مقالات

لماذا نحب الكويت.. وصباحها؟

محمد بن سيف الرحبي

وحده الحب الذي لا يحتاج إلى تبرير، لكن يمكن التعبير عنه.. بما يشبه فعل الحب ذاته..‏
ووحدها الكويت يمكنني التعبير عن حبّها دون إحساس بالحرج، فثمة بلدان إن مدحتها فأنت ‏متهم في ذمتك المالية على الأقل.. أو المبالغة في الاختلاف عن آخرين، يبتعدون عنك أميالا ‏عمّا ترى.‏
الكويت السبّاقة إلى المحبة، الممدوة يدها بالعطاء والإبداع والجمال، وقد أحزننا فراق ‏صباحها، كما أحزن أبناؤها الباكين على فقد أبيهم، أمير الإنسانية، وكما شاركونا الحزن ‏على فقيدنا، والدنا، سلطان السلام، قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراهما.‏
أحببنا الكويت وصباحها لأنهما صوت الحضارة الذي وجدنا فيه عمقا يقارب بيننا، حيث ‏الأيادي البيضاء التي كانت تغرس الرحمة والتسامح، متمسكة بقيم الإنسانية، وقوامها ‏‏”احترام الآخر”، كويت الثقافة والعطاء، والقلوب التي تتلقفنا محبة منذ أن نضع خطوتنا ‏الأولى على ترابها، فنشعر بأننا، كعمانيين، نسير بين أهلنا، محفوفين بابتسامات التقدير.‏
وعرف جيلنا الكويت عبر منابر عدّة، وقد كانت مهجرا للكثيرين من العمانيين، لظروف ‏الحياة في مرحلة قبل السبعينيات، ومنهم، وقد تلقوا التعليم في مدارسها، من عاد ليكون ‏إضافة لحركة التنمية في البلاد..‏
في الكويت كانت بدايات تجارب عمانية شتى، في الصحافة مثلا (جريدة الوطن) وفي ‏الرياضة مع عودة إداريين ولاعبين أسسوا أندية في السلطنة، بما امتلكوها من خبرات ‏عرفوها في مهجرهم (وطنهم).. الكويت. ‏
حينها.. كان صوت “إذاعة الكويت” حسّا عروبيا يسري عبر الأثير المتاح له، في بقعة ‏بدأت تفتح أعينها على جهاز يسمى مذياعا، وكان تلفزيون الكويت منارة رائدة تفتتح ‏حكايات ظهور الشاشات الصغيرة في البيوت التي كانت تتحسس العتمة على ضوء ‏القناديل، برائحة “الحل تراب”، ذلك قبل أن تفيض الآبار بحلّها الأسود، وبكثافة غيّرت ‏وجه الحارات وكثبان الرمال المتطايرة في موسم “الطوز” على وقع رياح “الخماسين”.‏
ولأني، وحيث يمكن وضعي في خانة المحسوبين على الآداب والفنون، فإن الكويت تمثّل ‏لي رصيدا هائلا من المعرفة في محيط جفاف صحراء الربع الخالي، وتبدو في شبه ‏الجزيرة العربية كمنارة لا يعلى عليها، وقبل أن تفتح بلدان المنطقة أعينها على عصر ‏حديث مكتوب بلون النفط الأسود كانت الكويت شعلة معرفة، فاتحة مدارسها وجامعاتها ‏لأبناء الخليج، وكانت مجلة “العربي”، وما زالت، رسالتها الحضارية السامية الأشهر لكل ‏عربي من المحيط إلى الخليج، بجوار عشرات الآثار الآخرى، كتلك التي تثمر كل حين ‏تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.. كمثال.‏
الكويت هي صوت المسرح والدراما في منطقة كانت لا تعرف جهاز التلفزيون إلا في ‏بيوت النخبة والأثرياء، هي الأثر الفني لأبي الفنون الذي أينع مع عبدالعزيز السريّع وصقر ‏الرشود، وتعملق مع قامات كحسين عبدالرضا، وبقي بذاره يسقي جفاف تلفزيونات الخليج ‏بعشرات الأعمال، على الخشبة، أو عبر الشاشة الصغيرة، والتي كان الفنانون الكويتيون ‏أبطالها الرئيسيون، مهما بدت التجارب الأخرى تنمو على مهل، إنما مستفيدة من إرث أبناء ‏الكويت الفني في صنع أعمالهم، عشرات الأسماء تحفظها الذاكرة الدرامية في الخليج زيّنوا ‏شاشاتنا الفضية طويلا، منذ أن وعينا على معنى تلفزيون. ‏
وفي “وطن النهار” لا يغيب الصباح أبدا، فكل نهار كويتي له أكثر من صباح يضيء ‏قناديل شمسه، فتلقى الكويت وطنا للمحبة والثقافة والفنون والعطاء الإنساني المتواصل.‏
فإلى جنّات الخلد أيّها الصباح الخالد، وحفظ الله الكويت، أرضا وشعبا.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق