الثقافي

مشروع جمع التاريخ الشفوي بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ..

مقابلات تستهدف الرواة والإخباريين من كبار السن والمثقفين وموظفي الدولة والأعيان والزوار والسياح والسفراء والعاملين في عمان ورصد كافة الأوجه الاجتماعية والثقافية والتاريخية والزراعية والبحرية والتجارية والعسكرية والقضائية والرياضية والفنية وغيرها

تتميز السلطنة بتاريخها الحضاري الكبير الذي يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف عام في ذاكرة الزمن. وقد سجل الكتاب والمؤرخون والرحالة والغزاة الكثير عن هذا التاريخ المشرق. ورغم ذلك يظل ما كتب عن هذا التاريخ ضئيلا جدا مقارنة بحجم هذا التاريخ وامتداده.
وفي إطار المساعي الرامية إلى تدوين التاريخ العماني ورصده وتوثيقه، لاسيما التاريخ القريب، فقد تبنت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية مشروعا طموحا لتدوين التاريخ الشفوي للسلطنة، من خلال إجراء مقابلات مطولة مع كبار السن والملمين بالتاريخ ومن عايشوا الكثير من الأحداث وكانوا قريبا منها، من أجل الإدلاء بكل ما لديهم من حقائق وتقديم ما بحوزتهم من أدلة ووثائق تعزز حفظ التاريخ وتوثيقه.
وقد اعتمدت الهيئية خطة متكاملة في هذا الشأن، وشكلت فريقا متخصصا لتنفيذ المهمة، كما أعدت غرفة استوديو خاصة بمقرها، مهيأة بكافة الوسائل التقنية والكادر البشري لتنفيذ المقابلات مع الأشخاص المعنيين، التي تستغرق عدة أيام أحيانا، وتدور في جو من الحرية التامة ليتمكن الأشخاص المتعاونون من تقديم المعلومات السليمة والدقيقة دون أي تدخل أو حجب للمعلومة. إلى جانب ذلك يقوم فريق العمل بزيارات ميدانية لمقابلة الأشخاص داخل السلطنة وخارجها.
ومن أجل إلقاء الضوء على هذا المشروع تواصلت (التكوين) مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، التي أبدت تعاونا كبيرا وقدمت بيانات هامة في هذا الشأن، نوردها كما وصلت وفقا لما أعدها المعنيون في الهيئة.
التاريخ الشفوي وأهمية التوثيق
يُعَرَّفُ التاريخ الشفوي بأنه مجموع المعلومات والروايات والحكايات والأخبار التي يتم تلقيها وتسجيلها من أشخاص معينين بغرض التوثيق والاستخدام المعلوماتي التاريخي. وتكمن أهمية التاريخ الشفوي في رصد الرواية الشفوية وتوثيقها من الناحية التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية، عن طريق مقابلة الرواة والإخباريين من كبار السن والمثقفين وموظفي الدولة والأعيان والزوار والسياح والسفراء والعاملين في عمان من الوافدين وغيرهم، بهدف تسجيل ما لديهم من معلومات وتوثيقها وفق أحدث الأساليب المتبعة في ذلك. وتوعية المواطنين بأهمية التاريخ الشفوي وتثقيفهم عن أفضل السبل وأجداها لتسجيل وتوثيق المعلومات الشفوية . إلى جانب مراجعة الروايات الشفوية وتدقيقها وتمحيصها، والاستفادة مستقبلا من المعلومات المحفوظة في قسم التاريخ الشفوي في مجال النشر وفقا للإجراءات العلمية المتبعة في هذا المجال، بالإضافة إلى منح آفاق جديدة وميادين واسعة أمام الباحثين والمهتمين بالبحث العلمي من خلال ما ستكشف عنه مضامين ومحتويات المقابلات والحوارات ، عندما تتاح للاطلاع وفق قانون الوثائق والمحفوظات الوطنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 60/2007م.
المجالات والفئات المستهدفة
تهدف المقابلات إلى الحصول على معلومات متنوعة في عدة مجالات كالاجتماعية والثقافية والتاريخية والزراعية والبحرية والتجارية والعسكرية والقضائية والرياضية والفنية وغيرها.
يستهدف العمل في تسجيل وتوثيق وحفظ التاريخ الشفوي عدة فئات وهم كبار السن ممن لديهم معلومات عن البلاد وتاريخها، وكبار المسؤولين في الدولة مدنيين كانوا أم عسكريين، والشيوخ والأعيان، والقضاة، والولاة، والمعلمون، والتجار، والمزارعون، والصناع، والاعلاميون والمثقفون، والفنانون، والحرفيون المهنيون. بالإضافة إلى السفراء المعتمدين لدى السلطنة وسفراء السلطنة في الخارج، إلى جانب العاملين غير العمانيين (الوافدون) ممن سبق لهم العمل في السلطنة مع بداية النهضة المباركة أو قبلها، والسياح والزوار الذين زاروا سلطنة عمان خلال العقود الماضية.
منهجية العمل في المشروع
من أجل ضمان نجاح المشروع وتحقيق أهدافه الوطنية والحضارية اعتمدت الهيئة منهجية علمية لتنفيذه تتمثل في البحث عن الفئات المستهدفة من خلال التواصل مع مكاتب أصحاب السعادة المحافظين والولاة، للحصول على قوائم بأسمائهم، أو من خلال المعرفة الشخصية للباحث. إلى جانب قراءة السيرة الذاتية للراوي، والبحث عن كل ما يرتبط به من معلومات منه شخصيا وذلك من خلال الجلوس معه قبل إجراء المقابلة، أو من خلال المقربين منه. كما يتم البحث عن جوانب المقابلة ومحاورها وقراءة المواضيع المتعلقة بها، واستقصاء المعلومة في مختلف المصادر والمراجع من محفوظات ووثائق وكتب أو صحف أو دوريات أو أقلام وبرامج وثائقية وغيرها. بعد ذلك يتم التواصل مع الراوي للاتفاق معه بموعد ومكان إجراء المقابلة المسجلة. وفي حالة استدعاء الأمر لإجراء أكثر من لقاء يتم الاتفاق مع الراوي بموعد اللقاء الثاني، كما أنه من الممكن أن تصل بعض اللقاءات لأكثر من 8 أو 10 مقابلات مسجلة. إما أن تكون اللقاءات التسجيلية في بيت الراوي أو في مقر الهيئة داخل الاستوديو المعد خصيصا لإجراء مقابلات التاريخ الشفوي.
وبعد الانتهاء من تسجيل المقابلة يتم تفريغ المادة المسجلة في جهاز الحاسب الآلي الخاص بالموظف المختص الذي يعمل على تفريغ المادة وتحويلها من الصيغ الرقمية إلى الصيغة الكتابية، ونقلها حرفيا دون أي تدخل من قبل العاملين في تفريغ المادة. بالإضافة إلى عمل هامش أسفل الصفحة في حالة ضرورة ايجاد المعنى البديل لأي كلمة غير مفهومة بحكم اختلاف اللهجات في السلطنة. وبعد ذلك تتم مراجعة النصوص والتأكد منها قبل اعتمادها بالصيغة النهائية، ومن ثم حفظ المادة المسجلة في حافظات إلكترونية من نوع بيجاسو، ومن تقنية ثندر سعتها 32 تيرة، إلى جانب حفظ المادة المكتوبة في ملف خاص بالراوي يحوي أيضا الاستمارات الخاصة به.
استراتيجية جديدة
استحدثت الهيئة استراتيجية جديدة في منهجية العمل في المشروع، حيث وجد أنها من الممكن أن تعطي استجابة أسرع في تحقيق أهدافه، من خلال التركيز على وجهة معينة في فترة زمنية محددة، بحيث يذهب فريق العمل إلى هذه الأماكن وتتم استضافة عدد كبير من الرواة في تلك المنطقة، مع مراعاة التنوع في المواضيع المطروحة للحوار، ومن ثم الانتقال إلى وجهة أخرى وهكذا.
كما تهدف الهيئة إلى استضافة عدد كبير من الرواة في مقر الهيئة في الاستوديو لإجراء المقابلات، وأيضا إضافة عدد من المتخصصين في مجال البحوث والدراسات، ومجالات تقنية الصوت والتصوير وغيرها من المجالات التي تخدم المشروع.
الجدير بالذكر أن دائرة البحوث والدراسات، ممثلة في قسم التاريخ الشفوي تتطلع إلى إجراء المزيد من المقابلات خارج السلطنة، لإضافة الكثير من المقابلات التي تكشف عن الكثير من أوجه التاريخ العماني.
صعوبات وتحديات
ومما لا شك فيه أن العمل في توثيق التاريخ الشفوي وحفظه هو مشروع كبير، ويتطلب تضافر الجهود من قبل العاملين فيه، كما يتطلب سعة الصدر وتحمل الصعاب التي من الممكن أن تواجه العمل. وبلا شك إن العاملين قد تصادفهم الكثير من العوائق مثل إلغاء الاتفاق بعمل اللقاء أو تأخيره لظروف الراوي الصحية أو النفسية أو الالتزامات الاجتماعية للرواة التي قد تجعلهم يغيرون مواعيد المقابلات بصورة مفاجئة. وتراجع الراوي عن تسجيل اللقاء بعد الاتفاق معه، وذلك بعد الوصول إلى مقر بيته، الذي قد يكون في بعض الأحيان بعيدا عن مقر العمل بمئات الكيلومترات، مما يضطر فريق العمل إلى العودة ، والاتفاق معه على موعد آخر. إلى جانب وفاة الراوي مما يستدعي توقف استكمال سلسلة اللقاءات الخاصة به قبل الانتهاء منها.
جهود مثمرة
حققت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية نجاحا طيبا في العمل على المشروع على المستويين المحلي والخارجي. فعلى المستوى المحلي قام فريق العمل بإجراء مقابلات في الكثير من محافظات وولايات السلطنة منها: السيب وبوشر وقريات بمحافظة مسقط ، والرستاق، والعوابي، والمصنعة بمحافظة جنوب الباطنة، وصحم، ولوى بمحافظة شمال الباطنة، وسمائل، وبهلا، ونزوى، والحمرا، وإزكي، ومنح بمحافظة الداخلية ، وصور، والمضيبي وجعلان بني بو علي بمحافظة جنوب الشرقية، والقابل بمحافظة شمال الشرقية، والبريمي بمحافظة البريمي، وعبري، ومحضة، وينقل، وضنك بمحافظة الظاهرة، وصلالة، ومرباط، وثمريت، والمزيونة ، ورخيوت وسدح بمحافظة ظفار وغيرها.
وعلى الصعيد الخارجي فقد تم إجراء أكثر من 20 مقابلة في زنجبار بجمهورية تنزانيا الاتحادية.
إلى جانب ذلك استطاع فريق العمل إجراء أكثر من 190 مقابلة مسجلة مع المواطنين، وتم تصوير أكثر من 186 مادة فلمية داخل السلطنة وخارجها، حتى تاريخ 7/12/2015م. وبلغ إجمالي عدد الساعات التي تم تسجيلها منذ بداية المشروع أكثر من 350 ساعة.
وتواصل هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية أداء رسالتها في إبراز الحضارة العمانية، مدركة أن العمل في هذا المجال يحتاج إلى تضافر الجهود، والعمل وفق منهجية علمية، بما يحقق الأهداف المرجوة؛ وتتطلع إلى أن تكون الأعوام القادمة حافلة بالكثير من الإنجاز في مجال التاريخ الشفوي .

 

نشرت المادة في العدد السادس من مجلة التكوين…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق