من قال أن اللُّبان لا يكبر بجوار النخيل والبالنج والشاموم ؟.
من قال أن جبال السعتر والبوت والعلعلان لا ينساب من شجرها الحِلّاب كما ينزف اللبان الكهرمان؟.
إسألوا الغارس محمد بن سيف الرحبي القادم من الشويرة وغابة الحبيك وحناء ضفاف “الحيلي وبو جدي” وهو يغرس شجرة لبان مكان نخلة الفرض عند آخر شبر لظلة منارة الجامع الأكبر.
يومها أحاط به المثبطون ليملأوا أذنيه : بأنه اختار المكان الخطأ ، والموسم الخطأ ، فاللبان شجر الجبال وجار السماء ونديم الأقمار.
وأنه لا يشرب إلا من أفواه قرب الغيم.
إلا أنّ أبا هشام حسم الأمر فكان صارما وصادما في ردوده بأن الأرض الصلبة التي يقف عليها الإنسان هي أعلى قمم الكون ،
وأن الروح الحية هي الدِّيمة التي لا تحتكم لمواعيد مواسم المطر ، وحيثما وقف الواثقون فهناك الجبال والمواسم المطيرة. ولقد كان في مستوى التحدي فحفر بسن قلمه في المكان الذي اجتثت منه نخلة الفرض ليضع بثقة “قورة ” اللبان.
وسكب من “سِعِنِّ” روحه على منبتها لتشرب وتورق وتكبر.
وها هو العام الأول يكتمل و”الحوجرية” الشامخة تحت ظلة المنارة تنزف الكهرمان.
وهاهي “لبانته” تحتفل بشحنتها السبعين ، وقوافلها تتسابق على طريق البخور والحرير والقرنفل ميمَّمة شطر نجد وتيماء والمدائن والبتراء ومنف وطيبة وكيريوبوليس وانتهاء بتطوان ، فالرحبي يبدو مصرَّاً على كسر مقولة إن العاصمة العربية (ا) تكتب ، والعاصمة العربية (ب) تطبع ، والعاصمة العربية (ج) تقرأ ، لتحضر عُمان بقوة لتكتب وتطبع وتقرأ وتبدع وتتصدر .
وفي استراحة البيت التراثي على ضفاف وادي فنجاء وتحت قمر الرابع من أنور الربيعين التقى أصدقاء الأديب محمد بن سيف الرحبي مدير عام لبان ليحرقوا معه لبان العام الأول لمؤسسة “لبان” وسط نجاحات لافتة ومدهشة.
ولقد أضفت الهبَّة الرسمية والوطنية لاحتواء آثار شاهين روحا جميلة على ليلة العيد الأول ل”لبان” فحلقت الكلمات والقصائد إلى حيث احتشدت عمان من أقصاها إلى أقصاها وهي تحترب مع آثار الإعصار. وهذه الحميمية مع الجغرافيا ، وهذا الذوبان للمناطقية على صدارة ما نادت وتنادي به “لبان” لأجل أن يتجاور اللبان والنخل والجرز وعصا العتم فيزدهي الأفق.
وقد شَرُفُتُ وابني مازن بحضور المناسبة لنردِّد مقولة أن “الحي يحييك والميت يزيدك غم” ، فما يقوم بها الرحبي تكاد تنوء بحمله المؤسسات الرسمية ودور النشر العريقة.
لقد ولدت “لبان” في زمن الشلل النصفي لكورونا حيث توقف كل شيئ إلا لبان التي ظلت تحرق الجمر فيسافر دخانها إلى السماء.
وكما بدأتُ أختمُ بالتساؤل من قال أن اللبان لا يكبر بجوار النخيل ؟.
من قال أن جبال السعتر والعلعلان لا ينساب من شجرها الحِلّاب كما ينزف اللبان الكهرمان؟.
———————