يختار وليد بن سيف العميري الأرض الإفريقية ليتعقب رحلة الاستكشاف العماني لهذه القارة في كتابه “المعشوقة السمراء”، في باكورة أعماله ضمن أدب الرحلات، راويا سر هذا العشق الذي قرأه في حكايات والده عن تلك السواحل التي هاجر إليها سنوات طوال.
ووفق كلمة الناشر التي كتبها الروائي محمد بن سيف الرحبي فإن وليد العميري لا يكتفي بالتاريخ” فمرويّته كثيرة ومتشعّبة، بل يستبق الحاضر، ويرتحل على متن «طائر أثيوبي» لمقابلة تلك المعشوقة السمراء التي فتن بها من فتن، وجها لوجه علّه يرى ما الذي أغرى سابقيه على نفس الدرب للتعلّق بأهداب عينيها، ليرى أبيه يسير على ضفاف «فكتوريا» يحلم بالخصب لتلك الديار التي فارقها أملا بالعيش، وتلتقط يداه حبّات النارجيل من تلك السوامق التي تذكّره بنخيل قريته «الحبّي»، يستعيد سيرة «الفلج» تحت سحب أرخبيل زنجبار الممطر ليلا ونهارا، حيث يستريح المزارع تاركا للسماء مهمة ريّ الحقول التي تبدو لا آخر لها”.
ويشير المؤلف إلى أن هذه الرحلة “بما تكشفه في تفاصيلها، وبما تسرده عبر أحداثها الحقيقية، هي رحلة البحث عن أسباب تعلُّق قلب العُماني بالأرض الإفريقية عبر التاريخ، وسعياً إلى تسهيل فهم هذا العشق الدفين في قلبه لتلك الأمكنة، لتدرك الأجيال الحالية، والقادمة، وتستوعب هذا الحبّ المتوارث في قلوبهم، عبر أزمنة آبائهم وأجدادهم، من غير أن يكون لهم الصلة المباشرة بمعشوقة أسلافهم”.
ويضيف العميري بأن بداية الرحلة لم تكن كمفتتح أيَّة رحلة سفرٍ سياحية بأن تبدأ بإقلاع الطائرة من مدرج المطار، وتنتهي عند هبوطها على المدرج نفسه، بل استمرَّت لسنوات عديدة بدأتْ من مجالس العائدين من الأراضي الإفريقية المزدهرة وهم يسردون شوقهم لها، وحسراتهم على فقد السلطة عليها، رغم تزامن عودتهم من الأراضي الإفريقية ببوادر الازدهار الاقتصادي في عُمان مطلع السبعينيات.
ويشير العميري إلى أن بدايات رحلته إلى الأراضي الإفريقية تعود إلى تلك الطفولة البعيدة، مع حكايات من دفاتر الهجرة إلى إفريقيا يرويها أبي ومجالسوه وسائر من عاد إلى وطنه الأم مشفوعاً بكم هائل من متعة الحديث عن حيوات كاملة قضوها هناك، ولكن نهايتها لا يمكن أن أحدِد لها خطّاً أتوقَّف عنده، رغم ما أسهمَتْ به في فهم هذا العشق، واستيعاب هذا الحبّ الخالد في قلوب العُمانيين، متنقلاً ومتوارثاً بينهم جيلاً بعد جيل، رغم كوابيس تلك الفترة الوحشية، ومع رحيل آخر السلاطين العُمانيين منها عام 1964م، وانتقال السلطة فيها إلى الغزاة القادمين من البر الإفريقي، بمساندة ممن يضمرون الحقد على الإسلام والعروبة”.
ويؤكد المؤلف على ما قام به الأجداد من مآثر بقيت شاهدة على مرورهم الحضاري في تلك البلاد، حيث “اجتازوا فواصل الجغرافيا، لكنهم كتبوا حكاية خالدة كتبها التاريخ، بقيت سماتها واضحة المعالم، من القصور التي تركها العُمانيون يوم الرحيل المأساوي، والأزياء التي ما زالت ناطقة كأثر حي في صميم العلاقة بين أبناء عُمان وأبناء الإرخبيل، في زنجبار أو أينما وصلت أقدام العُمانيين، تجاراً لا غزاة، ومحبين للقارة السمراء، ولا بد للمحبة أن تنتصر.. وتبقى”.