الثقافي
طلال الرميضي: السلطنة أَثْرَت المكتبة العربية بما لم يستطعه الآخرون
مسقط – التكوين
لم يدُر بخُلده وهو يتكبَّد عناء البحث والانتقاء والتحقيق طيلة خمسة أعوام، كانت معبَّقة برائحة الحِبر، شَهِدت على سُهَاده فيها أوراق مخطوطات وجدران وأرفف مكتبات أفنى فيها نصف عقد من حياته، وهو ينسج ويُشيِّد لَبِنَات كتابه “الكويت والخليج العربي في السالنامة العثمانية” الواحدة تلو الأخرى، لم يدر بخلده حينها أنه يَصْنع الفارق في درب تاريخي قلَّ سالكوه، استتبع بالضرورة أن يعتلي منصة التتويج حاصلا على واحدة من أبرز الجوائز الإبداعية المشرِّفة في الخليج والمنطقة العربية ككل، جائزة الدولة التشجيعية (الكويت) كأفضل كاتب تاريخ في العام 2010.. إنه الباحث طلال الرميضي الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، الذي لا ينفك يؤكد على أن المشهد الثقافي الخليجي اليوم هو الأكثر بروزا واتزاناً في المنطقة، خصوصا مع ظهور الكثير من الأسماء اللامعة من أبناء الخليج الذين أثبتوا قدرتهم على خوض غمار التجربة وإثبات الذات.. “التكوين” التقت الرميضي، واختصَّها بالحوار التالي….،
◄ لا يُمكن البدء بالحوار دون إبداء الانبهار بهذا التعدُّد الإبداعي الذي تسجله من خلاله حضورك على الساحة الثقافية الكويتية خصوصا والعربية بوجه عام.. فهل لك أن تطلعنا على البدايات، وكيف كانت رحلة طلال الرميضي كباحث وأديب؟!
– في رأيي أن البدايات دوماً ما تتشابه؛ فقد كُنت نهم القراءة، ومُحب للكتاب، أيًّا ما كان جنسه الأدبي، فقد كنت أقرأ في مختلف الفنون والعلوم، سواءً في سنوات الدراسة، أو فيما بعدها، وأذكر أن نقطة التحول الحقيقية كانت وأنا على مقاعد الدراسة الجامعية، حينما أتيحت لي فرصة المشاركة ببعض المقالات والتحقيقات والأخبار الصحفية ضمن جهود ما كنا نطلق عليه “الصحافة الجامعية”، والتي أسهمت في تنمية موهبة الكتابة لديَّ، وفور تخرجي وجدت بعض الجوانب المهمة في تاريخ الكويت التي لم تطلها أقلام المؤرخين بالشكل المناسب رغم أهميتها، فقمت بالبحث عنها، والتنقيب بين الوثائق القديمة والروايات الشفهية حتى جمعت كمًّا من المعلومات القيمة، وأصدرتها في عدة كتب؛ ومنها مؤلفاتي: “إعلام الغوص عند العوازم خلال قرن”، وكتاب “الكويت والخليج العربي في السالنامة العثمانية”، و”شخصيات من تاريخ الكويت”، ولدي أيضاً باقة من المؤلفات المخطوطة التي أسأل الله أن يعينني على إخراجها في المستقبل القريب.
◄ ألمحت إلى أن نقطة التحول في حياة طلال الرميضي من مجرد قارئ إلى ضالع في مجال الكتابة التاريخية كانت في المرحلة الجامعية، فماذا إذن عن حصولك على جائزة الدولة التشجيعية كأفضل كاتب تاريخ في العام 2010 عن كتابك “الكويت والخليج العربي في السالنامة العثمانية”؟
– أحمل بين ضلوعي تقديرًا بالغاً ومختلفًا لهذا العمل على وجه التحديد، إذ جاءت الجائزة فعلا تتويجا لجهد كبير من البحث في المكتبات والأرشيفات العثمانية؛ بحثاً عن كتب السالنامات القديمة، وبالمناسبة السالنامة هي كلمة مكونة من مقطعين؛ “السال” هي السنة باللغة العثمانية، و”النامة” هي كُتب؛ أي الكتب السنوية، وهي مطبوعات كانت تصدرها الدولة العثمانية، وتتضمن أخبارا وبيانات وإحصائيات نادرة عن الدولة العثمانية والولايات التابعة لها، وقد قمت بجمع المعلومات القديمة عن الكويت والخليج العربي وترجمتها للغة العربية، مع تحقيق النصوص القيمة، واستغرق العمل على الكتاب ما يقارب خمس سنوات من البحث والدراسة؛ لذلك كان صدور الكتاب وحفاوة استقباله من القراء والمثقفين كبيرة ولله الحمد، وتناولت الصحافة هذا الكتاب بشيء من العناية والاهتمام، وفاز أيضا بعدة جوائز؛ منها: جائزة الدولة التشجيعية لأفضل كتاب تاريخي للعام 2010م من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، وجائزة الإبداع الثقافي للعام 2013 من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (إليسكو).
◄ كباحث له صولات في التاريخ، ومن قبل ذلك مواطن كويتي، كيف ترى المشهد الثقافي الخليجي عمومًا، والكويتي على وجه الدقة؟!
– سأبدأ بالخاص أولا ثم أتجه للتعميم، دعني أخبرك أمراً بأنَّ المشهد الثقافي الأدبي في الكويت متذبذب على غرار ظروفه السياسية؛ ففي حين نجد بعض المشاريع الثقافية الهادفة والناجحة على أرض الواقع، نجد بالمقابل العديد من التخبطات في العمل الثقافي باسم الأدب، ولكن الواقع الآن أفضل من الفترة الماضية، ونحن نتفاءل بالمستقبل مع ظهور أقلام أدبية واعدة في الكويت لها أعمال مميزة حازت العديد من الجوائز. أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك، فأصدُقك القول بأنَّ هناك الكثير من الرواج والمشاريع الثقافية في الخليج برزت في السنوات الأخيرة؛ لعل أبرزها: مسابقة كتارة للرواية، وجائزة البوكر، وجوائز مؤسسة الكويت للتقدم العلمي…وغيرها؛ وهي بكل تأكيد جعلت المشهد الثقافي الخليجي أكثر بروزاً، خصوصا مع ظهور الكثير من الأسماء اللامعة من أبناء الخليج والتي أثبتت قدرتها على خوض غمار التجربة وإثبات نفسها، وهو ما يدعني أقول وبكل ثقة أن منطقة الخليج باتت تتصدر الحركة الثقافية العربية، ولهذا دلالاته العملية؛ منها: فوز الشاعر الإماراتي الكبير حبيب الصايغ برئاسة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في العام الماضي، وكذا السلطنة تشهد الكثير من الفعاليات الأدبية المميزة وطباعة الكثير من المطبوعات الأجنبية التي تعتبر إضافة قيمة المكتبة العربية، إضافة بروز أدباء حقيقيين من عمان تميزوا في الشعر والقصة والرواية والمسرح.
◄ روابط الأدباء لها نجمُها في دول، وفي دول أخرى تخبو شعلتها، في رأيك أين تضع رابطة الأدباء الكويتيين؟!
– لرابطة الأدباء الكويتيين دور كبير في الحراك الثقافي الكويتي؛ فمنذ تأسست عام 1964م وقدمت الكثير من الفعاليات الأدبية لأسماء كبيرة خلال أكثر من نصف قرن من العطاء، وعملت على تقديم الكثير من الأسماء الأدبية ودعمها من خلال أنشطتها الكثيرة ونحن في هذا المجلس استمرار لهذه الجهود النيرة، ونقدم الكثير من الأنشطة للمواهب الأدبية؛ بهدف صقلها بالشكل المناسب ونقيم الكثير من الدورات الأدبية المجانية للشباب عبر أكاديمية الأدب، كذلك لدينا منتدى المبدعين الجدد والذي تعقد جلساته أسبوعيا مساء يوم الإثنين في الرابطة، وهو ملتقى شباب لمن لديهم مواهب أدبية، وقد تأسس عام 2001، ويحظى بدعم كريم من الشيخة باسمة المبارك الصباح، وقد سبق ونظمنا زيارة لمسقط مع وفد من منتدى المبدعين، وتم إقامة أمسية شعرية وسردية بالتعاون مع الجمعية العمانية للأدباء عام 2011، وكانت من أروع الأمسيات الثقافية.
◄ تسليم الراية للأجيال الجديدة عُرف في التاريخ الإنساني، فكيف ترى جيل الشباب العربي القادم، وهل لديه القدرة على حمل الراية فعلا؟!
– أنا دائما ما أختلف مع العديد من الكتاب؛ فأنا أرى أن الجيل الجديد واعد بشكل لافت، سيما مع بروز أسماء مميزة منه نالت الإعجاب والثناء؛ وعلى سبيل الذكر مثلا: الروائية حياة الياقوت، والكاتب سعود السنعوسي، والشاعر سالم الرميضي، والأديبة بثينة العيسى، والأديب محمد البغيلي، والشاعر عبدالله الفيلكاوي…وغيرهم من المثقفين والأدباء الشباب الذين قدموا نصوصاً رائعاً ونتأمل المزيد منهم، كما نأمل من الجهات ذات الاختصاص إيلاءهم عين الاهتمام والمزيد من الرعاية.
تم نشر هذا الحوار في العدد (27) من مجلة التكوين …