العام

قصة الشاب (س . ع) .. وانتصار الإرادة

د. حمد بن ناصر السناوي 

استشاري أول الطب السلوكي    

لم يكن المريض الذي حجز موعد الاستشارة جالسا أمامي كعادته، فقد فرضت علينا الجائحة التباعد الجسدي فلزم كل منا بيته، وحلت  العيادة الافتراضية عبر الموقع الإلكتروني بديلا عمليا ينقل الصوت والصورة . (س . ع) شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، متفوق في عمله  رغم القلق المزمن الذي يعاني منه والتحديات المختلفه التي مر بها في حياته الأسرية والعلمية. أخبرني أنه منذ بداية الجائحة زادت حدة القلق لديه، خاصة مع التحذيرات من خطورة الفايروس وسرعة انتشاره. كانت الأخبار التي يقرأها عن مختلف دول العالم تسبب له المزيد من التوتر، إلا أنه ومع مرور الوقت تعلم كيف يتعامل من القلق تدريجا، بداية من التقليل من متابعة الأخبار، مرورا بملء الوقت بأشياء مفيدة تشعره بالسعادة والاسترخاء. 

لم يكن (س .ع) هذا الشخص الوحيد الذي تمكن من التعايش مع الجائحة، فالكثير منا حصل على مساحة من الوقت للتفكر في حياته ومراجعة حساباته. يقول أحد الزملاء “منحني البقاء في المنزل فرصة أكبر للحوار مع أبنائي والتعرف على همومهم الدراسية عن قرب،  بعد أن كان كل منهم يعود من كليتة أو جامعتة في المساء قبل الجائحة “، وقال زميل آخر، “تعلمنا من الجائحة الاستغناء عن العديد من الكماليات مثل شرب القهوة في المقاهي المشهورة بأسعار مبالغ فيها وتناول الأطعمة السريعة غير الصحية واستبدالها بالطعام المعد في المنزل”. 

ولا ننسَ المعاهد العلمية المختلفة التي فتحت المجال للتعلم عن بعد عبر توفير برامج مجانية أو برسوم مخفضة في مختلف المجالات لتتحول الإنترنت بين ليلة وضحاها الى جامعات وكليات توفر الدروس الافتراضية لطلابها وغيرهم ممن أراد أن ينهل من ينابيع المعرفه. وعلى الصعيد الديني انطلق الدعاة والمشايخ في تقديم الدروس الفقهية بشكل يومي خلال شهر رمضان المبارك عبر برامج الإنترنت المختلفة تبث عرضا مرئيا مباشرا يرسل إلى هواتف المشتركين، حتى وإن كانت الجائحة قد حرمتنا من صلاة التراويح، فقد عوضتنا التكنولوجيا الحديثة بهذه الدروس الافتراضية. 

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها نظريات مختلفة عن إعادة هيكلة النظام العالمي بعد الجائحة من المتوقع أن يشهد تغيرات عديده في مختلف مجالات الحياة. لكن ما هي التغيرات المتوقع حدوثها على مستوى الأفراد؟ هل سنصبح أكثر عملية ونتحرر من مظاهر الترف والبذخ؟ خاصة وأن الأزمة الاقتصادية المصاحبة للجائحة ستحتم علينا ذلك؟. وهل سنستثمر أكثر في الثروات الوطنية وعلى رأسها الموارد البشرية من أصحاب التخصصات والخبرات؟

 وأخيرا، لنتذكر أننا بالإرادة والتصميم والثبات نستطيع أن نجتاز هذه الأزمة ونخطو نحو المستقبل بخطى واثقة و ثابته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق