العالم الياباني ماساكي إماي، مؤسس معهد كايزن العالمي في طوكيو، يقدم لنا ترجمته الحقيقية لكلمة “كايزن” والتي نقلت إلينا على أنها تعني “التحسين المستمر” إلا أنه أعطى لها تفسيرا أكثر شمولية، وأعمق في المعنى.
فكلمة “كايزن”، بحسب تعريف ماساكي، تتألف من مفردتين في اللغة اليابانية، وهما: “كاي” وتعني: التغيير، و “زن” وتعني: للأفضل.
ولذلك تمت ترجمتها إلى التحسين المستمر، إلا أن ماساكي يرى أن هذه الترجمة ليست كافية لتغطية معاني كل ذلك النظام الياباني الهائل الذي استطاع أن يساعد اليابان للنهوض بها في تحقيق المعجزة الاقتصادية الكبرى بلا موارد طبيعية.
فنظام “كايزن” في حقيقته وبحسب التعريف الذي يقدمه ماساكي هو مشروع إداري تغييري ضخم تقوم به أية مؤسسة ترغب في بناء استراتيجية عليا للتحسين والتطوير. ويقوم هذا المشروع على ثلاثة مستويات:
المستوى الفردي: ويعني به التحسين المستمر الذي يقوم به جميع العاملين في المؤسسة ابتداء من رأس الهرم وهو أعلى سلطة في المؤسسة إلى أدنى وظيفة فيها. فلا يقتصر التحسين فقط على العاملين في إنتاج المنتج أو تقديم الخدمة. بل لابد أن يشمل مشروع التحسين والتطوير كبار المسؤولين بالمؤسسة من وزراء ووكلاء وكبار المديرين إن كانت مؤسسة حكومية.. أو مجلس الإدارة والرؤساء التنفيذيين وكبار المديرين في المؤسسة الخاصة، وذلك في تنويع طرق وأساليب إدارتهم لتلك المؤسسة بما يحقق المناخ التنظيمي الملائم للإبداع والابتكار.. ثم تسري هذه العملية بسلاسة إلى العاملين في معامل الانتاج ومواقع تقديم الخدمات من خلال ابتكار أساليب جديدة لزيادة الانتاج وتحسين تقديم الخدمة وتجويدها بما يحقق اعلى درجات الرضا لدى العاملين والعملاء وأصحاب المصلحة معا.
المستوى المكاني: ونعني به أن لا تقتصر عمليات التحسين والتطوير على أماكن التصنيع ومعامل الإنتاج فقط، بل تشمل كل العمليات الإدارية والفنية التي يمر من خلالها المنتج أو الخدمة ابتداء من مرحلة التصنيع للمنتج أو ابتداء الإجراءات للخدمة إلى أن تصل إلى يد العميل. فمعمل الإنتاج ومراكز استقبال العملاء ومواقع التخطيط الاستراتيجي وصناعة القرارات والابتكار ومواقع عرض وتقديم المنتج أو الخدمة وخدمات البيع والتعامل مع العملاء وهكذا.
فكل موقع في المؤسسة لابد أن يشمله نظام التحسين. ابتداء من غرفة الحارس وموقع خدمة عامل النظافة وحديقة المصنع أو المؤسسة ومكتب رئيس مجلس الإدارة وموقع إنتاج المنتج وغيرها من الأماكن المتعددة في المؤسسة يجب أن يشملها نظام التحسين.
المستوى الزمني: ونعني به استمرارية هذا التحسين والتطوير الذي نتحدث عنه كنظام هائل يجب تطبيقه في المؤسسة من أجل الوصول إلى مرحلة عليا من تجويد المنتج أو الخدمة. فلا يحدد له زمن معين ولا وقت محدد. لأن المتغيرات مستمرة والتحديات متجددة.
إن كل يوم عمل في أية مؤسسة لابد أن يحدث تحسينا في المنتج أو الخدمة وتقليلا في التكلفة وزيادة في العائد الاستثماري وارتفاعا في معدل رضا العاملين وزيادة في ثقة العملاء والمستثمرين.
إن من أهم مؤشرات الثقافة التنظيمية في المؤسسة التي تتبنّى استراتيجية التطوير والتحسين أن أي موظف فيها لا يقوم بعمل اليوم بذات الطريقة والأسلوب الذي كان يستخدمه بالأمس. بل لابد أن يضيف إليه أسلوبا جديدا يحسّن من الأداء ويقلّل من التكلفة، ويضيف قيمة مضافة إلى المنتج أو الخدمة. وهذه العملية من التحسين مستمرة وثابتة وبدون توقف أو تغيير مما يحفّز لديه مكامن الابتكار وطاقات الإبداع المدفونة في عقله الكبير.
فهل يا ترى نحن بحاجة إلى تطبيق مبدأ “كايزن” في كافة مؤسساتنا الحكومية والخاصة من اجل الوصول الى تحقيق معجزة اقتصادية تحاكي معجزة اليابان وتتلمذ على يديها؟.
إن بوادر ومؤشرات القرارات الحكومية الأخيرة وهي في معمعة مواجهة أسوأ ازمتين مرت متزامنة على السلطنة لتنبيء بحراك جديد وعملية تحسين وتطوير ضخمة. إننا نأمل في انتاج مؤسسات حكومية رشيقة تتبنى استراتيجية التحسين والتطوير هذه. ومؤسسات قطاع خاص مبتكرة ومنتجة على أعلى المستويات. ومجتمع قادر على رفد السوق المحلي بكوادر بشرية مبدعة لنحقق بذلك كله ما نصبو اليه من اهداف استراتيجية عليا احتوتها رؤية عمان 2040م.