مقالات
نجم نوفمبر.. لا يأفل
عهود الزيدي
الصور بعدسة: عبدالله العبري
في طريقي إلى مسقط، وبإحدى قرى محافظة الباطنة، شاهدت مجموعة مواطنين وبينهم أطفال، ينصبون الأعلام على امتداد رقعة بسيطة من الشارع.. ولا نهاية لمداد حبهم لعمان، سُعدت لروحهم الشغوفة بالوطن، للذكرى التي يصنعونها، لتعبيرهم عن فرحتهم، هناك يد طفل حملت العلم.. ووالله لو قلت حمله بقلبه ما كذب فؤادي ما رأى.
ومرورا بشوارع مسقط أرى العمال يزينون الصواري ببهجة الألوان، فهنا الأبيض يحمل راية السلام، وهناك الأخضر المرتبط ارتباطا وثيقا بالخصب والزراعة، والأحمر القاني السارد والشاهد على تضحيات ابناء عمان لحفظ بلادهم عبر تاريخها الطويل، يرفعون العلم، بسيفيه وخنجره العمانية، يبتسم فؤادي وتبتهج مقلتاي، فنحن في عرس وطني آت..
بداية نوفمبر من كل عام تعلق الزينة في شوارع المدن والبنايات والبيوت على حد سواء، تتجمل الشاشات بعبارات التهاني والتبريكات، وعبر أثير الإذاعات تترنم الآذان وقع أناشيد الوطنية وأغاني الوطن، تتزين العامرة بخضاب الفرح.
وهكذا لسائر المدن، حتى القُرى ببساطتها، قلما ترى بيتا بدون علم عمان على سطحه .
يشكل نوفمبر زخما وطنيا متجليا في اكتساء البلاد زينة العيد الوطني وأعلام عماننا.. ترفرف كالطيور المحلقة في السماوات البيضاء، سماوات الحرية والبهاء، تخفق وكأنها نبض القلوب.. قلوب العمانيين أجمع. في الثامن عشر من نوفمبر من كل عام اعتادت عمان قاطبة على الافراح البهية المقامة احتفاءً بالعيد الوطني. وها نحن نحتفل بالخمسين عاما من ذهب والذي شاءت الأقدار أن يكون بدون سلطاننا قابوس، رحل ذات فجر حالك، انتحبنا وشاركتنا السماء الانتحاب، روحه باقية تسكن أديم عمانه، وكيان شعبه، وإن توارى جسده التراب، فنجم نوفمبر لا يأفل.
يلاحقني تساؤل طفولي لماذا نحتفل بهذه الضخامة في الثامن عشر من نوفمبر، احتفالات تنافس وتفوق احتفالنا بيوم النهضة المباركة ،حينها أدركت وأيقنت أن ميلاد السلطان قابوس هو بمثابة ميلاد الوطن، والنهضة مكملة لهذا الميلاد.. الميلاد الذي توسعت مدارك عمان به حتى أصبحت طود شامخ، لا يُرام،ولبست هوية جديدة عنوانها الإنسان العماني أولا. إن من يعيش على أرض عمان يستشعر عمق فرحتنا الوطنية، ويراها في ما يتمثل. تختزن ذاكرته بهذه الروعة.. وحتما سيحكيها لأهله عند عودته بعد آنٍ.
لنحتفل، قابوسنا لم يزل حيا، دام هيثمنا موجود، قالها أمير الإنسانية.. مواساة.. توسدت الدم، هيا نسعد..قالها الكمالي في العهد السعيد: أنا قابوس عمان، هذه الأرض كياني، كل ما ينبت فيها، من نخيل ومباني، وجبال راسيات وبحار ومؤاني، هي وجهي وفؤادي وعيوني ولساني.. عمان تضج وتنضح بتفاصيله، موجود روحا وإن غاب جسدا.. أرضه حصن شموخٍ، بحره فُلك سلامة.