إصداراتنا

“لبان” تحتفي بجسور متداعية للدكتور سعيد السيابي

استضافت دار لبان النشر في لقائها الثقافي الشهري أ.د. سعد التميمي، أستاذ البلاغة والنقد في الجامعة المستنصرية العراقيّة، في جلسة لمناقشة رواية د. سعيد السيّابي الجديدة (جسور متداعية) الصادرة عن الدار، وقدم التميمي ورقة حملت عنوان ” سرديّة التحوّل في جسور متداعية”.

وأشار التميمي إلى الرواية بما تضمنته من محوري السيرة والرحلة، التي بدأها بطل الرواية من مسقط لينتقل بين عدّة مدن: دبي والبحرين والكويت والقاهرة ودمشق، وبيروت، وباريس، واسطنبول، مشبّها هذه الرحلة التي قام بها بطلها (سيف) برحلة كلكامش بحثا عن حلم يسكنه، وواقع يلبّي طموحاته في مرحلة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، ثم انتقل للحديث عن تمثّلات تيّار الوعي في الرواية، من خلال خطاب الراوي وتحوّلاته، والتجارب التي خاضها في تلك المدن، وتحدّث عن دلالات الجسور التي كانت تقطع ولا توصل البطل إلى مبتغاه فهي (جسور متداعية) ومن هنا جاءت ثيمة العنوان،  وتطرّق إلى استحضار التاريخ العماني وارتباطه الروحي بالمكان الأول الذي كان يتوق إليه أينما حلّ، علما بأن التاريخ العماني ثيمة مشتركة في أعمال السيابي، فروايته  الأولى (جبرين وشاء الهوى) عام 2016م تتحدّث عن حصن جبرين الذي بناه الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي (بويع إماما سنة 1679 م)، ليكون سكنه الخاص، ويتطرّق إلى أحداث تاريخية دارت في القصر، وتتحدّث الثانية (الصيرة تحكي )، عن الاحتلال البرتغالي لعُمان في الفترة التاريخية 1506، و1648 م، وقتال العمانيين للبرتغاليين وطردهم من أرضهم، وتتناول الثالثة( جابر: الوصيّة الأخيرة) حياة التابعي والفقيه جابر بن زيد  (642- 712م).

وأضاف الناقد سعد التميمي إلى أن السيابي لم يبتعد عن التاريخ العماني، لكنه لم يتطرّق إليه بشكل مباشر، خصوصا أنّ معظم الأحداث تجري خارج عمان، فقد ترك السيابي لبطل روايته أن يروي صفحة مضيئة من هذا التاريخ من خلال طوافه في عدّة بلدان، وفي هذا الطواف يسرد حكاية من تاريخ عمان الحديث من خلال رحلة شاب عماني إلى الخارج، هربا من واقع لم يكن مؤهّلا لتلبية طموحاته، فالبطل يعلم أنّ قريته الصغيرة التي تحمل اسما لا وجود له على الخارطة ( جبل الأفق الشرقي)، كانت في يوم من الأيام مركزا لصراع قوى النور، والظلام، وهو خلال توغّله في أحداث الحياة اكتشف” أنّ الأحداث الغامضة ليست سوى نتاج صراع قديم بين قوى النور، والظلام، وأنّ كلّ ما يحدث هو ذروة ما كان مشتركا بينها في الماضي” ولذا، فهو يجدها تقف عائقا بينه، وبين أحلامه كونها لم تعد تلبّي طموحات ” شاب في مقتبل العمر، وهو يسمع عن فرص الحياة خارجها” لذا غادرها إلى مسقط حاملا بيده حقيبة صغيرة بدشداشة واحدة، ثم ركب سفينة خشبيّة توقّفتْ في  دبي، والبحرين، الكويت، وصولا إلى القاهرة، ويواجه ظروفا صعبة في الأماكن التي يقيم فيها، فيجد نفسه قد زُجّ في صراعات داخليّة تجري في تلك العواصم، خلال أحداث الرواية التي تجري في حقبة الستينيات، حيث الحركات الوطنية في المدن التي زارها كانت في قمّة نشاطها، واعتاد حين تتأزّم الأمور، أن ينتقل إلى عاصمة أخرى، وهكذا يحطُّ الرحال في دمشق ثم ينتقل إلى بيروت ومنها إلى باريس واستانبول، ورغم كلّ ذلك يظلّ مشدودا إلى قريته، وبلاده بحبال سرية، فالجسور التي أوصلته إلى هذه المدن ستتداعى وتختفي، ومن هنا يأتي عنوان الرواية، فـ”جسور متداعية” يشير إلى أن تلك الجسور التي عبر من خلالها إلى العالم الخارجي، كانت هشّة، وضعيفة البناء.

ورغم دخول بطل الرواية في علاقات نسائيّة حاولت إخراجه من عزلته، وفراغه الوجداني، وخوضه للعديد من التجارب، وانخراطه في الدراسة والعمل، يبقى ينقصه شيء، كشف عنه في الصفحة الأخيرة من الرواية، إذ يقول الراوي الذي هو البطل “كنتُ بحاجةٍ ماسةٍ لأن أتحرّك، لأن أستعيد تواصلي بالحياة، أن أفتح صدري للهواء الطلق من جديد، أستنشق عبق تاريخ عُمان”، وهنا يتسارع الحدث، ويلقي الكاتب مفاتيح الحلّ بين يدي بطله المأزوم، ليُخرجه من ضياعه،  فيقول على لسان البطل  “وصل لمسامعي بأن عُمان دخلت في أعتاب يومٍ جديد بتفاؤلٍ أنه سيُغيّر مجرى مصائر أهلها، وأن رياح الحرية التي بدأت تتنفسها اندفعت بطمأنينةٍ وهدوء.. ووصل صداها للعالم” ليعيدنا إلى يوم النهضة في 23 يوليو 1970 م فيقرّر العودة إلى قريته، من حيث انطلق، لتتداعى كلّ الفواصل التي جعلته بعيدا عن أرض الوطن، ليبدأ حكاية جديدة ينسج خيوطها على تراب الواقع الجديد.

لقد وضع الكاتب في أولى عتبات الرواية جملة يقول فيها “شخصيات هذه الرواية ليست واقعية، إنما هي انعكاس لخيال تدّثر بحكمة الواقع”، وقد أراد بهذه الجملة أن يعمّم الحكاية، ولا يحصرها ضمن نطاق ضيّق، فحكاية بطل رواية (جسور متداعية) هي حكاية كلّ شاب عماني تفتّح وعيه في الستينيات، وعاش تلك الأحداث التي انتهت بإشراقة فجر جديد أطلّ على عُمان.

حضر الفعالية نخبة من الأدباء والإعلاميين، وأدارها الشاعر والكاتب عبدالرزّاق الربيعي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق