العام

د. هلال السبتي: تلقيت خبر المرسوم السلطاني في غرفة العمليات

عرفته منذ أن كان جراحا في مستشفى جامعة السلطان قابوس، فقد كان يحقق الإنجاز تلو الآخر، فمن العملية الأولى على مستوى السلطنة وهي زراعة قلب صناعي، إلى العملية الأولى على مستوى العالم بزراعة صمامين نسيجيين داخل صـمامين نسيجيين مزروعين منذ سنوات لامرأة حـامل، وما بـينهما الكـثـير مـن الـعمـليات الكبيرة. تـميزّه واجتهاده لم يذهب سُدى، فقد تُوّج في البـداية بتكريم من معالي الفريق أول سلطان النعماني وزير المكتب السلطاني، ثم نال الثقة السامية بصدور مرسوم سلطاني قضى بتعيينه رئيسا تنفيذيا للمـجلس العماني للاختصاصات الطبية.

حاوره: سيف المعولي

إنه سعادة الدكتور هلال بن علي بن هلال السبتي الذي فتح لنا قلبه في هذا الحوار المثري متطرقا في حديثه إلى موضوعات ومحاور عدة.
سعادة الدكتور، حدثنا في البداية عن طفولتك ودراستك.
وُلدت في 27 أكتوبر 1972في فنجاء بولاية بدبد، ودرست وترعرعت فيها، ثم درست الطب في جامعة السلطان قابوس حيث التحقت بها في عام 1989 وتخرجت في عام 1996، ثم التحقت بقسم الجراحة في المستشفى الجامعي.
هل كنت تحلم بأن تكون طبيبا في صغرك؟ ولماذا اخترت هذا التخصص بالذات؟
لا، لم يكن هذا الحلم معي منذ الصغر، فهذه أمور مكتسبة مع مرور الوقت وتفاعلك مع الناس المحيطين بك ومدى تشجيعهم وتحبيبهم لك في التخصصات. وعندما دخلت الطب كانت الهواجس والأفكار تراودني في أي تخصص أذهب، فكانت رغبتي بأن أكون في الجراحة.
لماذا الجراحة وليس التخصصات الأخرى؟
كانت لدي رغبة وحب للجراحة منذ الدراسة، وكذلك كان الأطباء في تلك الفترة يشجعوننا كثيرا على الدخول في قسم الجراحة، فكثير من العمانيين آنذاك لم يكونوا يرغبون في دخول تخصص الجراحة لأن لها متطلبات أكثر، وطبعا كل التخصصات مهمة لكن الجراحة تتطلب استخدام الذهن والمهارة معًا، كما أن الجراح يكون عرضة للمساءلة أمام المريض أكثر من باقي التخصصات.
كيف تخصصت في جراحة القلب؟
حصلت على بعثة من جامعة السلطان قابوس لدراسة جراحة العظام، فذهبت لكندا والتحقت بجامعة «ميجيل» وهي من أعرق الجامعات الكندية والعالمية في تخصص العظام، وفي السنة الأولى وأثناء دراسة العظام كنت أثناء مناوباتي أغطي عن زملائي في جراحة القلب، فكنت أساعدهم في العمليات، وأناولهم بعض الأشياء أثناء العملية، فقالت لي طبيبة من الطبيبات بأن طريقة أخذي لهذه الأشياء فيها نوع من التقنية، فلماذا لا أتخصص في جراحة القلب، وكنت وقتها لا أعرف شيئا عن جراحة القلب لأننا في السلطنة في تلك الفترة لم نكن نُعّرَّض لجراحات القلب أبدا، حيث كانت موجودة في المستشفى السلطاني فقط وعلى أضيق الحدود، فقلت لها سأفكر، ثم زادت زياراتي لعمليات جراحة القلب، وزادت الرغبة معي والخبرة أيضا، فاتصلت في المستشفى الجامعي، وكان المسؤول في ذلك الوقت سعادة الدكتور علي بن طالب الهنائي الذي هو الآن وكيل وزارة الصحة للتخطيط فقلت له أريد أن أكون جراح قلب، فقال نحن نبحث عن شخص يكون جراحا للقلب، لأنه لا يوجد معنا في السلطنة متخصص في القلب، فكنت أول عماني يدرس في أمريكا الشمالية جراحة القلب.
حدثنا عن دراستك لهذا التخصص الدقيق في الخارج.
درست 6 سنوات في كندا، ثم ذهبت إلى ألمانيا، لدراسة التخصص الدقيق، وعملت هناك لمدة عام، فدرست التخصص الدقيق والزمالة في جراحة القلب ذات التدخل المحدود وهو أن نعمل جراحات بفتحات بسيطة جدا، وهذه العمليات كانت أمرا جديدا في جراحة القلب بحد ذاتها، فكنت أتعلم وأُعلّم، ومنها تدربت على العمليات بالروبورتات، وكانت في تلك الفترة حديثة جدا خصوصا في جراحة القلب، وكان هذا الأمر في الفترة 2005-2006.
إذًا متى رجعت إلى السلطنة؟
رجعت إلى السلطنة في شهر 6 عام 2006م، وتحديدا إلى المستشفى الجامعي، ولم يكن هناك قسم خاص بجراحة القلب، فتواصلت مع إدارة المستشفى ورأينا ضرورة أن نبدأ في جراحات القلب، لكنّ ذلك يتطلب أن نهيئ غرفة العمليات، والجناح، والعناية المركزة، ثم ننظر إلى أهمية وجود طاقم طبي متكامل من التخدير، ومن المساعدين، وأطباء التروية القلبية، فقالوا لي اطلب الموازنة التي تريدها ونحن سنوفر لك الأجهزة، فقلت لهم بأن ذلك سيتطلب سنتين على الأقل فأعطوني الضوء الأخضر للاشتغال على تجهيز قسم خاص بجراحة القلب في المستشفى الجامعي.
ماذا كنت تعمل في تلك السنتين؟ وهل كنت تجري عمليات؟
حتى لا أفقد الخبرة والمعلومات التي درستها تواصلنا مع إدارة المستشفى السلطاني، كي أعمل معهم فرحبوا بالفكرة، وأعطوني صلاحيات بأن أكون استشارا أول في المستشفى السلطاني، فكنت في الصباح أجري عملياتي في السلطاني، وفي المساء أنجز عملي في الجامعة، من حيث شراء الأجهزة، ومقابلة الأطباء، وكانت هذه الفترة بحد ذاتها مرحلة تعليمية بالنسبة لي من حيث معرفة الأجهزة الطبية، ومواصفاتها وخصائصها، وكيفية استخدامها وأسعارها، فاستقطبت أخصائيين خبراء من كندا ومن ألمانيا من الذين كنت أعمل معهم هناك لمساعدتي في تهيئة قسم جراحات القلب.
هل كان الأمر بسيطا، أم أن هناك تحديات واجهتكم؟
واجهتنا تحديات عدة، إذ إن بعض الأجهزة لم تكن موجودة، كما أن بعض الشركات كانت تُغالي في الأسعار، ولله الحمد تجاوزنا كل ذلك وبدأنا في شهر مارس 2008، في إجراء عمليات جراحات القلب بالمستشفى الجامعي، وهذه تُعدّ خطوة نوعية في المستشفى، فدائما المستشفيات المرجعية أو التعليمية عندما تدخل فيها جراحتا القلب والأعصاب يتغير فكر المستشفى كاملا، لأنهما من أرفع الدرجات في الجراحة، ولله الحمد المستشفى مستمر في إجراء العمليات إلى الآن.
ما هي أصعب عملية أجريتها؟
الحمد لله كثير من العمليات التي أجريناها في مستشفى جامعة السلطان قابوس كانت كبيرة وصعبة سواء على المستوى المحلي أو مستوى المنطقة أو الدولي، فقد أجرينا عمليات للفتحات الجانبية للوصول للشرايين، وعمليات القلب الصناعي، وعملية لامرأة حامل وذلك بزراعة صمامين نسيجيين داخل صمامين نسيجيين مزروعين قبل ثمان سنوات في الهند، وهذه كانت من أصعب العمليات، التي مررنا فيها أنا والفريق الطبي.
لماذا هي صعبة؟
كنّا في لحظة من اللحظات نعتقد بأنه من الممكن فقد المريضين الأم والجنين، ولله الحمد هما بخير وعافية حاليا وقد مر علىإجرائنا للعملية سنة وأشهر، وصعوبتها تكمن في التعقيدات الكثيرة بها، لأنها عن طريق فتحة بسيطة جدا، ثم نقوم بزراعة صمامين داخل صمامين مزروعين من قبل، ولأن العملية في امرأة حامل، كانت الأولى على مستوى العالم. وهذه العملية لا زلت أقدمها في مؤتمرات عالمية ودولية لأنها أول عملية على مستوى العالم بهذا التعقيد.
حدثنا عن العمليات التي قمت بها أثناء التدريب.
هناك عمليات كنت أقوم بها أثناء التدريب، وهي من العمليات الصعبة، وأحيانا الصعوبة تكون في الحالة، وليست في العملية، فمثلا نُجري عملية لطفل فيؤخذ للعناية المركزية ثم يتوقف قلبه، ونضطر لإعطائه صدمات كهربائية لفترة طويلة، وهذا حدث معي لطفلة في كندا حيث أجرينا لها عملية وكانت بخير وعافية وذهبت للعناية المركزة فتوقف قلبها، فحاولنا إسعافها، وكان معي إحساس داخلي بأنها ستعيش والبعض كان يقول لي بأنها ستموت، والحمد لله عاشت، وهناك الكثير من الحالات المشابهة.
هل عدم نجاح العملية مؤشر على فشل الطبيب أو عدم خبرته؟
نحن ننطلق من قوله تعالى : «فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، فأحيانا رب العالمين لا يوفقنا وتكون هناك حالات وفاة، وهي واردة في جراحات القلب، ودائما يكون معنا ذلك الحدس بأننا قد نفقد المريض، والإنسان دائما يتأمل الخير وأن المريض سيرجع البيت وسيدعو لك، وكان الناس يسألوني: هل حدثت معك حالات وفيات في العمليات؟ وأجيبهم بأن الجراح الوحيد الذي لا تكون معه وفيات هو الذي لا يجري عمليات أبدا.
ما أكثر عملية أثرت فيك، ولن تنساها أبدا؟
كل عملية لها خصوصيتها وظروفها، ومن العمليات التي أثرت في قلبي كانت لمريض عمره 94 عاماً، وحفيدته طبيبة معروفة، والحفيدة تقول لي يا دكتور هلال جدي ضغطه ضعيف فكيف ستدخله العمليات، وأمها تقول ليس لدي اعتراض ادخله العملية وأنا أسامحك مهما كانت النتيجة، فاحترت بينهما، لكني سمعت كلام الأم وأجرينا له العملية ونجحت، وعاش عاما كاملا بعد العملية إلى أن اختاره الله. وهنا أقول بأن الجراح الجيد هو الذي يعرف متى يُوقف عمليته ولا يجريها، وليس الذي متى يُجري العملية.
هل أجريت عمليات لأحد من أقربائك؟
أجريت عملية لأحد من أبناء عمومتي وكنت مضطرا، أما الأقرباء من الدرجة الأولى فلم ولن أجري لهم إلا إذا كنت مضطرا، وحاليا معي طاقم في مستشفى الجامعة أعتبرهم أحسن مني في إجراء العمليات، وهم يعملون بجهد كي أكون أنا في الصورة الطيبة.
كيف تلقيت خبر تعيينك رئيسا تنفيذيا للمجلس العماني للاختصاصات الطبية؟
كان لي الشرف بتعييني في هذا المنصب، وكنت حينها في العمليات بلبسي الأخضر، ووصلني الخبر من رئيس الجامعة، ومن أحد الإخوان الأعزاء، وأنا معروف عني بشغفي في تدريب الأطباء، محليا ودوليا وكنت ألعب هذا الدور في مستشفى الجامعة وكثيرا ما قمنا بزيارات عالمية بصحبة رئيس الجامعة وصاحبة السمو السيدة منى بنت فهد آل سعيد مساعدة الرئيس للتعاون الدولي، فهذا التعيين هو تواصل لما أقوم به في مستشفى الجامعة، وأشكر مولانا جلالة السلطان-حفظه الله- على هذه الثقة التي تثريني شخصيا، وبإذن الله تثري المجتمع.
هل لا تزال تُجري عمليات في المستشفى الجامعي بعد تعيينك في المنصب؟
لا زلت أجري العمليات ومستمر عليها، وهي من الأشياء المهمة في حياتي اليومية. ولا زلت أقابل المرضى وأتواصل معهم ولا يزال الأطباء يتواصلون معي من مختلف المستشفيات للاستشارة.
هناك اتهامات تُوجّه إلى الطبيب بأنه مقصر، ما ردك؟
الكمال لله سبحانه وتعالى، والتقصير وارد، لكن الطبيب يقوم بالذي يقدِر عليه وفق الإمكانات المتاحة له، ووفق العلم الذي حصّله، وأنا أتمنى من إخواني الأطباء صغارا كانوا أم كبارا إذا كانت لديهم محدودية في بعض الأشياء فعليهم أن يرجعوا للأطباء الذين هم أكبر منهم سنا وخبرة، فمهنة الطب من المهن التي لا تتوقف في التطور، وعلى الطبيب أن يقرأ ويتعلم يوما بعد يوم، فالتغير في الطب من 80 إلى 85 % كل 5 سنوات، والأدوية التي كانت قبل 20 سنة لا تصلح الآن، حتى الخطوات المتبعة لتشخيص أي مرض تتغير بين فترة وأخرى، وليس لدي أدنى شك بأن الطبيب لا يريد أن يكون مقصرا أو مهملا.
ما رأيك في سفر العمانيين للعلاج في الخارج؟
إذا استفادوا فلا توجد مشكلة، لكن إن لم يستفيدوا هنا ستكون المشكلة، وللأسف هناك حالات فشلت في تلك الدول ولا أحد يتحدث عنها، وأنا في رأيي بأن المريض له الحق في أن يذهب إلى أي مكان يُعالج فيه حتى على مستوى المستشفيات الداخلية بالسلطنة، فالمريض له الحرية في الاختيار بينها، وكما أسلفت هناك حالات تعالجت في الخارج ولم تحصل على استفادة ورجعت للسلطنة واستفادت، وهناك حالات حدث معها العكس.
هل تتمنى أن يتخصص أحد أبنائك في الطب، ولماذا؟
أنا أتمنى أن واحدا منهم يتخصص في الطب، لكن لا أجبرهم على ذلك، فالاختيار الأمثل هو لهم، فمثلما لم يكن هناك أحد من العائلة أجبرني على اختيار الطب، كذلك أنا لا أجبرهم، رغم أمنيتي بأن يتخصص واحد منهم على الأقل في الطب، وهم رأوا حياة أبيهم كطبيب وأمهم كذلك طبيبة في التعليم الطبي، ولذلك فإن القرار الأخير يرجع لهم.
كـيـف تـوفـق بــيـن عـمـلك كــطــبيب وارتـباطـاتـك الأسرية؟
أنا من الناس المرتبطين بأسرهم كثيرا، فالحمد لله رزقني 4 أطفال، ثلاث بنات وولد، ودائما أشاركهم في ألعابهم وأنشطتهم سواء في الملعب أم المسبح. وهذا الأمر أعدّه هو الوقت الثمين جدا، لأنك تعطي أبناءك نوعا من الخصوصية فتجلس معهم ويخبرونك بالذي حدث معهم، ولا بد للإنسان أن يُوجِد نوعا من التوازن، ومع ذلك فالإنسان ليس معصوما عن التقصير في ظل المشاغل.
بعيدا عن الطب، ما الهوايات التي تحبها؟
القراءة المتنوعة كالكتب والصحف ومتابعة الأخبار.
من هم شركاؤك فيما وصلت إليه من نجاحات إلى الآن؟
لا أحد يعيش وحده وبمفرده، وعلى المستوى الشخصي شركائي هم العائلة: أبي ووالدتي – رحمهما الله-، وزوجتي وأولادي وأخواني وزملائي وكل شخص عمل معي في جراحة القلب من المنظف إلى الممرض إلى الطبيب إلى الجراحين الآخرين إلى الإداريين. ولا أستطيع حصر أسماء معينة فكلهم أسهموا معي في هذا النجاح.
مـن يـرى فـي الـدكـتـور هـلال الـسـبـتـي شـخـصـية عمانية ناجحة ويريد الاقتداء بها، ماذا توجه له من نصائح؟
أمانة العمل هو الأمر الذي أتمنى من أي أحد يريد الاقتداء بي أن ينظر إليه، بحيث يجعل الذي يعمله لوجه الله سبحانه وتعالى، فحب العمل والإخلاص فيه هو أهم شيء، فلا يوجد مريض يتصل بك إلا لأنه تقطعت به السبُل، في وجود علاج شافٍ له، ووجود مريض في بيتك سوف يحسسك بأهمية الصحة، ويجب أن نقدّر الناس الآخرين ونساعدهم، ومن الأمور التي أنصح بها الصراحة مع المريض، ودائما على الطبيب أن يتذكر « وفوق كل ذي علم عليم»، وعليه أن يتحاشى الإهمال أو قلة الخبرة، وإذ أحس بأن خبرته قليلة عليه أن يتكلم بصراحة ويقول للمريض لا أستطيع، والموفق في النهاية هو الله.

 

نشر هذا الحوار في العدد (10) من مجلة التكوين…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق