مقالات
لا صحة لما يتداول
حسن المطروشي
يحبس العالم أنفاسه هذه الأيام، ويقف الجميع متفرجا على المشهد المرعب الذي تمر به البشرية جراء الصدمة الهائلة التي حدثت لها بفعل جائحة الوباء التاجي المسمى كورونا كوفيد 19، الذي أربك الموازين، وغير المعادلات، ما جعل البعض يتنبأ بأن العالم بعد كورونا لن يكون هو العالم الذي قبله. هذا الفيروس المخاتل والمراوغ الخطير، المدعو كورونا التاسع عشر المستجد والمستبد، بقدراته التدميرية الخارقة، جعل مؤسسات العالم تقف على قدميها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البشر الذين بات يهددهم في كل لحظة، دون سابق إنذار. فها هي ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية تعترف أمس في كلمة لها أن بلادها واجهت في الماضي تحديات كثيرة، لكن وباء (كورونا المستجد – كوفيد 19) مختلف عنها.
بكل تأكيد إنه الوباء الأكثر اختلافا وأشد فتكا، وليس أدل على ذلك من هذه الأرقام الفلكية التي يسجلها عدد الإصابات والوفيات يوميا حول العالم، وكأننا نشاهد شاشة بورصة الأسهم في أسواق المال العالمية، التي تعطلت وبات مؤشر حالات كورونا هو الأوفر نصيبا بالمتابعة والتقصي على كل المستويات.
ولعل مقارنة بسيطة بالأرقام التي رصدتها المؤسسات الصحية حول العالم، خلال يومين، تكشف لنا جانبا من انتشار هذه الجائحة وتفشيها على نحو غير مسبوق. فقد بلغ عدد الإصابات يوم أمس الأحد الخامس من أبريل 1,203,923، وارتفع العدد اليوم الاثنين ليبلغ 1,283,432 مصابا. فيما بلغ عدد الوفيات يوم أمس الأحد 64,695 شخصا، وارتفع اليوم ليصل إلى 70,203 شخصا. أي أن معدل الارتفاع بواقع عشرات الآلاف من الإصابات وآلاف الموتى يوميا حول العالم. وربما أن هذه الأرقام التي نستعظمها اليوم ونراها كبيرة، سنراها ضئيلة بعد أيام إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
ولكن ما يدعو للاستغراب والأسف أنه في ظل هذه الأوضاع المأسوية التي تعيشها الأوطان والشعوب على حد سواء، يوجد من لا يردعه أي وازع من دين أو ضمير أو وعي أو أخلاق، فيسعى لنشر الإشاعة وبث البلبلة واختلاق الإفك والأكاذيب التي يبثها بين الناس لغايات وأهداف في مجملها دنيئة ومدمرة. وكأن الناس ينقصها مزيد من الأخبار السيئة والمفبركة التي تطلقها خفافيش الظلام. فكم من الإشاعات والأخبار الكاذبة التي نشرت وراجت على صعيدنا المحلي في السلطنة، خلال الأيام الماضية، في ظل وجود هذه الجائحة.
وجريا على رأي المقولة أن “الإشاعة يؤلفها الحاقد وينشرها الأحمق ويصدقها الغبي”، فما أكثر الحمقى والمغفلين الذين يتلقون كل ما يصل إليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويتلقفونه كأنه حقيقة مسلم بها لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، دون أدنى تدقيق أو تمحيص. والأدهى من ذلك أنهم يقومون بتمريرها والمساهمة في نشرها على الفور، وكأنهم يرجون من ذلك الثواب والبركة.
إننا يتوجب علينا أن نتحلى ولو بقليل من التريث وعدم الاستعجال في نشر كل ما يصلنا عبر الواتس آب وغيره. وأن نكون أكثر وعيا ونضجا في تعاملنا مع هذه الأخبار المجهولة المصدر، وأن لا نتسرع في نشر أي معلومة تصلنا ما لم نتأكد من صحتها من خلال مصدر موثوق أو تصدر عن الجهة الرسمية المختصة. إن المسألة سهلة جدا، وليست بتلك الصعوبة. إن كل ما يتطلبه الأمر هو التريث وعدم الاستعجال والسعي للحصول عن المعلومة من مصادرها الصحيحة. وبذلك يكون المرء قد حمى أسرته ومجتمعه ووطنه من نشر الشائعات الخبيثة والأخبار المضللة والمغرضة، وحمى نفسه من الوقوع في المحظور والتعرض للمساءلة القانونية.
إن هناك مؤسسات تسهر على صون المجتمع وتحصين الوطن ضد هذه الشائعات التي نشطت بوضوح مستغلة الوضع الاستثنائي الذي نمر به جميعا في ظل هذه الجائحة. وقد ساهمت هذه المؤسسات في كشف هذه الإشاعات ودحضها والرد على شبهاتها وإبطالها وفضحها فور صدورها أولا بأول. فكم قرأنا الردود والتنبيهات والتوضيحات والتفنيد للإشاعات المتعددة تحت عنوان بيتنا نحفظه جميعا ألا وهو (لا صحة لما يتداول). وهذه المؤسسات تتطلب منا جميعا التكاتف والتعاون في التعامل مع الإشاعة والحيلولة دون انتشارها.
كما أن المؤسسات القضائية والقانونية قد اتخذت التدابير اللازمة في مواجهة هذه الحملة من الإشاعات المغرضة، ووضعت الضوابط والقوانين، وقامت بتتبع بعض الحالات وتقديمها للعدالة. ففي البدء قام الادعاء العام بتشكيل لجنة لمتابعة الجرائم المتعلقة بفيروس كورونا كوفيد 19، ثم أكد الادعاء العام لاحقا بأنه “ماضٍ في اتخاذ الإجراءات القانونية حيال التجاوزات التي رُصِدت – وتُرصد- في مواقع ووسائل التواصل، كما يدعو الجميع للإبلاغِ عن التجاوزات لأي تدابير مُقرَّرة لمُكافحة مرض فيروس كورونا المُستجِد، وتجنُّب نشرها أو إعادة إرسالها، وإن اعتقد صحتها”.
وفي خطوة لاحقة أعلن الادعاء العام “عن ضبط 9 أشخاص من ناشري الشائعات والتحقيق معهم وحبسهم احتياطيا”، ليتبع ذلك بالإعلان عن “صدور حكم بالسجن والغرامة 1000 ريال في قضية نشر شائعات تتعلق بمرض كورونا”. كل هذه الإجراءات والإعلان عنها بهدف توعية المجتمع من الوقوع في فخ الإشاعة ونشرها، وكذلك توجيه رسالة واضحة لمن تسول له نفسه، بأن يد العدالة ستطاله وستأخذ القوانين مجراها.
ولعلني في ختام هذا المقال أستشهد بمقتطفات من حوار أجريته سابقا لمجلة “التكوين” مع العميد الركن متقاعد الدكتور علي بن عبدالله الكلباني، وهو المتخصص في قضايا الإشاعة والإعلام والحرب النفسية والشؤون المعنوية. ونظرا لأهمية ما تطرق إليه الحديث في هذا المقام أسوق هنا جانبا منه، إذ تطرق الحديث في جانب منه إلى موضوع الإشاعة وأثرها ووسائل مواجهتا فقال: شخصيا أشعر أن كثيرًا من الناس ليست لديهم حصانة من الإشاعة واختراقها، لاسيما مع تطور وسائل نقل الإشاعة وترويجها. سابقا كانت الكلمة المباشرة أو المشافهة هي الوسيلة الأساسية لانتقال وتوصيل الإشاعة، بالإضافة إلى الإشاعة المكتوبة، وفي حدود ضيقة. أما الآن فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قنوات خطيرة وهامة جدا في نقل الإشاعة وترويجها على أوسع نطاق وفي سرعة فائقة.
وأضاف الدكتور علي الكلباني موضحا أن أغلب المجتمعات تقريبا ليست مهيأة دائما لتفنيد الإشاعة ورفضها والتعامل معها بوعي وإدراك. لإن الإشاعة دائما تعتمد على عنصرين مهمين جدا في التأثير على المتلقي، وهما الأهمية والغموض. فكلما كان الأمر غامضا، وكلما كان مهما للإنسان ساعد ذلك في سرعة انتشاره ورواجه بين الناس.
وأوضح العميد متقاعد قائلا أن ما يجري هذه الأيام أمر في غاية الخطورة، لأن تناقل الإشاعات يتم بشكل يومي تقريبا، لاسيما عن طريق خدمة الواتس آب. وهنا أود التأكيد على ضرورة تحري الدقة ومدى صحة المعلومة والثقة في المصدر قبل تمرير المعلومة إلى شخص آخر، لأن ما يجري تناقله من الإشاعات، قد يكون بهدف تحقيق مآرب وأهداف شخصية، وقد يكون نتيجة نقمة شخص معين على جهة ما، وربما يستهدف النيل من مؤسسة حكومية أو شخص بعينه، نتيجة مأرب أو خلاف شخصي مثلًا وما شابه ذلك. وقد يكون مصدر الإشاعة خارجيا يستهدف النيل من أمن البلد واستقراره.
وأشار الكلباني إلى أن الذي يطلق الإشاعة يتحين الفرص، ويختار الوقت المناسب لنشرها وترويجها، مثل أوقات غلاء الأسعار، كما يحصل الآن في ظل الظروف التي تواجهها معظم الدول بسبب تدني أسعار النفط، وهو ما يستغله المغرضون استغلالا بشعا. وهنا يجب على المرء أن يتحلى بالوعي الكافي ويتحرى الدقة وأن لا ينساق وراء أية إشاعة أو ما يتم تداوله دون التأكد من صحة المعلومة أو خطئها. وكما هو معلوم أن الخبر أو المعلومة التي تتضمنها الاشاعة تتغير وتتعرض للتعديل والإضافة خلال عملية النقل من شخص لآخر، وكل يضيف ما يحلو له.
ونبه العميد الركن متقاعد الدكتور علي الكلباني الجهات التي تُشن عليها الإشاعة بأنه يتوجب عليها أن تتعامل معها بوعي وأسلوب علمي صحيح. لأن الرد المباشر على الإشاعة وتكرارها من شأنه أن يؤججها ويؤدي إلى انتشارها بشكل أكبر.
وأخيرا نقول أن التعامل الواعي من قبل الجهات المعنية وتكاتف أفراد المجتمع يمثلان شقي المعادلة التي تحقق التماسك المرجو وتمثل الدرع المتين للوطن والفرد والمجتمع، في وجه جميع المتربصين وأصحاب الأهواء والأغراض والأطماع المختلفة.