أصدرت نائلة بنت محمد بن علي البرواني ديوانا شعريا بعنوان “وصابا بعد التسعين”، كتبتها باللغة السواحيلية وتولى ترجمتها الشاعر محمد قراطاس، وأهدت الديوان “إلى عائلتي وأبنائي وأحفادي حفظكم الله، ووفقكم إلى كل خير. أسأل الله أن يذيقكم حلاوة محبته وذكره؛ ُ فهو سبحانه السامع لمن ناداه، والمجيب لمن دعاه”.
ويصف الشاعر قراطاس ترجمته لهذا العمل من خلال كلمة قصيرة عشت أيامًا جميلة ومليئة بالصفاء الروحي مع الشاعرة نائلة البرواني من خلال نصوصها متأملًا هذه الروح الصادقة التي تحاول الوصول إلى دائرة الرضا الإلهي من خلال الإخلاص في التواصل، والإخلاص في العمل”.
يتضمّن الديوان “مجموعة من القصائد والابتهالات الدينية، والتي بدأت كتابتها عندما بلغت التسعين من عمرها، وهي قصائد تمثل وتلخص حبها لله -سبحانه وتعالى- وأشواقها لنعيمه الخالد. كما أن الديوان يعبّر كذلك عن تقبلها لتقلبات الحياة، وإدراك حقيقة أنها فانية وزائلة.”، تقول في نص بعنوان “الدنيا قصيرة”:
يا إله الكونِ شكرًا أنْتَ من عمَّرتني في الخير تسعين سنةْ
عشتُ فيها حالة الأحزانِ والأفراحِ عامًا بعدَ عام
كلُّها مرَّتْ بواسع رحمتك.. أنتَ من علَّمتني بالشوقِ منزلتي لديك.
مرَّ عمري في حسابي مثل يوم
مرَّ أحلامِ الطفولةِ مسرعًا واجتازَ ريعانَ الشباب
غيرَ أنَّ الآن ذاكرتي تراهُ مثلَ الشمسِ واضح.
رحلتي كانتْ طويلة.. من بعيدٍ جئتُ والآن اقتربتُ
ربِّ فارزقني البصيرة واهدني خيرَ العملْ
لأرى الواقعَ فهمًا ويقينًا أنَّ مرجعنا إليك
تمتاز نصوص الديوان بالخطاب الإيماني والتجلّي الروحي، والنظرة إلى الحياة الدنيا الفانية بما هي عليه من دنو مقابل حياة سرمدية، مع رؤية لاندفاع الناس على ما هو فان، تقول الشاعرة:
انظر للناس وللشهوات
كم منهم من أدمن شهوة!
كم منهم من عبدَ هواه!
فإذا فقدَ الخيرَ تمرَّدَ
واستسلمَ للكفرِ وتاه
وتصف حال المؤمن المتمسك بطريق الإيمان:
والمؤمنُ يرزقه اللهُ فيشكر
وإذا ابتُليَ تصبَّرَ.. وتوكَّل
يرجو التيسيرَ من اللهِ
فالصبرُ
يقدّرهُ المنَّان.
المؤمنُ يعلم أنَّ الله قريب
أنَّ اللهَ حبيب
سيزيحُ الهمَّ ويُنجيهِ.
فاللهُ رحيمٌ وكريمٌ
ومزيلٌ لهموم عباده
والسائلُ مهما يتألَّم
قد وعد الله إجابتهُ
والوعدُ إلهيٌّ فاعلم.
والمؤمنُ سيعيشُ سعيدًا
بيقين الإيمان الصادق
فالله كريمٌ بعباده
والمؤمنُ لا ينسى ربَّه
وتقول في تجلّ آخر:
يا حليمًا لا تباعدني وقرّبني إليك
اسقني كأسَ المحبَّةِ واليقينَ بجنتيك
وابعد الوسواسَ عنّي إنني بين يديك.
نوِّر القلب بحبّك.. واكسني من ضوء نوركْ
لا تكلني يا إلهي لأحدْ
أبعد الشهوات عنِّي، واكسر الدنيا بعيني.
ولدت المؤلفة نائلة البروانية في زنجبار عام 1927م، وهي مثال للسعي نحو العلم والمعرفة والتفاني من أجلها، وكما جاء في التعريف بها في الكتاب فقد أكملت دراستها إلى الصف السادس الابتدائي، وفي عمر 14 سنة تحمّلت مسؤوليات الزواج في تلك السن المبكرة، ولكنها لم تتوقف قط عن مواصلة مسيرة التعلم، ويعود الفضل في ذلك إلى أنها نشأت، وتربّت في بيت علم ومعرفة فوالدها هو الشيخ محمد بن علي بن خميس البرواني صاحب مقامات أبي الحارث ذائعة الصيت في فن المقامات في الأدب العربي.
في منتصف العشرينيات من عمرها نشرت باللغة السواحلية أول أعمالها الروائية بعنوان «Usinisahau»، وتعني باللغة العربية «لا تنسني»، والتي حظيت بترحيب وحسن استقبال على المستوى الوطني والدولي باعتبارها أول كاتبة للرواية القصيرة باللغة السواحلية؛ ونتيجة للتأثير الإيجابي الواسع الذي أحدثته الرواية قامت إذاعة راديو زنجبار ببث الرواية بشكل متسلسل في عقد الخمسينيات، وفي الستينيات نُشرت الرواية رسميًّا في مجلة معهد البحوث السواحلية في دار السلام (المجلد 36 العدد 2)، كما أشارت لهذه الرواية الباحثة إيزابيلا جوانا رومانزوك في بحثها الموسوم «بناء هوية المرأة في الرواية التانزانية». كما حظيت الرواية بترحاب دولي عندما أشار إليها بإشادة لافتة الدكتور لورينكو نورانها المحاضر في الأدب السواحلي في معهد الدراسات الإفريقية في جامعة فيينا في كتابه باللغة الألمانية بعنوان «مقدمة في الأدب السواحلي»، وتلت ذلك عبارات الشكر من العالم الفرنسي خافيير جارنيير في كتابه «الرواية السواحلية»، وكذلك من كل من كولييت لو كو جراندميسون وإيريل كروزو في دراستهما الموسومة «زنجبار اليوم».
الكاتبة تعيش حاليًا في بلدها عمان وبين أبنائها وأحفادها، واللافت أنها الآن في العقد التاسع من عمرها، ولكنها لا تزال تكتب بنشاط؛ ومن بين أعمالها الحديثة «راحل هو الأمس» (2011)، ومذكرات قصيرة عن زوجها بعنوان «أتذكَّر هذا الرجل» (2016)، وهو العمل الذي كتبته باللغة الإنجليزية أملًا منها أن تتمكن ذريتها الذين أهدتهم هذا العمل ممن لا يتكلمون السواحلية من قراءة العمل، ومعرفة كيف يكون الزوج القدوة والأب المثالي.