الثقافي
سوار زهر
عهود الزيدي
تُشاغبني الحكايا، وأريج وقعها على السنين، السنين التي عبرتنا و عبرناها، تُحدثني نفسي لأكتبها، ولو إنفلت من عقدها بضع حبات لؤلؤ، أحاول وصله بخيط الذكرى، وإن كان متلاشٍ، ألا إنه قوي العقدة..
فيما جرت العادة بأن نصنع من الأشياء التي يعبق بها وادي فدا ونحولها لمصدر سعادة، كانت الحكاية مع شجرة (الحرمل) وهي شجرة تنبت في بطون الأودية، ذات غصون كثيرة، يفترش الأرض بعضها والبعض تحامل على عوده وإشتد يعانق السماء.
لها أوراق خضراء متوسطة الطول رمحية الشكل، جلدية الملمس، تحيلها مواسم الجفاف للإصفرار، راسمة إثر التساقط لوحة بألوان الغروب، وهي شجرة معمرة تزخر بها البيئة العمانية، لها زهر صغير، ذو خمس بتلات بيضاء، وميسمها أصفر بلمسة مخملية بحكم صبغة الرحيق، وساق مجوف قصير بلون الزرع، طوله نصف سنتيمتر حسب توقعي.
شكلت هذه الشجرة متعة ومواقف تجسدت بجانبها، صنعت لنا فرحا طفوليا، اذكره، ويذكره كل من شارك معي ولو في يوم واحد.. بهيج.
نفترش الأرض غير مبالين بالتراب، ولا بشوكة قد تنغرس بظاهر أقدامنا، نتحلق حول شجرة الحرمل، نقطف زهرها بلطف وعناية، رقتها وحجمها الصغير لا يتحملان القوة في التعامل معهما، نجمع ما يمكننا جمعه، ونضعه في الأثبنة، المكتسية فرحا بعناق الأزهار الصغيرة على رسومات أقمشة ما نرتديه. وقد نطوف على العديد منها كلما دعت الحاجة، بالأحرى كلما سُرت الأنفس بسوار الزهر وطلبت المزيد.
نشك زهرة إثر زهرة كحياكة أمهاتنا لثوب العيد، بكثير من الحُب، والمُنى ألا ينفلق ساقها المجوف، وذلك بغرس ساق زهرة بجوف ميسم زهرة أخرى، ليستقر في عنق ساق الأخرى، ويستمر المشهد، غير مبالين بالوقت الذي يمضي ونحن نصنع حليتنا منغمسين استمتاعا حتى يكتمل سوار الزهر، وعلى مقاس معاصمنا ننهي الغرس، ونعقد السوار، نطوق المعآصم بزهر شجرة الوادي، وقد يأخذنا الشغف لحياكة عقد، ينمو على رقابنا ويبتسم لإبتسامنا.
كل فتاة تُلقي نظرة على سوارها الأبيض، سارّة لنفسها أن تهبط الوادي يوميا، لتصنع سوارا جديدا..مستبدلة سوار الأمس بسوار طازجٍ.. في طريق العودة النظر للمعاصم.. أكثر من النظر لموطء القدم، ولولا خوف التعثر لما نالته نظرة!
– اليوم وأنا أكتب ذكراي هذه عرفت بأنها شجرة تُصنف من الأشجار السامة حسب موقع ويكيبيديا، لكم أن تتخيلوا الجمآل الذي ستفقده طفولتنا لو عرفت آنذاك هذه المعلومة.. المعلومة السامة جدا !
متألقه دومآ ياعهود، تسلم اناملك، الذهبيه، وقلمك المبدع، شكرا لك، شكرا لبان.
ليس مجرد سوار زهر، حلية الأيام..وطوق أمان السنين |شكرا لبان💌