عامة، وأخيراً تصنف الوثيقة بدرجة ” مكتوم ” إذا تضمنت معلومة لا يفضل إفشاؤها حفاظا على مصالح الدولة، أو معلومة تتعلق بشؤون مالية أو اقتصادية يؤدي إفشاؤها إلى الإضرار بمصلحة الدولة، أو أي معلومة متصلة بشؤون إدارية أو بشؤون الموظفين، ويحظر على الموظف إفشاء أي وثيقة مصنفة او معلومة حصل عليها او اطلع عليها بحكم وظيفته ما لم يحصل على اذن بذلك من السلطة المختصة ويسري الحظر على من انتهت خدمته لأي سبب كان، وينبغي أن تحفظ كافة الوثائق المصنفة في الأماكن المخصصة لها في الوحدات الحكومية او غيرها من الوحدات بحسب الاختصاص ويحظر طباعتها أو نسخها أو نقلها أو تصويرها أو إخراجها من الجهات ذات الصلة أو استخدامها لغرض غير المقرر لها أو إتلافها دون الحصول على ترخيص كتابي من السلطة المختصة، كما يجب على كل من يعثر على وثيقة مصنفة – سواءً أكان مواطناً أم مقيماً – تسليمها فورا إلى الجهة المنشئة لها أو أي مركز شرطة، وبعد أن تعرفنا على ماهية السر الوظيفي في الجزء الأول من هذه السلسلة، وعرجنا في هذا الجزء على موضوع المحاذير القانونية للسر الوظيفي، سنتناول في الجزء الثالث والأخير إن شاء الله تعالى موضوع العقوبات المترتبة على الإفشاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق