العام
هل يمكن للنشاط البدني أن يكون مفيداً في مواجهة وباء فيروس كورونا
أبريل 2020
هل يمكن للنشاط البدني أن يكون مفيداً في مواجهة وباء فيروس كورونا
أرقام وبيانات، تحاليل وأراء، إجراءات وترقٌّب،العالم بأسره يعيش هذه الأيام حالة من الصراع لمواجهة كوفيد 19 الذي تسبب به فايروس كورونا، النشاط البدني على الأرجح ليس من أولويات إهتمامتنا ونحن نكافح لحماية أنفسنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا خلال هذه الجائحة. ربما ينبغي أن نهتم بهذا الأمر، لأن النشاط البدني يمكن أن يكون أداة قيمة للسيطرة على العدوى والحفاظ على الصحة العامة وتحسين نوعية الحياة. يعتبر النشاط البدني أحد أبرز الأدوات الفاعلة لتحقيق الصحة بمفهومها الشامل، فهو يساعد على معالجة العديد من الأمراض الجسدية والعقلية والوقاية منها من خلال تحسين أداء العديد من النظم الفسيولوجية.
سوف نستعرض في هذه المقالة كيف يمكن لممارسة النشاط البدني أن تساعد في التخفيف من عواقب وباء الفيروس التاجي عن طريق أربع حقائق:
أولاً: ممارسة النشاط البدني من الممكن أن تقلل من شدة العدوى بكوفيد 19.يعود السبب في ذلك لما يحدث في الرئتين أثناء العدوى؛ حيث يقوم الجهاز المناعي عند اكتشاف العدو الغازي (الفيروس) في الرئتين بمهاجمته، وهذا الصراع بين الفيروس والخلايا المناعية يسبب حالة التهابية مخلِّفةً ضرراً لأنسجة الرئة، ومحدثةً صعوبة في التنفس، والتي من الممكن أن تصبح شديدة وتتطلب تدخلات طبية، والحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي؛ الآن كيف يرتبط هذا الأمر بالنشاط البدني؟ من المعروف إنَّ نشاط العضلات ينتج مركبات تحسِّن أداء الجهاز المناعي وتقلل الالتهاب، وبالتالي، فإن النشاط البدني يساهم في تعزيز العمليات البيولوجية التي تتفاعل تجاه العدوى، وعلى الرغم من عدم وجود دراسات حول تأثير ممارسة النشاط البدني على المصابين بكوفيد19، إلا أنه يوجد العديد من الدراسات الموثَّقة التي تشير إلى تأثير ممارسة النشاط البدني على المناعة والتهابات الجهاز التنفسي الفيروسية؛ فمن المعلوم أنَّ العضلات تشكل 30-40٪ من وزن الجسم وهذا ما يجعل الكتلة العضلية حليفاً ومسانداً في مواجهة ومكافحة تأثير العدوى، لكن هذا يحدث فقط عند المواظبة على استخدام وتقوية هذه العضلات. وتجدر الإشارة إلى أنَّ النشاط البدني المعتدل الشدة مثل المشي هو الأفضل في هذا المضمار، حيث أنَّ التمارين ذات الشدة العالية التي تتطلَّب جهداً كبيراً كالمارثون والجري السريع تؤثر عكسياً بتقليلها لوظيفة المناعة.
خلاصة القول يمكننا التأكيد بأن ممارسة النشاط البدني تقلل من فرص دخول المصابين إلى المستشفيات، والحاجة إلى استخدام أجهزة التنفس الصناعي، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من العبء على أنظمة الرعاية الصحية الشديدة خلال فترة هذا الوباء.
ثانياً: لقد ثبتت جدوى و فاعلية النشاط البدني في الوقاية من الإصابة بالأمراض القلبية والوعائية، والداء السكري بمضاعفاته المختلفة، وبعض أنواع السرطانات وعلاجها، وبات من المعروف أنَّ المصابين بتلك الأمراض أكثر عرضةً من غيرهم لخطر الإصابة بكوفيد 19، الأمر الذي يزيد من احتمالية الخطر على حياتهم، وبالتالي ارتفاع معدَّل الوفيات بين أفراد هذه الشريحة. على الرغم من التوصيات التي تطلقها الجهات الصحية لممارسة النشاط البدني للوقاية من الأمراض فلا تزال الجهود الرامية لتعزيز أنماط الحياة الصحية ضئيلة ومحدودة، لذا فإنه من المنطق والمجدي تشجيع أفراد المجتمع عموماً، وأولئك الذين يعانون من حالات مرضية مزمنة على وجه الخصوص، لممارسة أنشطة بدنية معتدلة قبل الإصابة من أجل الحد من المخاطر الناجمة عن المرض بعد الإصابة بالعدوى. نظراً لما للنشاط البدني من آثار فورية على أداء الجهاز المناعي ومحاربة الالتهابات بما يوازي تناول جرعة دواء يومية، لذا يمكننا تقليل خطر الإصابة بالعدوى الفيروسية الحادة، والمضاعفات الناجمة عن الأمراض المزمنة غير المعدية من خلال أمر بسيط الا هو المشي يومياً. لن نقول فات الأوان فالجميع مدعوون حيث أننا جميعاً مستفيدون من رفع معدل ممارسة النشاط البدني خلال فترة تفشي الوباء.
ثالثاً: يتوقع مع استمرار الوباء ازدياداً بأعراض التوتر والإجهاد النفسي الناجمين عن المخاطر والتهديدات على صحة الأفراد، بالإضافة لفقدان الوظائف، وانخفاض الدخل، والعزلة الاجتماعية، لكن لحسن الحظ، فلا يخفى على أحد الفوائد الصحية والنفسية الناجمة عن ممارسة النشاط البدني، ولذلك تبرز الفرصة لتشجيع الناس على ممارسته، مما يساعد الكثيرين على التعامل مع التوتر المستمر والضغوطات، وتجنب اعتلال الصحة النفسية؛ فمن المؤكد أن الحصة الواحدة من النشاط البدني تقلل من أعراض الاكتئاب والقلق، لذا فإن النشاط اليومي يمكن لنا اعتباره بمثابة ترياقًا جزئيًا للضغوطات التي نتعرَّض لها جرَّاء الوباء، أما بالنسبة لأولئك الذين يشعرون فعلاً بالضيق والتوتر فإن النشاط البدني لديهم يوازي في فعاليته الأدوية والعلاج النفسي. يعتبر المشي النشاط البدني الأكثر شيوعًا بين الناس، وهو مجاني ومتاح للغالبية العظمى من أفراد المجتمع بكافة الأعمار، مشيرين هنا إلى أنه كذلك لا يخلّْ بنظام التباعد الاجتماعي المطلوب خلال هذه الفترة من انتشار الوباء.
رابعاً: إنَّ الضغوط النفسية التي يتعرَّض لها الجسم تؤدي إلى اختلال في التوازن الهرموني بين الكورتيزول وباقي الهرمونات الأخرى ممَّا يؤثر سلبًا على الجهاز المناعي ويزيد من خطر الحالات الالتهابية التي يتعرَّض لها. وبالتالي، فالإجهاد النفسي له تأثيراته على العمليات البيولوجية الأساسية لكوفيد19، ولكن من خلال ممارسة النشاط البدني يمكن استعادة توازن الكورتيزول الأمر الذي يفيد في زيادة المناعة ومواجهة الالتهاب؛ ولذلك يعتبر النشاط البدني أبرز الاستراتيجيات الفاعلية لتحقيق توازن الكورتيزول وعلاج الإجهاد النفسي وإدارة الضغوطات. ويجدر بنا الذكر أنَّ كبار السن الفئة الأكثر تضرراً من كوفيد 19 هم في الغالب لديهم خلل في إفراز الكورتيزول، وضعف في الجهاز المناعي، لذا ينصحون بشدة بممارسة النشاط البدني.
إجراءات ضرورية يجب اتخاذها لزيادة النشاط البدني خلال وباء فيروس كورونا
يعتبر التباعد الاجتماعي من أهم الإجراءات الموصي بها للحد من انتشار الفيروس التاجي، بالإضافة إلى الغسل المتكرر لليدين، وتجنُّب ملامسة الوجه. لكن لا ينبغي إغفال ممارسة النشاط البدني خلال هذا الوباء نظراً لفوائده المتعددة، مع قناعتنا بأن يكون النشاط البدني أحد التوصيات الرئيسية هذه الفترة.
معظم الناس يحتاجون لمعرفة الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها بأنفسهم وتساعدهم في الحد من خطر العدوى الشديدة، والتوتر جراء هذا الوباء؛ أظهرت نتائج المسح الصحي الوطني للأمراض غير المعدية أنّ 38.6 من السكان في سلطنة عمان لا يمارسون النشاط البدني بالحصة الزمنية المناسبة، وهذا يدل أنَّ غالبية أفراد المجتمع العماني عرضةً لخطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة نتيجةً للخمول البدني. نعتقد بأنه يتوجَّب القيام بتنفيذ بحوث ودراسات حول مدى تأثير النشاط البدني المنتظم على سير المرض وحدَّته عند الأشخاص المصابين بالفيروس التاجي؛ ومن بين الدراسات الهامة إجراء تقييم لممارسة النشاط البدني بالتزامن مع اختبار كوفيد 19، ثمَّ متابعة المرضى لتحديد علاقة النشاط البدني بانخفاض شدَّة العدوى وتعزيز البقاء على قيد الحياة. ولكن هذا لا يعني انتظار نتائج البحوث والدراسات وذلك لأن النشاط البدني هو بالفعل أحد التوصيات العالمية، ويوجد الكثير من الأدلَّة على أن ممارسة النشاط البدني يمكن أن تسهم في التخفيف من حدة مرض كوفيد 19، وتحسِّن نوعية الحياة قبل وبعد العدوى؛ وحالياً تبرز الحاجة الملحَّة لتنسيق الجهود بغية تنفيذ بعض التدخلات العديدة القائمة على الأدلَّة.
إنَّ ما ينشر من قصص في وسائل الإعلام، والمشاركات عبر الإنترنت من المواطنين، شجَّعت الناس على أن يكونوا نشطين خلال الأزمة الحالية. ومن حسن الحظ أنه يتم حتى الآن التشجيع على ممارسة الأنشطة البدنية كجزء من تعليمات البقاء في المنزل. لكن احتمالية تقليل شدة العدوى بكوفيد 19 من خلال النشاط البدني لم يتم شرحها؛ كما أن إغلاق الحدائق والمسارات والصالات الرياضية والشواطئ يزيد من صعوبة نشاط الأشخاص خلال هذه الفترة
إن ممارسة أي نوع من النشاط المعتدل والممتع سواءً داخل المنزل أو في الهواء الطلق يعد أمراًمفيداً للعقل والجسد على حد سواء؛ الأمر الذي نأمل من خلاله مساعدتنا لتجاوز هذا الوباء، مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من نوعية الحياة.
Authors
James F. Sallis (jsallis@health.ucsd.edu) is a health psychologist and Michael Pratt (mipratt@health.ucsd.edu) is a preventive medicine physician at University of California San Diego. Both have spent their careers researching physical activity and advocating for greater efforts to help people be active.
Translated to Arabic language by
Dr Huda Alsiyabi is a senior consultant in public health. Currently works as a Director of the department of community based initiatives at the Ministry of Health in Oman and She is the national focal point for physical activity and health.