مقالات
الكتابة الروائية السطحية
د. أحمد عبدالملك
برزت الرواية العربية، خلال العشر السنوات الماضية، كأهم أنواع الإبداع العربي، سابقةً بذلك، الشِعرَ والقصةَ القصيرة والسِيَّر. وهذا ما دفع كثيرين إلى دخول عالم الرواية المُدهش، دون أن يتلمَّسوا مواقعَ الِإدهاش في تضاعيف الرواية! وَتساهلَ كثيرون صعوبةَ كتابةِ الرواية، لدرجة أنهم سطّحوا هذه الرواية، ومسَخوها، مُتجاهلين أُسسَ وقواعدَ الكتابة الروائية، من ناحية، وغير مُدركين لتلك الأُسسِ والقواعد، من ناحية أخرى.
ولقد حضرَ المشهدَ الثقافي الروائي في الخليج العربي مجموعةٌ من المحاولات «الطفلة»، التي لا تتجاوز حجمَ القصة القصيرة، وافتقدت هذه المحاولات، الآتي:
عدم الإلمام بالخصائص السردية، التي تجعل من النصّ رواية، بالمعنى الحقيقي، وهذه الخصائص هي: الحدث، الشخصيات، الزمان، المكان، اللغة! وأُجزمُ أن كثيرين أصدروا روايات دونما علمٍ بهذه الخصائص! لذا، وجدنا أن نصوصَهم خلت من هذه الجماليات الأساسية للرواية.
ضعف الخيال، ولربما غيابه عن النص الروائي، ونحن نعلم أن الرواية خلْقٌ من عدم، وليس نقلًا (فوتوغرافيًا) لأحداث سمعها أحدُهم، أو أنها ترتكز فقط على (ثيمة) أو حادثة شعبية، طوَّرها أحدُهم في شكلٍ روائي. فالخيال يُثري الحدث، ويُدمج القارئ في الأحداث، ويُغري القارئ بأن يُحبَّ شخصية، وأن يكَره شخصية أخرى. والخيال أيضًا، يُضيف جمالياتٍ على السرد، بحيث يُعمّق من ثبوت المكان والزمان في الحدث.
عدم تطوّر الشخصيات.. فقد لاحظنا أن رواية ( ما) تشمل أحداثًا وقعت في خمسين عامًا، ولا يحدث فيها أيُّ تطوّر للشخصيات، فكريًا أو فيزيائيًا، وهذا عيب كبير يُشوِّهُ الرواية، ويُفقدها مصداقيتها، حتى وإن كانت خيالًا في الأساس.
إهمال أدواتِ الترقيم.. وهذا شائع بين الكُتّاب الشباب، ذلك أن الشَدّة ( ًّ) مهمة جدًا لتوضيح الفعل أو الاسم، فمثلًا كلمة (عَبَرَ) بمعنى مرَّ، تختلف عن كلمة (عَبَّرَ)، كما أن كلمة (واه) لا بد وأن تتبعها علامة (التعجب)، وكذا الحال مع السؤال، الذي يجب أن تتبعه علامة الاستفهام (؟) وتلعب أدوات الترقيم دورًا مهمًا في تعميق المعنى، وتقطيع الجُمل، عبر الفاصلة (،) والفاصلة المنقوطة (؛) التي تأتي بعدها جملة تكون نتيجة للجملة السابقة، ناهيك عن أدوات التنصيص (« «) والأقواس (…..) وغيرها.
إهمال مراجعة النص من الناحية الإملائية واللغوية: ولقد حدث أن صادفنا نصوصًا افتقدت سلامةَ اللغة والإملاء، وظهرت فيها أخطاءٌ قاتلة، مثل: عدم الجزم بعد (لَم) الجزم، كأن يقول أحدهم: لم يعترضان على القرار! والصواب: لم يعترضا على القرار. أو لم يقاطعون الاجتماع، والصواب: لم يقاطعوا الاجتماع! تمامًا كما هو الحال في ما يأتي بعد المَصْدر، فكثيرون ينصبون الاسم بعد المصدر على أنه مفعول به، إلّا أنه في حقيقة الأمر يكون مضافًا إليه مجرور، كأن يقول أحدهم: إقامة حدادًا على المتوفى، والصواب: إقامة حدادٍ على المتوفى، لأن إقامة مصدر، ويجر ما بعده. ومن هنّات النحو أيضًا، عدم التفريق ما بين الممنوع من الصرف والمُصَرَّف؛ كأن يقول أحدهم: أعطاني مفاتيحًا كثيرة، والصواب: أعطاني مفاتيح كثيرةً، لأنها على وزن (مفاعيل) التي لا تُصَّرف.
إدخال اللهجة العامية في النص، بقصد أو دون قصد. وقد لاحظنا أن اللهجة العامية تدخُل في السرد، وهذا غير مقبول، وإن تجاوزنا هذا في الحوار، الذي يُعمّق الحدث ويُقرّبهُ من الزمان والمكان والشخصيات. فمثلًا: القارئ المغربي أو التونسي لن يستطيع فكَّ شفرة اللهجة الخليجية، وبطبيعة الحال، فإن القارئ الخليجي لن يستسيغ ولن يفهم اللهجة المحلية المغربية أو الموريتانية. كما أن العامية تسجنُ النصَّ في الإقليم، ولا تجعله يتجاوز الحدود، بل لا يتأَهل – في حالات العامية الطاغية – لأن يتقدم في الجوائز الخاصة بالرواية العربية.
الجهل باستخدام لغة البيان والبديع، حيث إننا ندرك أن الرواية خلق وإبداع، ولا بد أن يتجمّل النصُّ بالبيان والبديع، ويُرَصَّع بالاستعارة والتشبيهات، كونه نصًا أدبيًا في المقام الأول. والإبداع يعتمد – في الأساس – على بديع اللغة ومُحسّناتها، ولكن قلةَ القراءة، وصغرَ سن بعض مَن يكتب الرواية، يجعل أعمالهم تفتقر إلى هذه الميزة المُهمّة في النص.
وبعد، فإن الكتابة الإبداعية تختلف عن تلك التقريرية، التي تُعلّقُ على حادثة أو موضوع، والتي لا يمكن أن تنطبق عليها الخصائص السردية، أو تدخلها المُساعِدات السردية، مثل: الرسائل، المونولوج، المُذكِرات، العودة إلى الماضي Flash Back، الأحلام، الأرواح.. وغيرها.
وأخيرًا، فإن الرواية عمل فني، تنطبق عليها اشتراطات العمل الفني، من غموض، تبرير، شرح، حلّ العقدة، الربط بين الأحداث، عدم تناقض سلوكيات وأفكار الشخصيات، تمامًا كما هو الحال مع حداثة وجدّة وغرابة الحدث، لأن الإتيان بأفكار ومواضيع مطروقة سابقًا، لن يجعل للرواية مكانًا في الذاكرة الثقافية.