الفني

أحمد البوسعيدي: عمان ملهمتي الأولى

أحمد بن عبدالله البوسعيدي، مدير جمعية التصوير الضوئي، اسم مشرق في فضاء التصوير، عاشق للأبيض والأسود، شغفه المتوقد وردوده المعبرة والصادقة زينت الحوار.. وكأننا ننتقل من صورة إلى أخرى يلتقطها بعباراته الهادئة والرصينة.. هو خريج جامعة السلطان قابوس تخصص تربية إسلامية، عمل في التدريس مدة 4 سنوات ثم انتقل إلى نادي التصوير المعروف اليوم بالجمعية العمانية للتصوير الضوئي كمشرف بعد تجربة العمل في أقسام متعددة في وزارة التربية والتعليم منها المناهج ونظم المعلومات.

حوار: شيخة الشحية

يقول أحمد البوسعيدي: «بداية التصوير بدأت معي كهواية أو من محض صدفة، ومن خلال جماعة التصوير في الجامعة حيث كنت رئيسا لها مدة ثلاث سنوات، استهواني الأمر فأحببته ووجدت نفسي فيه أكثر، وكنت أشعر بأن هناك تجانسًا بيني وبين العدسة رغم وجود الجماعات المختلفة بين الرياضة والجوالة»، وأضاف: «في تلك الفترة كانت لدي أخت ضمن جماعة التصوير شجعتني كثيرا للانضمام إلى الجماعة والطريف في الأمر أنها تركت هذا المجال كليا وأنا مازلت أعمل فيه، وأرى هذا من جميل الأقدار التي حصلت معي».
التصوير هواية، وعمل
يقضي المصور أحمد البوسعيدي أغلب أوقاته في الجمعية، وفي سؤالنا له حول التصوير وما أضافه لحياته قال: «التصوير ساعدني ففتح المدارك أمامي بشكل أوسع وأشمل حول الأشياء الجامدة والحية فأصبحت بالفن أحظى بالذائقة البصرية والروحية في تعاملي مع البشر من حولي، فرؤية الحياة من عيون المصور والفنان تختلف عن رؤية الإنسان العادي. واليوم التصوير أكسبني تنظيما وترتيبا لكل ما حولي من أماكن، ومبانٍ، وملامح، ففلسفته مختلفة وغير ملموسة تظهر من احتضان الكاميرا والصورة الناتجة عنها، وهي فلسفة جمال وذوق في الدرجة الأولى».
أما عن فلسفته الخاصة مع العدسة فيقول: «التصوير رسالة والذي لا يقرأ شيئًا في الصورة فيلمس عاطفته لا يمكن للصورة أن تحقق رسالتها المرادة سواء كانت الرسالة جمالية، أو إنسانية، أو عاطفية والتي يجب أن تصل للمتلقي بالرسالة التي أخذت الصورة من أجلها».
وذكر البوسعيدي بأنه قد يمر يوم أو أسبوع أو شهر بدون أن يلتقط صورة واحدة بسبب العمل الإداري الذي يشغله اليوم. وعن الاحتراف فالمسألة نسبية بالنسبة له ويراها مختلفة فالاحتراف في التصوير بالنسبة له هو أن يكون التصوير مصدر رزق للمصور يجني من وراءه المال ليعيش ويعول نفسه وأسرته.
تأثره وإلهامه
في مواهبنا عادة ما يكون هناك ملهم نتمسك به فهو الذي يمدنا بالحياة والاستمرار وما يلهم مصورنا أحمد البوسعيدي هي عُمان، فهي ملهمته الأولى خصوصا الجوانب المعنية بالأصالة، وقال البوسعيدي: «تلهمني حياة الناس أيضا، وأميل إلى استخدام الأبيض والأسود أكثر من الألوان في الصور كما أن ثقافات المجتمعات والبيئات وطرق العيش من ملهماتي».
تأثر أحمد البوسعيدي بمجموعة من المصورين الكبار كالمصور البرازيلي سيباستياو سالجادو، والأمريكي ستيف ماكوري. أما على المستوى المحلي فقد تتلمذ على يد المصور إبراهيم البوسعيدي، والمصور عبدالرحمن الهنائي وذكر أنهما من المصورين الذين مازالوا يتمتعون بشغف الصورة ويقدمون لها الكثير. وقال البوسعيدي: «فخور جدا بوجود هذه القامات في مجال التصوير وأتمنى أن ينتابني الشغف من جديد لأعود إلى حمل الكاميرا والنظر إليها من عيون المصور وليس من عيون الإداري».
الجميع مصورا
في ظل التقدم الكبير والاختراعات الجديدة والمبتكرة وتعامل شركات الهواتف مع شركات الكاميرات الكبرى تصلنا اليوم الهواتف الذكية بأحدث الكاميرات وأفضلها وأكثرها جودة، ونظرا إلى أن الجميع يمتلك هاتفا واحدا ذكيا على الأقل، وكذلك كثرة امتلاك الأشخاص للكاميرا نفسها، سألنا مصورنا عن رأيه في هذا التطور الهائل وهل من الممكن أن يكون الجميع مصورا في وقتنا الحاضر فأجاب: «اليوم يمكن الاستغناء عن الكاميرات للسبب المذكور وهو تعاقد شركات الهواتف الذكية مع أفضل وأقوى شركات الكاميرات، والجميع اليوم يبحث عن الأسهل والأخف وزنا والأصغر حجما، ولكنني شخصيا لا يمكنني الإستغناء عنها فأنا أنتمي إليها وأشعر بإنتمائها لي أيضا، ولكن الهاتف هو الحاضر والأسهل اليوم لذلك أرى بأنه من الممكن أن يأتي يوم وتنقرض الكاميرات ذات الحجم الكبير وتحل محلها الكاميرات الصغيرة والهواتف، وهذا متوقع وللجانب التجاري والتسويق دور بارز في هذا الأمر، ولكن في النهاية الغاية والهدف أسمى من الوسيلة فالفنان يمكن أن يستخدم سكينا في عمل لوحة فنية، أو حبرا، أو ورقا فهنا الأهم اللوحة والناتج وليس الوسيلة المستخدمة للإنتاج».
وأضاف: «شخصيا يفرحني ويثلج صدري أنه أصبح داخل كل بيت مصور على الأقل فالتصوير حل ضيفا في بيوتنا وبين أبنائنا ويشكل جزءا كبيرا من حياة كل فرد ومواقع التواصل الإجتماعي ساهمت في ذلك أيضا، ولكن ما يحزن في الأمر أن الشراء ارتفع والناتج الفني قل وكأن التصوير أصبح للبعض كنظام حياة»، يضيف: «من وجهة نظري أرى أن المصور الذي عاش مرحلتي التصوير التقليدي والتصوير الرقمي أفضل لأنه تعلم أكثر وصورته يمكن أن تكون جيدة من الالتقاطة الأولى».
ويرى البوسعيدي أن البعض أصبح يحمل الكاميرا كـ موضة واسلوب حياة ولكن تبقى فكرة أن التصوير أصبح منتشرا وثقافة الصورة حاضرة ولا تزال حية ولابد من استثمار هذا الأمر لصالح الفن وتثقيف المجتمع من خلال المسابقات والدورات وغيرها.
الجمعية والدعم
في صورة مبسطة يوضح مدير جمعية التصوير الضوئي أن الجمعية ملتقى لفنانين أو مصورين تخطوا مرحلة التدريب فهي ليست مركزا أو معهدا للتدريب. موضحا أن دورها يقوم على دعم المصورين من خلال إقامة المسابقات، وتشجيع المصورين على إقامة المعارض الفردية والجماعية، وتقديم دورات في أساسيات التصوير إذ هناك ما يقارب 17 دورة في السنة الواحدة حسب التسجيل والظروف.
وعن شروط العضوية يقول البوسعيدي: «نحن في الجمعية لا نجامل أبدا وهذا ما يراه البعض عيبا ولكن قبولنا للعضو فهذا يعني أنه أصبح وجها آخر للجمعية فهو يمثل الجمعية بالدرجة الأولى». يضيف: «من شروط العضوية تقديم المصور 10 من أعماله ويتم تقييمها من قبل» من الأعضاء المحكمين وتقدم الأعمال بدون ذكر اسم المصور ليكون سبب القبول والرفض سببا فنيا فقط».
وذكر مدير الجمعية أن الأعضاء يتوفر لهم كل شيء من الألف إلى الياء بعد قبول العضوية من استوديو وأجهزة الحاسوب (الماكنتوش) وغيرها، وكذلك أيضا تتكفل الجمعية بجميع تكاليف المعارض التي يرغب الأعضاء في إقامتها أو بجزء منها حسب الإمكانيات والظروف، وهنا استغل البوسعيدي الفرصة لتشجيع المصورين ودعمهم حيث قال: «أناشد المصورين شخصيا ومن خلال الجمعية إقامة معارض لأعمالهم فما هو متاح اليوم ومتوفر من الإمكانيات قد لا يكون متاحا في الأيام القادمة، وأتمنى أن لا يكون هناك خوف أو تردد لأن هذا ما يعاني منه الأغلبية وهذه المعارض فرصة لهم لإيجاد ذواتهم وإظهار أعمالهم للعالم».
وعن الدعم قال إن الجمعية تدعم المصور إذا كان يرغب في طباعة كتاب خاص بالصور، كما وتوفر لهم الدعم في تقديم الندوات التي تحكي عن تجاربهم، وأيضا تساندهم في المشاركات الخارجية والدولية فهم فنانيين حقيقيون تحتاجهم الجمعية أكثر من حاجتهم إليها.
وأضاف: «هناك دول متقدمة علميا وعمليا ومهتمة بجانب التصوير والمصورين ولكنها للأسف تفتقر لمكان يلتقي به المصورون لذلك نحن فخورون بوجود مثل هذه الجمعية معنا في السلطنة تدعم المصورين والمصورات».
نجاحات.. إنجازات.. ألقاب
في الحديث عن النجاحات والإنجازات التي حققتها الجمعية وحققها على المستوى الشخصي قال البوسعيدي: «لا تنجح الجمعية إلا بنجاح الأعضاء، فلا يمكن لمؤسسة أو جمعية أو غيرها أن تقوم بدون أعضاء وطالما أنهم يعملون جيدا فنجاحاتهم تنعكس تلقائيا على الجمعية أو المكان الذي ينتمون إليه والجمعية مجرد وسيط بينهم وبين الجهات التي ترعى وتدعم التصوير محليًا وإقليميًا وعالميًا». وأضاف قائلًا: «للأعضاء فضل كبير في نجاح الجمعية لنقلهم مهاراتهم في إبراز جمال عُمان للعالم فهم المكون الرئيس للجمعية والإطار الذي نشتغل عليه والهدف الرئيس من وجود الجمعية».
من الإنجازات التي حققتها الجمعية التي تطرق إليها البوسعيدي قائلا: «منذ عام 1999 إلى اليوم والسلطنة تحقق الإنجازات الرائعة في «بينالي الأبيض والأسود» المطبوعة و «بينالي الألوان» أيضا، وآخر إنجاز حققته الجمعية هو «بينالي الطبيعة» التي حصدت فيه الجمعية الميدالية الذهبية ومسابقة بينالي تقام كل سنتين والمسمى يحمل رمزا فنيا يستخدم للفنون البصرية». وأضاف: «الإنجاز الرائع بالنسبة لي هو «بينالي الشباب» (كأس العالم للشباب) الذي حصدنا جائزته في 2012م في أسبانيا وعلى مدى أربع سنوات متتالية يكون فيها الكأس عمانيا ففي 2014م كان في ألمانيا، و 2016 كان في كوريا، و 2018 كان في بلغاريا، وهذا دليل على أن حملة الكاميرات مبدعون وحقيقيون، وهذا ما ساعد في إبراز مكانة المصور العماني وحضوره القوي والبارز والمشرف سواء كانت المشاركة فردية أم جماعية».
أما عن الإنجازات والألقاب على المستوى الشخصي فقد حصد أحمد البوسعيدي على ألقاب وأوسمة دولية وجوائز محلية ودولية منها لقب «فنان الفياب»، وجائزة «المتميز الفضي» وهي آخر الجوائز التي حصدها كمصور. وهناك جوائز وألقاب وأوسمة يحصدها المصورين كونهم قدموا خدمات للمجتمع أو للبشرية بشكل عام، ومن هذه الأوسمة التي حصدها «وسام الإجادة الفخري» لخدمات التصوير.
خارج النطاق
سألنا مصورنا عن أمنياته والأشياء التي يحبها، وما المهنة التي يرغب فيها لو لم يكن معلما ومصورا فقال: «أحب أن أكون رحالا مستكشفا للعالم وما به، فأنا محب للتخييم وأحب أن أطلع على ثقافات الناس، أحب الاختلاف والتكيف معه، وأعشق التفاصيل الجديدة». وأشار إلى تجربة العيش مع المسلمين في الصين وكيف أنها كانت رائعة والعيش مع الناس في كوبا ومحاربتهم الفقر بالابتسامة والغناء والفرح والرقص، وأهمية هذه التجارب للتعلم والتفكر بعيدا عن الإعلام فالرحالة تكون فكرته أعمق ويرى المكان بصورة مختلفة أكثر.
طموحات وآمال
ليس للطموح سقف ولا للآمال حد، ويمكن للمرء أن يحلم ويحلم ويتمنى أكثر وأن لا ينسى ضرورة السعي وراء تلك الأحلام لتحقيقها. يقول البوسعيدي: «الإنجازات التي نحققها لا أراها كافية، فالمصور العماني بحاجة إلى عمل مشاريع فوتوغرافية مخطط لها بما يخدم توجهات نشر الثقافة العمانية وتوجهات السياحة والاقتصاد والاستثمار لأن الصورة في الواقع تخاطب الجميع بدون أي لغة وأي حديث حقيقي»، وأشار البوسعيدي إلى فكرته التي كان يرغب في تحقيقها خلال عمله في المناهج في الوزارة خلال تلك الفترة ولا يزال مصرا على تحقيقها تنص على إنشاء أرشيف وطني أو بنك للصور يتضمن الصور التي تدخل في المناهج الدراسية وغيرها من الصور التي ستكون الملجأ لكل من هو بحاجة إلى صورة عمانية بحتة من مصممين، وصحفيين، وباحثين وغيرهم كونه أرشيفًا وطنيًا متاحًا للجميع ومنتجا عمانيًا أصيل عمل فيه مصورون عمانيون، وعلق بأنه لابد من وجود نقاش جاد وجماعي لتوضيح مكانة الصورة وأهميتها والتخطيط من أجل الاسثمار والابتكار. ويطمح أحمد البوسعيدي في أن يكون هناك متحف للفنون البصرية في عمان لأنه سيشكل رافداً اقتصاديا كبيرا للسلطنة وأصر على ضرورة العمل على هذه الأفكار وتهيئتها للمستقبل.
ويضيف: «من أهم الأشياء التي أراها ضرورية اليوم هي فرق التصوير وأتمنى أن تنشئ هذه الفرق في كل ولايات ومحافظات السلطنة وتكون هناك جماعات التصوير في المدارس والكليات والجامعات كون الجمعية جغرافيا موقعها في مسقط وهناك صعوبة للبعض من هم من أماكن بعيدة للوصول والانضمام لها، وهنا يكون ارتباط المصور بقريته أقوى من ارتباطه بالقرى والمدن الأخرى، ونحن كجمعية نشجع كثيرا وندعم إنشاء هذه الفرق وأقمنا من أجلهم ملتقى عمان للتصوير في نسخته الأولى والثانية ونطمح للثالثة إن شاء الله تحت مسمى «لمّة» ساعين من خلاله إلى أن ننتقل إلى تكوين اتحاد للتصوير».
ويطمح الفنان إلى أن يكون هناك تقييم فعلي لهؤلاء الفرق ليكونوا أكثر نشاطا وتنظيما وعطاءً، وأن يعاد النظر في مسألة جماعة التصوير في المدارس لأن المسؤولين يبدو أنهم في حيرة من أمر هذه الجماعة، وأن تكون مادة مرتبطة بدرجات لنحقق من خلالها مواهب حقيقية شابة ومشرفة.
وفي الختام
وجّه المصور والفنان أحمد البوسعيدي كلمة للمهتمين بالتصوير والصورة فقال: «التصوير عشق وإبداع وليس مجرد نمط يولع به الشخص فترة ثم يتركه، ونصيحتي لهم بأن يمارسا التصوير بشكل أكثر، والاطلاع على أعمال الآخرين، والخروج عن نطاق بيئاتهم لتحقيق تجربة إبداعية خلاقة لها بصمة ومسار مختلف عن الآخر يساعده في التعريف عنه دون الحاجة إلى ذكر اسمه فالمصور الناجح هو من ينتج أعمالا غير مكررة».
ووجه كلماته لمجلة التكوين بالقول: «أحب المجلة وأحب اهتمامها بالحراك الفوتوغرافي وما قادني لتصفحها إلى جانب مواضيعها الشيقة الصورة التي تظهر بالشكل اللائق والجميل، وأتمنى لكم التوفيق والنجاح والاستمرار على ما تقدمونه من جهد رائع ونادر لنا نحن المتلقين في هذا المجال».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق