مقالات

نظام إدارة المؤسسات الجديد هولوكراسي (Holacracy)

كتب: علي الحامدي

تمهيد

البيروقراطية إطار تنظيمي ضارب بجذوره في المؤسسات العامة والخاصة منذ بزوغه على يد العالم الألماني الكبير ماكس فيبر (1920)، مؤسس علم الاجتماع الحديث والإدارة العامة في مؤسسات الدولة وإلى اليوم. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهها هذا النظام نتيجة التغييرات والتحديث والتكنولوجيا إلا أنه لم يتم تغييره بشكل جذري أو استبداله بنظام آخر أكثر حداثة. إن سر بقاء هذا النظام هو في عدم وجود نظام بديل يمكن أن يغني في التنظيم الوظيفي للمؤسسات العامة والخاصة. لكن بالرغم من كل ذلك فإن البيروقراطية بحاجة مع الزمن إلى التحديث المستمر حتى تواكب المتغيرات وتتمكن من الصمود في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع الذي يكاد يقضي على التنظيم الهرمي المؤسسي لتحل محله أشكال ونماذج أخرى أكثر مرونة وفاعلية.

نظام هولوكراسي (Holacracy) أحد الأنظمة الإدارية الحديثة والمغايرة تماما للتسلسل الهرمي للوظائف والمعتاد والثابت في النظام البيروقراطي. يأتي هذا المقال ليسلط الضوء على مفهوم هذا النظام الإداري الجديد وأبرز ملامحه وهل تم تطبيقه بالفعل؟ وما هي أبرز التحديات التي ظهرت أثناء تطبيقه؟ وهل يمكن تطبيقه في مؤسساتنا العامة والخاصة؟.

مفهوم نظام هولوكراسي (Holacracy)

 يعتمد هذا النظام على أسلوب الإدارة الذاتية المحوكمة إداريا وتنظيميا من خلال توزيع السلطة والقرار لكل عضو (الموظف في النظام البيروقراطي) في هذا النظام بغض النظر عن الدور الذي يقوم به. ولذلك يختلف عن النظام البيروقراطي الذي يمركز السلطة والقرار بيد الإدارة العليا التي لها حق التفويض ومنح الصلاحيات لمن تثق بجدارته للقيام بالمهام المطلوبة. ويتبع نظام الهولوكراسي طريقة التسلسل الكلي الفرعي للأدوار بحيث يقوم كل عضو فيه بدور مستقل وتجتمع الأدوار المتشابهة في دائرة صغرى تجمعها دائرة كبرى. والدوائر الكبرى تمثل المنظمة ككل.

أبرز ملامح نظام هولوكراسي (Holacracy)

يتم تنظيم العمل في النظام الهولوكراسي بطريقة مختلفة تماما عن النظام البيروقراطي السائد في أغلب منظماتنا الحكومية والخاصة.  فالنظام الهولوكراسي يقوم على أربعة أسس:

  1. ليس في هذا النظام وصف وظيفي. ولذلك يستعاض عن الوصف الوظيفي بما يسمى الدور الوظيفي. والدور الوظيفي هو عبارة عن نموذج يعد ويحدد فيه اسم الدور والغرض منه بما يلبي احتياجات المنظمة. ويمكن للشخص الواحد أن يقوم بأكثر من دور في أي وقت. ويتم تحديث الأدوار بشكل ديناميكي ومستمر داخل الدائرة الواحدة بشكل جماعي يومي وبشكل منتظم بحسب احتياجات المنظمة. ولذلك يعتبر الثبات عنصرا مهما في النظام البيروقراطي بينما التغيير عنصر ثابت في نظام الهولوكراسي.

  2. كيف تدار العملية الإدارية داخل الدائرة الواحدة. كل دائرة تستحدث عملية إدارية محددة بأدوارها وسياستها الخاصة. وتجدد تلك العملية الإدارية باستمرار عن طريق ما يسمى بصنع القرار التكاملي. وعملية صنع هذا القرار لا تعتمد على توافق الآراء ولا على إقرار النظام العام للمؤسسة. بل يتم من خلال دمج المدخلات ذات الصلة من كل الأعضاء والتغييرات الحادثة والاعتراضات بما يتوافق مع احتياجات المنظمة ووفق قواعد الدستور المحوكم لكل الأدوار داخل المنظمة.  

  3.    طريقة توزيع الأدوار في الدائرة الواحدة والدوائر الكلية المشكلة للمنظمة.

تتم هيكلة الأدوار المختلفة في هذا النظام على هيئة دوائر. فكل عضو له دور محدد يتصرف فيه باستقلالية تامة. وتجتمع الأدوار المتشابهة في دائرة محددة مثل دائرة التسويق مثلا. ترتبط الأدوار بعضها ببعض من خلال رابط رئيس في كل دائرة محددة، ورابط تمثيلي بين الدوائر الأوسع. ويتم ذلك كله من خلال الاجتماعات الإدارية المستمرة سواء بين أعضاء الدائرة نفسها أو بين ممثليها وممثلي الدوائر الأخرى.

  1. كيف تتم العمليات التنفيذية؟. بالنقيض عن العمل الإداري في النظام البيروقراطي نجد أن العضو في النظام الهولوكراسي له الكثير من الحرية والاستقلالية في اتخاذ الإجراء الذي يراه مناسبا لأداء الدور المسؤول عنه ما لم يتعارض ذلك القرار مع سياسات إدارية عامة أو إنفاق من بعض أصول المنظمة. وبالتالي ليس العضو بحاجة إلى طلب الإذن من رؤسائه في التصرف والابتكار. يعقد في العادة اجتماع تكتيكي أسبوعي لكل الأعضاء في الدائرة الواحدة من أجل تبادل المعلومات وتحديث البيانات الخاصة بأدوار كل عضو وفتح باب الحوار والنقاش بين الأعضاء.

التطبيقات العملية لهذا النظام:

بريان روبرستون مؤسس شركة برناري للأنظمة في بنسلفانيا في عام 2007 ، Badal, Jaclyne  (April 23, 2008)، أول من قام باختراع وتجريب هذا النظام من خلال تطبيق بعض أشكال الديموقراطية  للحوكمة التنظيمية التي عرفت فيما بعد بنظام الهولوكراسي . قام روبرستون كذلك بوضع مجموعة من القواعد المحوكمة لهذا النظام الإداري الجديد أطلق عليها “دستور الإدارة الذاتية” وحدد في هذا الدستور القواعد العامة والمبادئ والقيم الأساسية وأهم الممارسات التطبيقية لهذا النظام. وتعتبر شركته من الشركات التي نجحت في تطبيق هذا النظام الجديد.

كما تم تطبيق هذا النظام من قبل منظمات ربحية أخرى مثل شركة زابوس وشركة ديفيد ألن (Groth, Aimee -2013) وغير ربحية مثل Conscious Capitalism  في الولايات المتحدة,   Doyle, Andy (2016)

أبرز التحديات التي واجهت هذا النظام: 

من أبرز التحديات التي واجهت هذا النظام عند تطبيقه، كما عبر عنه ( Culen Julia (2016،  “إنه مقاس واحد مناسب للجميع”، وإنه “يصلح لو كانت المنظمات تعمل بشكل آلي منتظم”. وهو بالفعل ما أكد عليه مخترع هذا النظام بريان روبرستون حينما قال: إن عمل الأدوار التي يقوم بها الأعضاء داخل المنظمة يشبه إلى حد ما نظام الخلايا في الجسم. فهي تعمل مستقلة لكنها تتناغم مع عمل الخلايا الأخرى وبشكل منتظم جدا. فهل يمكن أن يتحقق ذلك في المنظمة الواحدة التي يختلف فيها الأعضاء فكرا وثقافة وخبرة ومؤهلات ومهارات؟. 

ومن التحديات الأخرى العضو المنتظم فيه يشعر بأن هذا النظام يحاصره بمجموعة من البروتوكولات الصارمة التي تجعله يعمل بشكل منتظم في نظام معقد للغاية كما تقول جوليا كولن. 

ومن التحديات كذلك أن تطبيقه يتطلب تدريبا عاليا لكل الموظفين داخل المنظمة نظرا لكونه نظاما معقدا ويتطلب وقتا كبيرا للاستيعاب والفهم والتطبيق ولإعداد الدستور المنظم له. وهذا بحد ذاته مكلف جدا وخصوصا للمنظمات التي فيها الآلاف من الموظفين.

أبرز الإيجابيات والسلبيات في تطبيق هذا النظام:

إن من أهم مزايا نظام الهولوكراسي بحسب ، جيميس وميشيل 2012، أنه يشجع العضو على أخذ زمام المبادرة بما يوفر له من القدرة على تقديم أفكاره وتطبيقها بنفسه دون الحاجة إلى أخذ الإذن من المسؤول أو من أي أحد داخل المنظمة. فهو مستقل بنفسه ويتحمل مسؤولية ما يتخذه من قرارات. ومن مزاياه كذلك أنه يعمل على تخفيف عبء تحمل السلطة كلها لدى القيادة العليا، نظرا لأن نظام الهولوكراسي يقوم أساسا على مبدأ توزيع السلطات على الأعضاء في كل دوائر المنظمة. ومن مزاياه كذلك أنه يعمل على زيادة السرعة والكفاءة والشفافية والإبداع والمساءلة داخل المنظمة.

في المقابل يحذر ستيف دينينغ من اعتبار نظام الهولوكراسي الدواء الشافي للعاهات التي يولدها النظام البيروقراطي. ويستشهد على ذلك بأن نظام الهولوكراسي يهرب من الهرمية الوظيفية إلى الهرمية الدائرية وتعطي الدائرة الأصغر حجما صورة أقل وضوحا للهدف المحدد عن الدائرة الأوسع. كما أن صوت العميل مفقود بالمرة في هذا النظام، (ديننج وستيف (2014).

نظرتي الشخصية لهذا النظام:

النظام فيه ثقوب كبيرة من الصعب تجاوزها أو التغلب عليها. وقد ذكرنا ذلك في جملة التحديات التي تواجه هذا النظام عند تطبيقه. حينما طبقته شركة Zappos، كولن جوليا، (2016)،  قفز معدل الدوران الوظيفي إلى مستوى غير مسبوق 30% مما ترك هذه الشركة العملاقة في حالة اضطراب كبير أدى بها إلى  السقوط المدوي في عام 2016. فقد نزل تصنيفها في مجلة Fortune لتصنيف الأعمال وللمرة الأولى منذ ثماني سنوات. وقد يكون ناجحا في بعض المؤسسات الربحية وغير الربحية، لكن لا يمكن تعميمه على مستوى كل المنظمات والمؤسسات.

مدى إمكانية تطبيق هذا النظام في مؤسساتنا العامة والخاصة

في رأيي الشخصي إنه من الصعب تطبيقه في مؤسساتنا العامة والخاصة, نظرا لكونه نظاما ما زال من المبكر جدا الحكم عليه على أنه بديل جيد للنظام البيروقراطي. وقد يشكل تحديا كبيرا أمام الحكومة إذا أرادت تطبيقه في مجتمع غارق في النظام البيروقراطي إلى ترقوته. أما في المؤسسات الخاصة الصغيرة الحجم والتي تعتمد في عملها على تخصص معين ويكون الموظفون فيها في نفس المستوى المعرفي والخبرة فإنه بالإمكان ضمان نجاح نظام الهولوكراسي فيها.

مقترحات معدلة للنظام من أجل مواءمته للتطبيق على مؤسساتنا في سلطنة عمان

من الصعب تغيير النظام الهرمي المؤسسي مباشرة في مؤسساتنا بالسلطنة واستبداله بنظام الأدوار في الهولوكراسي. لكن يمكن التعديل على النظام الهرمي المؤسسي المتبع بالاستفادة من مجموعة المزايا التي يقدمها نظام الهولوكراسي. ومن أهمها في نظري: 

أولا: حوكمة النظام بمجموعة من القواعد التي تضمن أن السيادة للقانون وأنه فوق الجميع. وأن نظام الحوكمة يسري على كل مفاصل المنظمة من الإدارة العليا في قمة الهرم المؤسسي إلى أدنى مستوى وظيفي داخل المنظمة. 

ثانيا: تشجيع الموظفين على أخذ زمام المبادرة في كل إجراء منطقي يخدم سرعة إنجاز العمل ويرقي من كفاءته دون الحاجة إلى أخذ الإذن من المسؤول الأعلى في كل مرة. وهذا لا يتأتى إلا إذا آمن المسؤول بحرية التفكير وإبداء الرأي والتحدث بأريحية من قبل كل العاملين تحت قيادته.

ثالثا: توزيع السلطات وصناعة القرارات اليومية على الموظفين مباشرة دون الحاجة إلى رفعها كمقترحات طلبا للاعتماد من المسؤولين. وفي ذلك تخفيف للقيادة العليا من الاشتغال بالأعمال الروتينية والتفرغ التام للتفكير العالي والتخطيط الاستراتيجي لصالح المنظمة. وفي ذات الوقت ترتفع نسبة المستوى القيادي لدى الموظفين كلما عالج الموظف مشاكله العملية دون الرجوع إلى أخذ الإذن من رؤسائه في كل مرة. 

رابعا: تكريس ثقافة الاجتماعات اليومية المستمرة بين الموظفين في الفريق الواحد والمهمة الواحدة من أجل سرعة الاستجابة مع المتغيرات وأخذ القرارات اللازمة في حينها.

خامسا: خلق مناخ تنظيمي يشجع على الابتكار والإبداع بين الموظفين في كل إجراء متبع أو قرار متخذ بما يحقق الأهداف وينجز المهام بكفاءة وفاعلية.

المصادر والمراجع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق