الثقافي
مختصون: ثقافة الطفل في عمان بحاجة إلى إدارة الموارد وتوحيد الجهود .. وعدم المحاباة!
تمثل ثقافة الطفل إحدى المرتكزات الرئيسة في الاستراتيجيات والخطط الثقافية لكل الدول والمجتمعات، نظرا للأهمية البالغة التي تمثلها شريحة الأطفال لمستقبل الأوطان، انطلاقا من قاعدة أن أطفال اليوم هم قادة المستقبل. لذا فإن الأمم تولي الأهمية القصوى لهذا الأمر من أجل الحفاظ على الأجيال الصاعدة وبنائها معرفيا وعلميا وروحيا وأخلاقيا، بغية إعدادها الإعداد السليم لحمل المسؤولية في البناء والتعمير.
في هذا الاستطلاع تفتح “التكوين” ملف ثقافة الطفل في السلطنة، تلقي الضوء على واقعه، وتستشرف آفاقه المستقبلية، مع الجهات المعنية وعدد من المختصين والمهتمين في هذا المجال.
استطلاع: التكوين
قسم ثقافة الطفل
في البدء يحدثنا يوسف بن إبراهيم بن عبدالله البلوشي، مدير عام المديرية العام للآداب بوزارة التراث والثقافة، مدير معرض مسقط الدولي للكتاب، مبينا الدور الذي تضطلع به وزارة التراث والثقافة، إلى جانب برامج ثقافة الطفل ضمن خارطة مناشط معرض مسقط الدولي للكتاب، فيقول: هناك قسم لثقافة الطفل ويتبع دائرة الأنشطة الأدبية بالمديرية العامة للآداب، وقد تم استحداث هذا القسم في هيكل الوزارة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 40 / 2016م. وقد أتى إنشاء هذا القسم لاستكمال دور الوزارة في أهمية الاعتناء بثقافة الطفل بمختلف مساراتها الثقافية والعلمية، ولينسجم كذلك مع باقي قطاعات الوزارة التي تعُنى بالطفل كمتحف الطفل والنادي العلمي، وترسيخا لمبدأ أن بناء الإنسان ثقافيا يبدأ منذ الطفولة.
ومن يتتبع المسابقة القصصية الأخيرة “بيننا كورونا” لفئة البراعم والناشئة وكذلك الكبار يدرك مدى التفاعل الكبير في المشاركة، وتحديدا من قبل الأطفال، إذ بلغ عدد مشاركاتهم إلى ما يقارب 300 نصا قصصيا، وهو مؤشر نحاول من خلاله إلى المضي في خلق برامج وفعاليات ثقافية تلائم الطفل ومتطلباته المستقبلية.
واستمرارا لهذا النهج هناك كذلك مجموعة من الإصدارات الموجهة للأطفال تم طباعتها من قبل الوزارة وكان آخرها المجموعة القصصية “أحلام سمسمة” وهي قصص خاصة بالأطفال للقاصة عائشة الحارثية.
النادي العلمي
ويضيف يوسف البلوشي أنه إذا كان قسم ثقافة الطفل يعنى بالأنشطة الإبداعية بغية إبراز المواهب الأدبية لدى الأطفال، فالنادي العلمي، وهو كذلك أحد الأقسام التابعة للمديرية ، يمثل مركزا علميا وثقافيا يقدم العديد من الخدمات التي تستقطب فئات عمرية مختلفة، و تتوفر فيه الإمكانات المناسبة للقيام بالأنشطة والبرامج العلمية المختلفة، بغية تحسين مستوى فهم مبادئ العلوم عبر التجربة والتطبيق والتفاعل المباشر لدى الصغار. ولهذا النادي دور فاعل في تطوير المواهب وتنمية القدرات وتأسيس الذهنية العلمية من خلال إقامته للعديد من الورش العلمية في مجالات الكهرباء والالكترونيات والميكانيكا والفلك وعلوم البيئة، إضافة إلى الرحلات العلمية. وتنطلق هذه البرامج من خلال التركيز على ثلاث محاور أساسية تتمثل في:
العمل على نشر الثقافة العلمية في المجتمع.
العمل على اكتشاف المبدعيين الصغار في مجال العلوم ورعايتهم.
العمل على المساهمة في تطوير العلوم والتكنولوجيا.
متحف الطفل
ويستطرد مدير عام المديرية العام للآداب موضحا أن هذا الدور كذلك ينسجم مع أدوار متحف الطفل وهو أحد مؤسسات الوزارة التي تعنى بتبسيط العلوم والتكنولوجيا. يحوي المتحف معروضات علمية في مجالات مختلفة كالكيمياء والفيزياء والأحياء والهندسة والفلك وغيرها من المجالات، يستطيع الزائر من خلالها معرفة الكثير من المعلومات والنظريات العلمية في جو من التسلية، حيث يستطيع لمس وتشغيل تلك الأجهزة.
ويهدف المتحف إلى تنمية حب الاستكشاف والمعرفة لدى الزوار ودفعهم لمحاولة فهم ما يحيط بهم لجعلهم يفهمون المادة العلمية بطريقة مختلفة تساعدهم في تفتيح مداركهم، فالزائر ومن خلال تفاعله مع بيئة المتحف يمكن أن يتعلم مفاهيم جديدة ومتنوعة بقدر تنوع محتويات المتحف.
ولتفعيل وتجديد بيئة المتحف ومواكبة التطور في مجالات العلوم المختلفة ولجعل العملية التعليمية أكثر فاعلية يسعى المتحف في خططه السنوية لاستقطاب الكثير من الفعاليات والأنشطة المختلفة والتي تستهدف زوار المتحف لتحقيق رسالة المتحف السامية كونه احدى الوسائل المعنية بالثقافة والعلوم، تتحقق تلك الأنشطة بالتعاون مع عدة مؤسسات حكومية وخاصة وفرق تطوعية معنية بالطفل.
ويسعى القائمون على المتحف إلى تكثيف المناشط في فترة الإجازة الصيفية لاستقطاب الطلبة لتحقيق الإستفادة من أوقات الفراغ بعيدا عن وسائل الترفيه الإلكترونية التي انعكست سلبا على أوقاتهم وصحتهم.
وتتنوع مناشط المتحف وبرامجه التعليمية لتشمل ورشا علمية متخصصة في مجالات الثورة الصناعية الرابعة وأخرى في تنمية الذات وبناء القدرات وتنمية المهارات لتفجير الطاقات الإبداعية لدى الأطفال.
ركن الطفل
وبالنسبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب يوضح يوسف البلوشي أن اللجنة الرئيسية للمعرض تسعى إلى تنشيط الفعاليات والبرامج والورش الموجهة للطفل من خلال تخصيص ركن خاص للطفل لتلبية حاجات الأطفال العلمية والمعرفية والترفيهية وتعزيز الأنشطة والقدرات العلمية والابتكارات لديهم سعيا في ذلك نحو تطوير أحاسيس الأطفال وقدراتهم الذهنية وتنمية روح حب الاطلاع لديهم إضافة إلى نشر أهمية القراءة في حياة الطفل والتشجيع عليها والتعريف بالطرق التي يمكن استخدامها لتحبيب الطفل في القراءة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي ولتحقيق تلك الأهداف تم تخصيص خمسة أركان تنبثق من خلال ركن الطفل هي “ركن مسرح الطفل” و”ركن دار الفنون” و”ركن العلوم والفضاء” و”ركن كتابي حياتي” و”ركن إبداع تخطي حدود الإعاقة”. وقد تضمنت هذه الأركان في دورة المعرض الأخيرة أكثر من 137 نشاط وفعالية متنوعة للأطفال استقطبت العديد من المشاركين سواء بالحضور أو من خلال المشاركة في الفعاليات. إضافة إلى ذلك هناك ندوة متخصصة عن الطفل هي “أطفالنا وإعلام المستقبل” وتستقطب العديد من الباحثين والمتخصصين في ثقافة الطفل، وقد استمر إقامة هذه الندوة في دورات المعرض الأخيرة، وانبثقت منها عدة توصيات تتعلق بالطفل وأهمية الاعتناء بمواهبه وتوفير متطلباته بما يتناسب مع فئاته المختلفة.
ويختتم مدير عام المديرية العام للآداب حديثه مؤكدا: ندرك جميعا بأن الثقافة عموما التي تقدم للأطفال هي مسؤولية مجتمعية كذلك ، ومن المناسب هنا الإشارة إلى موضوع المكتبات الأهلية و المبادرات الثقافية المجتمعية التي تشرف عليها الوزارة وإسهاماتها تجاه المجتمع بشكل خاص والطفل بشكل عام ولعل مبادرة القرية القارئة هي أحد النماذج المتخصصة في تأصيل حب الكتابة والقراءة لدى الأطفال ولعل فوزها في الدورة (24) لـمعرض مسقط الدولي للكتاب بأفضل مبادرة ثقافية يمثل نجاحا لدور المبادرات الثقافية في المجتمع كما أنه هناك العديد من المكتبات الأهلية التي سعت إلى تخصيص أقسم خاصة بالطفل مثل مكتبة الندوة التي خصصت مرفق خاص للطفل وتقدم فيه مواد ثقافية مسموعة ومقروءة وهناك كذلك مكتبة الأطفال العامة التي تشرف عليها الوزارة كأحد المكتبات المتخصصة للطفل وثقافته.
إدارة الموارد
من جهتها تقول الدكتورة فاطمة أنور اللواتي: الحديث عن واقع ثقافة الطفل في السلطنة هو حديث ذو شقين. الشق الأول يتعلق بالإمكانات المتوفرة من حيث الموارد وتوفرها والبرامج والفعاليات التي تقدم من أجل الطفل من أجل النمو بثقافة الطفل في السلطنة. والشق الثاني يتعلق بإدارة العملية برمتها وبالأخص إدارة الموارد البشرية المتعلقة بمجال ثقافة الطفل.
بالنسبة للشق الأول، فبالرغم من أن البعض يرى بأنه غير كاف، إلا أنني أرى أن ما يطرح من حيث الكم جيد وأن الأموال التي يتم صرفها متناسبة إلى حد ما مع ما يتم طرحه، وإن كنا نطمح نحو المزيد للنهوض بأدب الطفل نحو الأفضل. مشكلتنا تقع في الشق الثاني وهو عملية إدارة هذه الموارد. فحتى الآن لم نستطع أن نقدم أية نتائج مثمرة ومتوازية مع الإمكانات العديدة المتوفرة. فمن أجل أن يكون لدينا أدب طفل حقيقي أو ثقافة الطفل مزدهراً فإننا بحاجة إلى تفعيل هذين العاملين بشكل متناسق ووفق رؤية واستراتيجية مدروستين.
وتضيف الدكتور فاطمة أنور اللواتي أن كل ما نراه اليوم -بكل أسف- من مؤتمرات وندوات وغيرها من الفعاليات هنا وهناك سواء كانت مسموعة أو مكتوبة لا تطرح وفق رؤية واستراتيجية، ولا نرى أنها تتجه نحو تحقيق هدف محدد.
قبل عدة سنوات وفي إحدى المقابلات قلت: إن أدب الطفل في السلطنة لا زال يحبو. ومع الأسف أجد أن هذه المقولة فيها الكثير من الأمل لأن الواقع يقول إن أدب الطفل في عمان للاستهلاك الإعلامي أكثر منه من أن يكون أدبا واقعيا يقدم شيئا مفيدا للطفولة. إنه عمل خال من أية رؤى وأفكار اللتين نتمنى أن نجدها في مجال أدب الطفل.
تكرار وتلميع للأسماء
وترى الدكتورة فاطمة أنور أن القصور الواقع في مجال ثقافة الطفل في السلطنة يمكن يحصره في النقاط التالية:
أولا: عدم وجود رؤية أو استراتيجية للنهوض بأدب الطفل وتكوين أفراد لديهم إمكانات قادرة على المساهمة والعطاء بشكل جيد وعلى مستوى يتناسب مع التطورات العالمية في هذا المجال.
ثانيا: عدم وجود كفاءات عمانية قديرة ومتمكنة ويعود سبب ذلك إلى قصور في رؤية المتولين لهذا الملف. فما نجده لا يتعدى عملية تدوير أسماء محددة سواء كانت عمانية أو وافدة. ففي كل سنة نجد نفس الأسماء تحضر إلى معرض الكتاب وتشارك في فعاليات المعرض، ونفس الأسماء يتم تلميعها ونفس الأسماء يتم تسليط الضوء عليها وتكريمها ولا شيء جديد!
ثالثا: إن الاقتصار على عملية تدوير الأسماء -لأي هدف كان- سواء على مستوى معرض الكتاب والفعاليات المصاحبة له وغيرها من المؤتمرات والفعاليات أدت إلى عدم تجدد الفكر. فحينما تكون نفس الأسماء في كل مكان والتي لا تملك الرصيد الأدبي أو العلمي المنشودين ولا تملك الذائقة الأدبية الكافية لتقديم ما يجب تقديمه في مجال ثقافة الطفل، فإن ذلك يؤدي إلى انكفاء العمل وتتبدد جميع الطاقات والقدرات فنصبح في وضع يمكن أن يقال عنه أو له: “مكانك سر!”
رابعا: ليس هناك تقييم واقعي لقدرة تلك الأسماء أو إمكاناتها لاتخاذه كمعيار لمعرفة إمكانيات الشخص الواقعية سواء في الكتابة للطفل أو في إدارة برامج الأطفال أو في القدرة على العطاء المثمر وغيرها. إننا بحاجة إلى أن نسلط الضوء على الأعمال الحقيقية والناجحة وفق معايير ثقافة الطفل، ولا يكون الشخص هو معيار جودة العمل. لا بد أن يكون لدينا (معيار محدد Benchmark) لكل ما تقدم من أعمال وكيف يقدم. وينبغي قياس قدرات هذا الاسم أو ذاك قبل
إسناد أية مهمة له. من تجربتي كناقدة في مجال أدب الطفل، هناك العديد من الأسماء اللامعة في مجال أدب الطفل لم تصمد – بكل أسف – أمام التقييم.
لهذا لابد لنا من تغيير هذه السياسة القائمة على تدوير نفس الأسماء لاعتبارات غير الكفاءة وأيضا عدم استخدام أدب الطفل من أجل الإعلام الحكومي وعدم حصره ضمن المؤسسات بعينها وعدم اختصاره في أسماء محددة فقط!
توحيد الجهود
أما الدكتورة وفاء الشامسي فتبدأ حديثها حول وجود المؤسسات المعنية بثقافة الطفل ودورها في هذا الجانب موضحة أنه لأن الوعي بالطفولة وأهمية الاهتمام المبكر بها أصبح حاضرًا بقوة في مجتمعاتنا العربية، ولأن ذلك أوجد نوعًا من التنافس في استحداث بيئات، وتفعيل مؤسسات معنية بالطفل وبثقافته، ونظرًا لازدياد حركة الكتابة والتأليف في مجال أدب الطفل فقد بدأنا نشهد وجود مؤسسات معنية بهذه الثقافة، إضافة إلى تخصيص بعض المؤسسات مساحة من الاشتغال على تعزيز هذه الثقافة سواء من الناحيتين الأدبية والبحثية ورفد مكتبة الطفل العربي بمؤلفات ودراسات وأبحاث مرتبطة به، أو من الناحية التدريبية التي تُعنى بتقديم الجلسات والورش والبرامج المختلفة التي تستهدف الطفل وولي الأمر والمربين والمهتمين.
وتضيف الدكتورة وفاء الشامسي موضحة: لا أريد القول بأننا بحاجة إلى مزيد من المؤسسات، ولكني أريد أن أشير إلى ضرورة وجود مساحات تتقاطع فيها هذه المؤسسات لتوحيد الجهود ولم شتات ما يقدّم في سبيل تعزيز هذه الثقافة وتمكينها في المجتمع، إذ أن الجميع مسؤول عن إيجاد البيئة المناسبة والخصبة التي تكفل لهذا الطفل نموًا إيجابيا وصحيًا ومتكاملا من جميع النواحي المرتبطة به، وقد أذكر على سبيل المثال ما تقوم به وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة التربية من أدوار ملموسة، أضف إليها أدوار وزارة الصحة والشؤون الرياضية والفنون، أضف إلى ذلك ما تقدّمه بعض المؤسسات كمكتبة الأطفال العامة والجمعية العمانية للكتاب والأدباء والنادي الثقافي في هذا الصدد. بالتأكيد هناك مؤسسات أخرى بدأت تعي أهمية شريحة الأطفال في المجتمع وبدأت تتوجه لهم، ولكني أؤكد على ضرورة الدمج والتنسيق بين هذه الأنشطة المتنوعة، للحفاظ على جودتها واستمراريتها وعدم تشتت جهودها.
البرامج الافتراضية
وفيما يتعلق برؤيتها لواقع مناشط الطفل، من محاضرات وفعاليات وورش عمل، قالت الدكتورة وفاء الشامسي: في الفترة الأخيرة من ظروف العزلة الاجتماعية التي فرضت لأجل الصالح العام، ولتوافر منصات التفاعل الاجتماعي التي سهّلت استخدامها كمنصات تدريبية، ظهر على السطح الكثير من الأنشطة والبرامج الموجّهة للطفل، و في أثناء استعراضي لهذه الأنشطة أجد أن بعضها يفتقر لمهارات التعامل مع الطفل، أو مع ولي الأمر من خلال هشاشة ما يُقدّم، وقد يكون المعروض مواد مستهلكة لا جديد فيها، وأيضا لا قيمة تربوية تُضاف إليها.
إن صياغة البرامج التدريبية الافتراضية يحتاج إلى مهارات محددة، ودربة فنية وتربوية تمكّن صاحبها من تقديم ما يهمّ الطفل ويساهم حقًا في بناء جانب محدد من جوانبه المهارية أو الوجدانية أو المعرفية. والحقيقة إن ما كنا نجده من مناشط على أرض الواقع لا هدف منها غير شغل الطفل وإلهائه دون أي فائدة تذكر صرنا نراه يُعرض أيضا في هذه المنصات.
لا أقول بأن الطفل ليس من حقه الاستمتاع، ولكن حتى هذه المهارة تحتاج إلى آليات مقننة لتقديمها للطفل ولتعليمه كيفية الاستمتاع بما حوله، والإنصات إلى معطياته الوجدانية والمساهمة في تنميتها وصقلها.
وتؤكد الدكتورة وفاء الشامسي أن البرنامج الذي لا يتفهّم طبيعة الطفل، ويقوم عليه شخص واعٍ قادر على تصميم هذا البرنامج، وتقديمه للطفل بما يضمن رفد ثقافته بالجديد والمفيد والمتع، وتتبع أثر هذا البرنامج عليه، إذن فالأولى ألا نضع الطفل أمامه، لأن الاستخفاف بقدرات الطفل وإمكانياته لا تولّد إلا أطفالاً بمعرفة ضحلة، وبإمكانيات هشّة لا تعزز لديهم مهارات القرن 21 التي يسعى العالم أجمع لتعزيزها لدى الأجيال الحالية والقادمة.
الكتابة للطفل
وعن تقييمها لما يكتب وينشر للأطفال قالت وفاء الشامسي: بدا جليّا توسّع حركة التأليف والكتابة للطفل سواء على المستوى المحلي، أو المستوى الإقليمي، ونجد من خلال استعراضنا لما يكتب للطفل اختلاف المستويات، وهذا بطبيعة الحال يعود إلى ثقافة القارئ ومدى وعيه بصلاحية المقروء للطفل من عدمها، إضافة إلى تمكّن الكاتب من مفاتيح هذا النوع من الكتابة.
وأضافت: الكتابة للطفل هي مزيج من المعرفة والمتعة والتشويق والفائدة، وهذا الخليط يتفاوت في طريقة استقباله من طفل لآخر نظرًا لأن تركيبة كل طفل، والظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تحيط به تتفاوت من بيت لآخر، وهذا ما يجعل كل طفل حالة خاصة. والكاتب الواعي يدرك كيف يختار فكرته، وكيف يعالجها بطريقة مطاطية تضمن وصولها لأكبر شريحة من الأطفال، وهو أيضًا قادر بذكائه ككاتب أن يمزج الأحداث ليخرج بقصّة غنية بالتشويق، والطرافة، وفيها المتعة والفائدة.
وتواصل الدكتورة وفاء الشامسي حديثها قائلة: يؤسفني وأنا أستعرض ما يُتاح لي مما كتب للطفل أن أجد ما لا يصلح له، وهذا يعود لأسباب منها عدم تمكّن الكاتب من فنيات الكتابة للطفل، أو أن دار النشر لا تعتني بالمحتوى بقدر عنايتها بالفائدة الربحية من وراء التسويق، وهناك أسباب تعود لأولياء الأمور والمربين أيضا، على سبيل المثل فإن ولي الأمر يبحث في معرض الكتاب عن سلسلة قصصية ذات ثمن زهيد ليشتريها لطفله، والغالبية يتوجه إلى السلاسل التي تكتب بطريقة مباشرة تعتمد النصح والتوجيه، وهذا الطرح الكلاسيكي أصبح الطفل ينفر منه فلا نجده قارئًا، وهي تعتبر ردة فعل عكسية لما يمارسه المربّون من ضغوطات على أطفالهم.
يمكنني القول بإن الكتابة للطفل تحتاج للعناية سواء بالفكرة، أو بطريقة المعالجة للحدث وللحبكة، أو باختيار الشخصيات، والكاتب الواعي يتمهّل في كل خطوة يخطوها، ولا يستعجل لأجل النشر وزيادة عدد مؤلفاته، فنحن لا نريد أن نضع أطفالنا أمام مؤلفات مشوّهة، لا ترقى بمعارفهم وبذائقتهم الأدبية، ولا تقدّم لهم المتعة والتشويق التي يبحثون عنها.
تعزيز الجهود
ويشاركنا في هذا الاستطلاع أيضا محمد عبده الزغير محمد، خبير شؤون الطفولة، بوزارة التنمية الاجتماعية الذي بدأ حديثه قائلا: انطلاقا من تعريف ثقافة الطفل، يمكنني القول بأن هناك وجودا وظيفيا لعدد من المؤسسات التي تعنى ببعض مجالات ثقافة الطفل في السلطنة، إلا أن جهود المؤسسات الثقافية المعنية بذلك بحاجة الى تعزيز.
ويضيف محمد عبده الزعير مبينا أن حال بعض البرامج والمشروعات والأنشطة المعنية بالطفل في السلطنة، لم يتختلف عن الحال في عديد من الدول العربية، التي تركزت في التظاهرات الكبرى مثل عقد المؤتمرات والمهرجانات وغيرها من الفعاليات التي ارتبطت بظاهرة عززتها المنظمات الدولية في انشطتها، ورجعت صداها منظمات إقليمية إسلامية وعربية وخليجية، ونفذتها على المستوى الوطني في عدد من الدول العربية، مؤسسات ومجالس ومراكز معنية بالطفل، بما في ذلك عديد من الجامعات، بدواعي نشر الوعي والتثقيف لموضوعات محددة.
فالمراقب لتلك البرامج والأنشطة خلال العقود الماضية، يلاحظ ان هناك سلسلة من المؤتمرات عقدت حول حقوق وقضايا الطفل العربي، بينما غابت عن ذلك أو تأخرت عملية اعداد الاستراتيجيات والخطط والبرامج الواقعية، وتعزيز البنية التحتية للمرافق الخاصة بتنمية حقوق الطفل.
ويرى الزغير أن موضوع الكتابة والتأليف للطفل يرتبط بمجال خاص هو أدب الطفل ومفهومه، ومجال آخر هو الكتابة للطفل وفن وتقنية الكتابة له (الكتاب العلمي والمعلوماتي والخ). والمجالان يرتبطان بسؤال هو ما حدود التربوي والنفسي والمعلوماتي المقدم في المكتوب للأطفال. وأضافت اليوم التطورات التكنولوجية والاتصالية والمعلوماتية، تحديات كبرى بشأن الكتابة للأطفال. وهذا يتطلب بذل جهود مؤسسية للجهات المعنية بأدب وثقافة الأطفال في السلطنة.
مقترحات تطوير العمل
ويطرح الخبير محمد عبده الزغير بعض المقترحات لتطوير العمل في مجال ثقافة الطفل تتمثل في تكامل جهود المؤسسات التربوية وأجهزة الثقافة ووسائل الاعلام وغيرها من الجهات المعنية بالطفل، بشأن ما يقدم من برامج ومشروعات وأدبيات لصالح ثقافة الطفل، مع إعطاء دور أكبر لوزارة التراث والثقافة في الإشراف على الخطط والبرامج الموجهة لثقافة الطفل، وتعزيز دور الهيئات والوحدات الإدارية الخاصة بثقافة الطفل، وتأهيل الكوادر والعاملين فيها. وقد يكون مفيدا التفكير بإنشاء مجلس (أعلى) تنسيقي لثقافة الطفل في هذه الوزارة، يضم ممثلين عن الوزارات والجهات ذات العلاقة، بما في ذلك الجامعات وشخصيات أدبية وفنية معنية بالعمل في مجالات ثقافة الطفل. ومناقشة إنشاء مركز لثقافة الطفل يتبع الوزارة.
الدعم والمتابعة
أما الكاتبة أزهار أحمد فترى من جانبها أن أكثر ما نحتاجه في الوقت الحالي مؤسسات ثقافية تعنى بمتابعة ثقافة الطفل من حيث المحتوى، والإصدارات الأدبية والالكترونية والفنية وأيضا الاعتناء بالكاتب والشاعر والرسام عبر المهرجانات والمنصات والمسابقات الثقافية والأدبية والفنية. فوجود مؤسسات تضم كل المناشط الخاصة بثقافة الطفل ستدعم جهود المبدعين وتخلق بينهم جوا تنافسيا إبداعيا، ستكون نتيجته لصالح الطفل بشكل عام. الكاتب العماني يسعى بمفرده والرسام يسعى بمفرده والممثل بمفرده، وكذلك المهتم بأدب الطفل يعمل جهده لكي يوفر بيئة ثقافية تزخر بإبداعات من شأنها أن تؤثر إيجابيا في شخصية الطفل، حتى بعض المكتبات والمراكز الثقافية بحاجة مؤسسات داعمة باستمرار لا تقتصر على مواسم بعينها. فالتنوع والزخم الذي نراه وخاصة في الصيف من مراكز ومكتبات عبر المحاضرات والورش المتخصصة في الرسم والتصميم والتشكيل والإخراج وكتابة القصة وكذلك الورش العلمية له حضوره ولكن الدعم والمتابعة سيوسعان من آفاق هذه المؤسسات.
الإعلام .. مسؤولية مباشرة
أما بالنسبة للإعلام المحلي فترى أزهار أحمد أنه مسؤول بشكل مباشر عن تنوير المشهد العماني بجميع الإنتاجات التي تسعى لتنمية ثقافة الطفل فكريا وأدبيا وعلميا. فمتابعة كاتب أو رسام أو كتاب أو مبتكر أو باحث أو مصمم جرافيكي والتعريف به ورصد الإقبال عليه سيؤثر بشكل إيجابي على تنشيط ثقافة الطفل في عمان وسيوفر له فرصا جيدة للعمل مع خبراء وفي ظل ظروف تمنحه القدرة على تقديم أفضل ما لديه. ومن هذا الجانب أيضا لا بد أن يكون هناك برامج تلفزيونية وإذاعية قادرة على الاقتراب من عقلية الطفل وإعطائه مساحة أكبر من الحرية لأن تأثير الإعلام في صنع الشخصيات والتأثير عليها يشكل محورا أساسيا في النمو الفكري. وحقيقة أن النتاج العماني الحالي والذي له صلة مباشرة بثقافة الطفل سواء من حيث ظهور العديد من الكتاب والرسامين والمصممين الشباب المتخصصين وكذلك حصول العديد منهم على جوائز عربية وخليجية في هذا المجال دليل على أن عمان تزخر بمبدعين لهم حضور واضح، وكل ما يحتاجون إليه هو أن تمد لهم اليد التي تساعدهم على شق طريقهم بسهولة وبالتالي إنتاج إبداعي أكثر.