الثقافي
بدر العبري عن قناة “أنس”: نحو التّعايش والتّعددية ونشر رسالة التّنوير
يتشغل الباحث والكاتب بدر العبري في أكثر من ميدان، ويطل عبر أكثر من وسيلة، لنشر الفكر وطرح الأسئلة وتوسيع دائرة الحوار بين مختلف الأديان والمذاهب والفلسفات والتيارات، عبر الحوار المباشر مع أصحابها، وذلك بهدف نقل المعلومة من مصادرها الأصلية، وليس عبر التلقين أو ما ينقل إلينا بالإنابة.
لقد عرفنا الكاتب بدر العبري باحثا حرا يتسلح بالوعي والمعرفة والطرح الجريء، من خلال سلسلة من الإصدارات التي ناقش فيها الكثير من قضايا الفكر وأثار فيها الأسئلة العميقة. كما عرفناه بمشروع “لجنة الفكر” التي تعمل تحت مظلة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، التي قدمت العديد من المناشط النوعية. والآن يطل علينا بدر العبري عبر قناته اليوتيوبية “أُنْس” التي نشطت مؤخرا، وواكبت فترة الحجر المنزلي، في ظل جاحة كورونا، بسلسة حوارات نوعية، سلطت الضوء على الكثير من المفاهيم والقضايا المعقدة، مع ضيوف من مشارب واتجاهات مختلفة، أطلوا علينا من بلدان عدة.
في هذا الحوار مع بدر العبري تسلط “التكوين” الضوء على نشاطه الحواري والفكري الذي يطرحه عبر قناة “أنس”، ابتداء من الفكرة، مرورا بالتحديات والصعوبات، إلى الرؤية والأهداف، وصولا إلى الإنجاز والطموح المستقبلي.
حوار: التكوين
من المقاطع إلى الحوارات
تحدث بدر العبري عن بداية الفكرة وكيف نشأت فقال: تعود الفكرة إلى أحد الأخوة حيث شجعني على فتح قناة يوتيوبيّة، خصوصا بعد إصداري كتاب “القيم الخلقيّة والإنسان” عن دار سؤال 2016م، بحث أقوم بتحويل فقرات منها إلى مقاطع من دقيقتين إلى خمس دقائق، ووضعنا أكثر من ثلاثين حلقة، ومن كتاب “أيام رمضان” ثلاثين حلقة، وبعض الخطب حينها والدّروس والمناسبات المسجديّة، إلا أنّ الارتباط بشخص آخر مع وجود العدّة للتّصوير لا يكون مستقرا، ولا يوجد عندي إمكانات لتوفير معدات تصوير وغيرها، لهذا اهتديت بعد رمضان 1439هـ/ 2018م إلى شراء هاتف، إلا أنّ خبرتي ضعيفة، وكانت النّية أن أشتري بمبلغ جيد إلا أنّ صاحب المحل نصحني حينها أن أشتري هاتفا أقل قيمة، وهو هاتف سامسونج A7، وقال لي عبارة جميلة: من مصلحتي أن أبيع لك هاتفا بسعر أغلى، ولكني أعرف ماذا تريد، المهم جودة الصّوت؛ لأنّ العديد يستمعون في السّيارة مثلا، ويهمهم الصّوت.
ويضيف بدر العبري: حينها كما يقول المثل “ما حكّ جلدك مثل ظفرك” بدأت أتعلم كيفة التّقطيع، واهتديت إلى برنامج Kine Master، فتعلّمت الطريقة عن طريق اليوتيوب، واشتريت حاملا وناقل صوت، وبدأت أواصل بعض الحلقات السّابقة، إلا أنني اهتديت إلى فكرة الحوارات في 2018م، وهذه أعتبرها الانطلاقة الحقيقيّة للقناة، إذ لقيت، والحمد لله، إقبالا كبيرا، واستطعنا حتى كتابة هذا النّص تسجيل ست وتسعين مادّة حوارية، في مختلف الثّقافات والتّوجهات والمذاهب والأديان، ومن بلدان متعددة، ولقيت قبولا طيبا، والحمد لله. ثمّ شرعت في أقل من عام في برنامج “الحوار المفتوح”، لنعطي فرصة للآخرين ليتحاوروا في قضايا متعددة، وفي قراءة لكتاب، أو نقد لفكرة، أو تقديم لمشروع، وأغلبها في قضايا الفكر والفلسفة، فسجلنا حوالي سبعا وعشرين حلقة، ولقيت قبولا طيبا أيضا، كما بعض المؤسسات واللّجان الثّقافية طلبت تصوير بعض حلقاتهم ونشرها، فوثقنا للجنة الفكر بالجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء خمسا وعشرين مادّة، وللجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء أربعا وعشرين مادّة، بجانب خمس وعشرين مادّة متنوعة لجهات متعددة، مثل لجنة الفلسفة، ولجنة التّأريخ، وشبكة المصنعة الثّقافيّة، وغيرها، كما وثقنا حوالي ثمان وخمسين منشطا ثقافيا خلال السّنتين، وغيرها كثير. إذا تتجاوز مواد القناة حاليا الأربعمائة مادّة مختلفة، والعمل الفعلي للقناة سنتان، والآن في السّنة الثّالثة.
كورونا وأفق التواصل
ومع ظهور فيروس كورونا، يقول بدر العبري: كان اكتشاف برنامج ZOOM فاتحة خير للتّواصل مع الآخر من الخارج، فوفر لنا جهدا، ويسّر لنا عسرا، فسجلنا خلال الشّهرين الماضيين تسعا وعشرين حلقة لضيوف ومفكرين وفلاسفة من سوريا ولبنان وإيران والمغرب ومصر والكويت والسّعودية والبحرين وباكستان والعراق وفلسطين وبريطانيا بجانب سلطنة عمان، وفي القريب يوجد أسماء عديدة من أماكن مختلفة ننشرها في وقته بإذن الله تعالى.
ونسعى حاليا في تكوين روابط مع قنوات أخرى أهليّة أو شخصيّة كوجيز وحدائق الفكر في عمان، وقريبا خارج عمان، بإذن الله، وبدأنا مبدأيا التّنسيق مع بعض القنوات الأهليّة في مصر.
كما أنّ منصة “وجيز” تولت تحويل المواد الحوارية إلى مادّة صوتيّة على soundcloud وغيرها، لطلب العديد من المتابعين، وقمنا بتدشين ذلك في رمضان الماضي 1441هـ، وجزاهم الله خيرا.
“أنس” .. الدلالة والأهداف
وعن سبب تسمية القناة “أنس” ودلالاته قال العبري: القناة في البداية كانت باسمي الشّخصي: “بدر العبري”، ولم أرد تغييره حتى لا يفهم البعض أنّه عمل مؤسسة، فهو عمل فردي تصويرا وتقطيعا عن طريق الهاتف، ثمّ قبل فترة بسبب طلب البعض ارتأيت تسميتها بـ “أنس” لأنّها تحمل بعدين: الأنس والتّقارب والحب، والثّاني من الإنسان والإنسانية، وهذا من أهم أهداف القناة، بناء الإنسان وتحقيق التّعايش والحبّ في المجتمع الإنساني، والتّعرف عليه، والاهتمام بالتّعددية في بناء الإنسان، ونشر رسالة التّنوير.
وفي ما يتعلق برؤية القناة وأهدافها أوضح قائلا: الهدف العام من القناة مع ما ذكرت آنفا هو رفع معدل الخطاب الحواري أفقيا وعموديا، بحيث كما يشمل العمق الفكري والفلسفي؛ يشمل أيضا جميع التّوجهات والآراء، والسّماع لها عن قرب، فقد طرحت القناة قضايا تنويرية وجدليّة كبنية الدّولة وفلسفتها، والاستغراب والاستشراق، وفلسفة البرلمان، ونظريّة المعرفة، والمجتمع المدني، ونظرية التّطور، والمواطنة، والعدالة، والحداثة، والعلمويّة، والثّقافة الشّعبيّة، والدّيموقراطيّة في الفلسفة؛ ونقد الخطاب الدّيني، والسّياسة والدّين، وأنسنة الخطاب الدّيني، والشّورى والمعارضة، ونظرية التّصديق والهيمنة، وإشكاليّة السّنة والحديث، ونقد العلمانيّة، وعلم الآثار، وأنسنة النّص الدّيني، ومصادر التّشريع الإسلامي في الفكر؛ والصّوفية والتّصوف، والمدرسة الزّيديّة، وحركة المطوع، والحركة الإصلاحيّة، في المذاهب والحركات الإسلاميّة؛ والزّرادشتيّة، والبوذيّة، والفيدس من الهندوسيّة، والسّيخيّة، والبهائيّة، واليهوديّة، والبروتستانتية اللّبراليّة، والأرثدوكس، واللّوثريّة، والمشيخيّة، والمورمون، والمعمدانيّة، والموارنة، والصّابئة في الأديان؛ والبعثات العلميّة في عهد الإمام غالب بن عليّ، والثّقافة بين المجتمعين العماني والبريطاني، وذكريات رمضان في ظفار، والعلاقة بين عمان وفارس، وبين عمان وزنجبار، وبين عمان وجوادر في باكستان في التّأريخ والثّقافة العمانيّة وغيرها كثير، فهذه نماذج.
وممّا يسعدني أنّ البعض تواصل معي من دول مختلفة، جعلوا من بعض مواد القناة كمصدر في بحوثهم الأكاديميّة، لهذا دائما أوثق في كلّ مادّة اليوم والتّاريخ والمكان والسّاعة؛ ليسهل لهم التّوثيق، كما أنّ بعض المواقع والمجلات حوّلت بعض اللّقاءات إلى عمل مكتوب، وقمنا أيضا في تحويل بعضها كما في إضاءة قلم، والآن أنهينا توثيق كتاب المدرسة الزّيديّة، وقريبا نعمل على الأديان، ومشروع فكر صادق جواد، والشّورى والبرلمان.
بعيدا عن الرّسميات
أراد بدر العبري للقناة أن تكون قناة فردية وبعيدة عن التعقديات والقيود الرسمية. وفي هذا السياق يقول: أعمل في القناة بشكل شخصي، إلا أنّ هناك بعض الأخوة، وأخص منهم الأساتذة كمال اللّواتي وإبراهيم الصّلتي ومحمّد الخنبشي وهشام الإسماعيليّ، لهم دور في ترتيب الضّيوف وإضافتهم، وإدارة التّصوير، كما لمنصة “وجيز” في الفترة الأخيرة، وأخص فاطمة بنت ناصر، دور في التّحويل إلى برامج صوتيّة وبعض الدّبلجة، فلهم جزيل الشّكر والامتنان.
أمّا الصّعوبات فهو أنّها تعمل بعيدا عن الرّسميات، وخوفا من التّقييدات القانونيّة الّتي قد تحدّ من حرية القناة؛ لأنّ الفكر والثّقافة لا يمكن أن تبدع فيها إلا إذا وسعت من دائرة الحريات، وكذا نحن نعمل بالهاتف، لهذا قد تطلبك مؤسسة للتّصوير، ثمّ لما تراك تصوّر بالهاتف تستهجن، وأحيانا يعتذرون لك مع أنّك تخبرهم سابقا، وهذا قليل، وطبعا القناة ليست مادية، لهذا نرفض المساعدات الماديّة؛ لأنّها شخصيّة، والهدف توصيل الفكرة حاليا، ولعلّ في المستقبل تتطور إلى مشروع أكبر كما نرجوه لها متى ما اتسعت الحريات بشكل أكبر بإذن الله تعالى، واعتمدت على ذاتها.
تعدد التوجهات والضيوف
انطلاقا من رؤيته في إيجاد فضاء حوار حر وخلاق، يحرص بدر العبري على التنوع في اختيار ضيوفه ومواضيعه النقاشية، بغية الوصول إلى المعلومة من مصادرها الأصيلة. يشرح بدر العبري هذه الرؤية قائلا: سيجد المتابع تعددا في الضّيوف من الخليج والشّام والمغرب العربي وإيران وأمريكا وباكستان وبريطانيا وغيرها، وحاليا نعمل لتوسعة الاستفادة من شبه القارة الهنديّة وأفريقيا في جزئها الآخر وشرق آسيا وباقي أوروبا.
وسجلنا حتى الآن بالنّسبة للأديان مع خمسة عشر ديانة، مقابل حلقة فلسفة الأديان، والتّعايش بين الأديان، واستثمار التّعدديّة الدّينيّة، وإشارات إلى الأديان في إيران وشبه القارة الهندية والبحرين وغيرها، والأصل هذا الصّيف أن نسجل مع ديانات الهند، إلا أنّ وضع كورونا قد لا يسمح بذلك، ومع ذلك نحاول أن نستغل منصة zoom، وسجلت عن طريقه قريبا مع الكنيسة المارونيّة، وقريبا خاطبت النّسطورية من المسيحية، والقبطيّة الكاثوليّكيّة، والأرمن، وعسى نكمل مشروع الطّوائف اليهوديّة والهندوسيّة والسّامريّة والكاكائيّة والإيزدية والشّبك وغيرهم.
وأيضا نسعى لإكمال الطّوائف والحركات الإسلاميّة والطّرق الصّوفيّة، وقريبا نسجل مع الدّروز والإسماعيليّة والإماميّة، كما نرجو التّسجيل في القريب مع النّصيريّة والأحمديّة والذّكريّة والقرآنيّة والشّيخيّة الإحسائيّة والسّلفيّة التّيميّة والنّجديّة وغيرها. كما نسعى لتسجيل حلقات مع الاتجاهات الأخرى كالرّبوبيّة واللاأدرية والحركات اليمينيّة واليسارية ونحوها.
وبعد الأديان سنذهب، بعون الله، إلى فلسفة اللّغات القديمة والمهتمين بها كالكنعانيّة والعربيّة القديمة والآشوريّة والآراميّة والمهريّة والسّريانيّة والأمازيغيّة والعِبريّة واللّغة الإيرانيّة القديمة والسّنسكريتيّة وغيرها، وهذا مشروع مستقل بذاته، عسى الله يوفقنا فيه.
التحول إلى مشروع بحثي
وتطرق بدر العبري للحديث عن مسألة البحث عن الضيوف وقبولهم للحوار، فقال: أغلب الضّيوف يتقبلون الفكرة، والحمد لله، وكنّا في السّابق نحن نسعى لاستقطاب الضيف، أما الآن فالعديد يطلبون بأنفسهم تسجيل حلقة معه، أو يرشدنا إلى شخص ما. كما أنّ العديد من المتابعين يقترحون أو يأتون بشخصيّة، وبعضها مؤسسات، خصوصا لمّا يأتي ضيف إلى عمان، يطلبون تسجيل حلقة حوارية معه، ولقيت قبولا كذلك من المراكز والمعابد الدّينيّة، ويرحبون بذلك، وبعثت لي بعض الرّسائل الّتي تحمل الشكر، عدا بعض الطّوائف ترفض التّسجيل إلا حوارا مغلقا، كما في شهود يهوه والهندوسيّة القديمة والسلفيّة التّقليديّة.
ومع هذا توجد صعوبات وهي قليلة ونادرة، كأن يرغب بعضهم في مقابل مادي، وبعضهم تعوّد على الاستوديو والكامرات والأضواء فيتفاجأ أن يصوّر بهاتف بسيط، كما أنّ هناك عائق اللّغة، ومع هذا، والحمد لله، نجد متطوعين للتّرجمة، وهناك مراكز بحثّية خصوصا في الغرب ترحب وتشجع عندما ترى العمل والتّصور البحثي.
ويختتم بدر العبري حديثه مسلطا الضوء على جانب مما يقوم به حاليا، موضحا هدفه المستقبلي بتطوير القناة لتصبح مشروعا بحثيا متنوعا فيقول: من أجل الاستفادة نقوم حاليا بنشر بعض الومضات من المواد كمقاطع قصيرة ننشرها في منصات وسائل التّواصل الاجتماعي المختلفة، وقد لقيت قبولا، والحمد لله تعالى. والقناة هدفها أن تتحول إلى مشروع بحثي، سيجد المتابع ضالته في العديد من الجوانب، ومن لسان أصحابها، وهو عمل توثيقي يحمل عمرا أطول، بإذن الله تعالى. وفي الختام أشكر الرّسائل المشجعة الّتي تصل عبر وسائل التّواصل وعن طريق الاتصال، ورغم بساطة العمل إلا أنّ هناك من يعشق الثّقافة والفكر ولو كانت المائدة المقدّمة بسيطة، كما أشكر لمجلة التّكوين إتاحة هذه الفرصة.
قناة “أنس”:
www.youtube.com/channel/UC9oSe9QIoJhRF8Y134wAYQQ