أكد أن “ظهور مسلسل ضعيف لا يعني الحكم على الدراما العمانية كلها بالفشل” منتقدا تغييبها، وقال “الغياب يمثلُ الموتَ والنهاية، والدراما العمانية لاتزال في ريعان شبابها”، مبرئا كورونا من عدم الإنتاج الدرامي لهذا العام، ورأى أن الحل ليس في القوائم السوداء تجاه القائمين على عمل لم يحقق نجاحا، مشيرا إلى أن النقد والتجريح أصبح ظاهرة لمن لا يعجبه مسلسل معين.. هكذا تحدث الإعلامي والكاتب الدرامي أحمد بن سعيد الإزكي في حديثه لمجلة التكوين الإلكترونية، مشددا على اهمية الدراما وقال أنها “لم تعد كالسابق مجرَّد ترفيه وقضاء وقت للتسلية”، مشيرا إلى ان “المشكلة تكمنُ أولاً في الإيمان بأهمية الدراما ودورها في الحياة”، وقال أن الأعمال الدرامية في الخليج وسائر العالم تمر بمنعطفات من ناحية المستوى..
وإليكم التفاصيل
أكد الفنان والكاتب الدرامي، الإعلامي أحمد الإزكي أن الدراما العمانية كانت، “ومنذ عقودٍ خلتْ تتجلَّى في الأفق مع أوَّلِ خيط رمضاني بمسلسلاتها الكوميدية والتراجيدية وسهراتها وأفلامها التلفزيونية” مشيرا إلى أنها هذا العام “آثرتْ أنْ تخبوا، أو ربما قُدِّرَ لها ذلك، فقد حاولتْ التخلص من الخدر إلاَّ أنها لم تستطع، فبات الشارع العماني المحبُ لها يبكيها ويأسف على غيابها، حتى وإنْ كانَ الشارع العماني نفسه هو مَنْ يعتبُ عليها حينًا على ما تقدمه من مستوى (….) من وجِهة نظر البعض”.
وأضاف الإزكي أن “الأمر الذي لا يمكن تجاهله أوِ الحياد عنه هو أنَّ للدراما المحلية عشاقًا ومحبين ينتظرونها بفارغ الصبر، لأنها تعكس واقعهم وهمومهم ومشاكلهم وأمنياتهم وتطلعاتهم، باختصار إنها تعبِّرُ عن حياتهم، ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم”.
ورأى أحمد الأزكي، والذي تولى لفترة مسؤولية قطاع الإنتاج الدرامي”أنَّ السُخطَ الذي يبديه الشارع العماني حولَ بعضِ الأعمال الدرامية التي قُدِّمتْ في السنوات الماضية قابله هذا العام سُخط مضاعف جدا لغيابها ، فالغياب يمثلُ الموتَ والنهاية ، والدراما العمانية لاتزال في ريعان شبابها”، مؤكدا أن “السخطُ على غيابها إنما هو مؤشر قوي للتعبير عن الرغبة في تواجدها مهما كان المستوى الذي تقدمه، وإنْ كنَّا نطمح جميعاً أنْ تقدم الدراما العمانية دائما مستوىً عالياً من الأداء والعطاء والتميز ، وهذا الأمرُ ليس بالمستحيل لو أنَّ الدراما أُعطيتْ بحق الاهتمام الأكبر”.
وقال الأزكي أن “الدراما لم تعد كالسابق مجرَّد ترفيه وقضاء وقت للتسلية، إنها أكبرُ من ذلك بكثير، وليس هنا مجال تفصيل ذلك ، لكننا يكفي أنْ نفخر ونفاخر أنَّ جميع المشتغلين في الدراما العمانية من ممثلين وكتَّاب ومخرجين وفنيين وإداريين وماليين وطواقم الإخراج والإنتاج هم جميعا من بني جلدتنا، كلُهم عمانيون، ويتمُّ إشراك البعض أحياناً من الخارج من باب التنويع ليس أكثر، وليس من باب العجز والعوز وهذا ليس عيباً، فالدراما ليس لها عنوان ، عنوانها الوحيد هو الإقناع ، ولا مجالَ للتفصيل في هذه النقطة أيضًا”.
وتساءل الأزكي: لماذا تتوقف الدراما المحلية رغم إمكانياتها البشرية الكبيرة؟!
وفي محاولة لإجابته على تساؤله يشير إلى مجموعة من الإمكانيات القادرة على صنع دراما محلية مميزة، مشيرا إلى مجموعة من الأسماء، يقول: “لو استعرضنا بعض اسماء المؤلفين العمانيين لوجدناهم كثرٌ مقارنةً بما يقدَّم من أعمال، فهنالك السيناريست أحمد الحمداني والدكتورة شيخة الفجرية، ومجموعة من الأساتذة منهم هود الهوتي والأخوان عماد وجهاد الشنفريان، ونعيم فتح، وعبدالرحيم المجيني وعبدالله البطاشي ويوسف الحاج وبهية الشكيلية.. والقائمة تطول، وأما على مستوى الإخراج فهناك من الأساتذة أمين عبد اللطيف والدكتور خالد عبد الرحيم الزدجالي وأنيس الحبيب ومحبوب موسى ويوسف البلوشي ومحمد المردوف وناصر الرقيشي، وغيرهم كثيرون، أما الممثلون العمانيون فالجمهور يعرفهم أكثر مني، والطواقم الفنية العمانية تملأ الأستوديوهات المحلية وشركات الإنتاج العمانية.. فالطاقات الإبداعية المحلية كثيرة جداً، والبيئة العمانية خصبةٌ ومثالية للإنتاج الدرامي”.
ويطرح الأستاذ أحمد الأزكي سؤالا آخر، يتمثل في: إذنْ أينَ تكمنُ المشكلة؟
يجيب: “المشكلة تكمنُ أولاً في الإيمان بأهمية الدراما ودورها في الحياة، فالدراما ليستْ مجرَّد مسلسل كُتبَ له النجاح أوِ الفشل، فإذا نجح استمرَّت وإنْ فشل أوقفنا الدراما، ما هكذا تحلُ المشكلة ، فلو تمَّ حلُ مشكلة الدراما بتوقيفها ومنعها تتوالد من وراء الإيقاف مشاكلُ أخرى جمة، وهنا أستحضر مثالاً رياضياً ما رأيكم لو أنَّ هدَّافاً في فريقٍ ما أضاع ركلة جزاء، هلْ يطلق عليه أنه لاعبٌ فاشل ويتم الاستغناء عنه، أمْ يجبُ أنْ تعادَ له الثقة في نفسه بأنه قادرٌ على أنْ يأتي بالأفضل، هكذا هو الحال مع الدراما المحلية، فإذا وسمَ أحدهم مسلسلاً ما بالفشل، يجبُ أنْ تعادَ الثقة في العاملين في ذلك المسلسل بأنكم قادرون على تحقيق النجاح الأكبر، وليس بوضعهم في قائمةٍ سوداء لا يجوزُ الاقتراب منهم، ثم مَنْ قالَ إنَّ الفشل مطلقٌ في أعمالنا الدرامية، فالدراما كلها بما فيها الأفلام العالمية تسير بين مدٍّ وَجزر، فالمستويات متفاوتة”.
ويتساءل الكاتب والفنان أحمد الأزكي: ما نشاهده الآنَ في هذا الشهر المبارك من مسلسلات خليجية وعربية، هل كلها في مستوى واحد؟، ويجيب: “في الحقيقة لا، بل أنَّ التفاوت بين مسلسل وآخر ملحوظٌ وبشكلٍ كبير، ففي أحيانٍ كثيرةٍ لا يكونُ التفاوت على المستوى الفني أو الأداء التمثيلي بين الممثلين، أو على مستوى التأليف، إنما يكونُ التفاوت بين نوعية الأعمال المقدمة، فهناك منْ يحبُ المسلسلات التراثية ولا يحبُ الحديثة، والعكس صحيح، وآخرون يرغبون في مشاهدةِ مسلسلات تاريخية وفئة تعشق المسلسلات البدوية، فما يحدثُ عند بعضِ المشاهدين مَنْ لا تروقه نوعية معينة من المسلسلات يتناولها بالنقد والتجريح وأكثر من ذلك ولأكنْ أكثر وضوحاً ومصداقية حتى وإنْ كانَ مسلسل ظهرَ ضعيفًا فليس في هذا نهاية الكون، أو الحكم على الدراما العمانية كلها بالفشل”.
يشير الأزكي إلى جانب آخر تكمنُ فيه مشكلة الدراما العمانية، يراه في كونها “لا تنتمي صراحةً إلى مؤسسة رسمية خاصةٍ بها”، يرى بأنه “لو كان هنالك جهةٌ رسمية مسؤولة عن الدراما العمانية مستقلة إدارياً وماليا لكانتْ الدراما اليوم أكثر انتشاراً وقبولاً عند المتلقي، فما المشكلةُ أنْ تستقلَّ الدراما بذاتها على أنْ تدعمَ من الحكومة فترةً من الزمن لا تزيد على خمس سنوات، ثم تقومُ بتمويل نفسها بنفسها تحتَ ضوابط محددة وجهات رقابية تتابعها لأنها مؤسسة حكومية، فالدراما كما يعلم الجميع هي منتجٌ باهظُ الثمن، لا يمكنُ إلحاقه بجهةٍ معينة مثل وزارة شؤون الفنون الناشئة، أو الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إلاَّ إذا كانت لها موازنتها الخاصةُ بها، فمهما بلغتْ الموازنة السنوية للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون فإنَّ أكثر من 70% من موازنتها المالية تذهبُ كرواتب ومعاشات موظفيها، وما يتبقى من تلك الموازنة يذهب للجانب التشغيلي للمحطات الإذاعية والتلفزيونية والمتمثل في البرامج والأجهزة والصيانة، فكم يا ترى سيكونُ نصيبُ الدراما من تلك الموازنة؟ وكم تستطيع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أنْ تنتج سنوياً من الأعمال الدرامية؟ إنها تستطيع أنْ تنتج مسلسلين على أكثر تقدير ، فهل مسلسلان اثنان فقط طوال العام كفيلان بتطوير الدراما العمانية؟ والإجابة بالطبع لا، فالدراما ينبغي لها الاستمرارية طوال العام”.
ويعود الأزكي للقول بأنه: “ولكننا بالرغم من ذلك لم نشهدْ إنتاج ولا حتى مسلسل واحد هذا العام يُرضي الجماهير المتعطشة للدراما المحلية” محاولا إيجاد تفسير لما يمكن أن يكون من “الأسباب الحقيقية وراء هذا الاختفاء”، طارحا مجموعة من الاحتمالات: “هل هو نتاج ردود أفعالٍ عمّا قُدِّم َ من أعمال سابقة، أمْ ظروفٌ اقتصادية؟ أمْ هي كورونا كما صرح أحدُ المسؤولين بذلك، بالرغم من أنّ الدراما تحتاج على أقل تقدير ستة أشهر على إنتاجها بين تصوير ومونتاج ومكساج، وأكثر من عامٍ على البيروقراطية الإدارية المتمثلة في الاجتماعات والموافقات وتوقيع العقود وغيرها”، وأكد الإزكي: “كورونا بريئةٌ من عدم الإنتاج الدرامي لهذا العام براءة الذئب من دم ابن يعقوب”.
يضف الكاتب أحمد الأزكي: “قدْ يقولُ قائل كما يتردد الآن إنه كان هنالك ولفترة محددة – أيْ قبل أكثر من عشر سنوات- إنتاج جيدٌ من الأعمال الدرامية ، وأقول نعم كان الحال كما يقال عندما كان هنالك دعمٌ سخيٌ من ديوان البلاط السلطاني ، حينها بدأتْ الدراما تتحسن كمًّا ونوعًا”.
ويرى الأزكي أنَّ ملف الدراما العمانية يستحق أنْ يُناقش على مستوى عال في مجلس الوزراء ومجلس الدولة ومجلس الشورى، فالدراما هي إحدى الواجهات المهمة لعماننا الحبيبة، فبالدراما تنشط السياحة والتجارة ونحفظُ تاريخَ بلادنا وننقل هذا التاريخ من جيلٍ إلى آخر، كما أنها تكون رافدًا مهما للاقتصاد العماني إذا عُمِّقتْ بشكلٍ عالمي، فلو أنتجنا مسلسلاً يحمل عنوان رحلة السفينة سلطانة بمشاركةٍ أجنبية حسبَ الشخصيات التي وردتْ في تلك الرحلة لتبوأتْ الدراما العمانية مكانةً عالمية، وهذا مجرد مثال بسيط لا أكثر”.
وفي ختام حديثه أعرب الفنان والكاتب أحمد الأزكي عن دعوته للاهتمام بالدراما العمانية، وقال” لا تدعوها آخر الاهتمامات بل أنها تحتاجُ نظرةً جادةً جدًا وثاقبة، وعملاً حقيقيًا يثمرُ إنتاجًا حقيقيًا ، فقد تجاوز الفنان العماني مرحلةَ الهواية إلى مرحلة الإحتراف”..
